هناك قاعدة في العلوم العسكرية تقول: “إذا
وجدت أن الطريق سهل العبور، فاعلم أنك تسير في اتجاه كمين محكم.
ونحن الشعوب العربية المحكومين من أنظمة جبانة أمام إسرائيل والتي من حسناتها ومنذ احتلالها لفلسطين وعلى مدى سنوات وفي كل عدوان تمارسه ضد الفلسطينيين، تكشف للشعوب العربية مدى خوف و ذل أنظمتهم بل وعمالتهم..
وكأن الأنظمة العربية تريد إيصال رسالة لشعوبها بضرورة تقبل الأمر الواقع و أن هذا الورم الخبيث الذي بليت به الأمة صار حميدا و لا يشكل خطرا..
فلا تملك هذه الأنظمة سوى الشجب على مايمارس من ظلم وعدوان على أهلنا في فلسطين لأنها تمارس أبشع منه على شعوبها، ولاتطلب الحرية وتقرير مصير الشعب الفلسطيني لأنها تمنع ذلك عن شعوبها.!
لذلك اصبحت الشعوب العربية مهووسة بالبحث عن نظريات المؤامرات واكتشافها، وهذه النظرية عززها عنصر المفاجأة والمباغتة الذي شنته كتائب الجناح العسكري لحركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية بغلاف غزة ونجاحها في اختراق خطوط العدو الإسرائيلي وعبور السياج العازل وقتل وأسر عدد كبير من جنوده واغتنام أسلحة وتدمير دبابات وتعطيلها.
هذا بغض النظر عن تقييم مكاسب عملية الطوفان وجدواها، وخلفياتها وأهدافها، وهل تبرر مكاسب العملية وجدواها الثمن الذي يتم أداؤه من أرواح المدنيين.؟
وهل كانت العملية لتنفيد استراتيجية معدة سلفا وهي جزء من مشروع الفوضى المنظمة، وهي تصفية القضية الفلسطينية وفرض أمر واقع اللجوء نحو مصر.؟
فالحرب يخطط لها أصحاب الاستراتيجيات الكبرى، وهناك من يستعمل فيها كأداة عن وعي واختيار، كما أن هناك من يستدرج لها عن غير وعي وغباء، وضحاياها دائما وأبدا من المدنيين الأبرياء وقضاياهم العادلة.
اسئلة كثيرة مبهمة وغامضة، حول المعركة
وماهو الهدف الاستراتيجي لحركة حماس من خوضها ؟
هل إشعال الحرب من أجل تحرير أراضي أو التوسع في مد السيطرة الفلسطينية؟
هل الطوفان سيحرر مدينة القدس وغيرها من المدن المحتلة من الكيان الصهيوني؟
هل كانت حركة حماس تتوقع حجم الرد على هجومها المباغت على غلاف غزة، واستعدت للعواقب العسكرية والسياسية؟ أم فوجئت بالرد
الإسرائيلي الدامي وعقابه الجماعي ضد أهل غزة؟
إذا كانت الإجابة نعم..!
فعلى الطوفان والنضال المقدس ألف ألف سلام وستجد مليار ونصف مسلم معه وكل من يؤمن بأهمية القضية من دون أجندات خارجية،
ولكن إن كان في كل سؤال أن الإجابة لا..!
يبقى الوجع في المدنيين الأبرياء، والفائدة في مكان آخر بعيد كل البعد عن تحرير الأرض الفلسطينية ونيل الشعب حقوقه المغتصبة.
في الماضي القريب كانت حركة فتح أكبر قوة عسكرية فلسطينية وأكثر شعبية وأكثر انتشارا في الوطن العربي في سوريا ولبنان والأردن.
وكان هناك الجبهة الشعبية التي وصلت قدراتها إلى خطف الطائرات بمختلف المطارات الدولية، وكذلك منظمة أيلول الأسود وحادثة اختطاف الاسرائليين بدورة الألعاب الأولمبية في ميونخ بألمانيا قلب أوروبا، كانت الفصائل الفلسطينية في أوج قوتها وسطوتها واليوم لا وجود لتلك الفصائل التي ملئت السمع والبصر وكانت تضم أكبر شعراء وأدباء وشخصيات وفنانين وأغلب مناضلي القضية الفلسطينية، وبعد سنوات على عمر القضية تم تحويل تلك الفصائل إلى مقرات سكنية وذكرى في عالم النسيان بسبب الذكاء السياسي الغربي عبر المدى الطويل وليس ضمن المدى المنظور المتأثر بالعواطف والظروف المحيطة.
فمن أوعز إلى حركة حماس بالهجوم المفاجئ وخروج مقاتليها من عرينهم داخل غزة إلى العراء بدون تغطية نارية ذات جدوى؟
هنا نتذكر كيف تم استدراج الرئيس العراقي السابق صدام حسين إلى مصيدة احتلال الكويت والقضاء على قواته في الصحراء والتي كانت من أكبر واقوى جيوش الشرق الأوسط.
ما حدث يوم 7 تشرين قلب الشارع الغربي ضد حركة حماس وانزل العقاب الجماعي على سكان القطاع، فالمزاج الغربي ليس كما عند العرب وكذلك التفكير ورؤية الأحداث من زوايا أخرى مختلفة، فالدول الكبرى بلا استثناء انتفضت وصبت جم غضبها على حركة حماس وأعلنت التأييد التام لإسرائيل في الدفاع عن نفسها وأكدت دعمها لأي خطوات عسكرية تقوم بها وتحصين نفسها للمدى الطويل.
وهنا حصلت إسرائيل على الضوء الأخضر
الذي انتظرته وظلت تسعى إليه منذ كامب ديفيد 79 وجاءت لها الفرصة عبر حماس ذاتها ومن يتابع الصراع العربي الإسرائيلي بتفاصيله وكل الحروب التي وقعت سابقا، وأيض ظروف وأسباب إقامة دولة إسرائيل بدعم غربي وشرقي أيام الاتحاد السوفيتي سيعرف أكثر أن حماس وقعت في الفخ ولن يُسمح لها بالعودة إلى قوتها التي كانت قبل 7 تشرين 2023
رُبّ قائل يقول: ما لزوم تلك الاسئلة والشعب الفلسطيني يقاد إلى المقصلة ممثلة في التشويه لحالة الوعي وخلط الأوراق، وتمسك حماس بصوابية منهجها، مهما تكن حصيلته من بعثرة وتشتيت ممنهج لطاقات الشعب الفلسطيني وتضحياته، وفي مقابلها عدو يزداد شراسة
و متنكرا لكل الحقوق والأعراف الإنسانية
وإلى متى الهروب من الاسئلة الصحيحة؟ فإذا كان الاستمرار في الخطأ ملهاة، فإن المساهمة في إدامة الخطأ هي المأساة بعينها، كما أن الإصرار على العنتريات التي تعجّ بها البيانات والخطب خطأ أكبر.
والدعوة إلى توقف الزعبرة السياسية كي لا تحدث كارثة كبرى ونكبة جديدة ونشجب وندين، نصل بها إلى نقطة انفصام سياسي لا تدل فيها الكلمات على معانيها، ولا نجرؤ فيها على الاقتراب من نقطة الوضوح، فنؤيد دعم عدالة القضية الفلسطينية ونحجب العدالة عن ابنائها! ولذا، تصبح الحاجة إلى السياسة الفاعلة كبديل عقلاني للزعبرات كلها التي تُدخلنا في لعبة مميتة بين اللهو والقتل.
فقد أصبحت القضية الفلسطينية تدار من مجموعات “ما دون وطنية” و”ما دون سياسية” لها انتماءاتها المتنوعة والمدمرة، تستند إلى قوة خارجية، ولديها القابلية للاستعمال والاستزلام، يجري تحريكها كلما سنحت الفرصة، والتحكم في توقيت العمل العسكري الذي تجني من خلفه القوى الخارجية نجاح سياسي على حساب الشعب الفلسطيني.
وأن أخطر ما في الكذب السياسي هو التوظيف النفعي للدين، وكذلك صناعة الأساطير سواء أكانت قومية أو دينية لتحقيق أهداف معينة تتمثل هذه الفائدة في إضفاء الشرعية السياسية على طابعها الإيديولوجي السلطوي.
إسرائيل لم تبتكر أسطورة أرض الميعاد، ولم تسهم في كتابة الأسفار الدينية، ولم تبتكر أسطورة شعب الله المختار، لكنها وظفت هذه الأسطورة سياسيا لتحقيق أهداف سياسية أدت إلى نشوء دولة إسرائيل على حساب الدولة الفلسطينية.
وكذلك التقية السياسية الإيرانية عملت على توظيف الدين لصالح تصدير ثورتها وخلقت كيانات دينية في الدول العربية تدين بالولاء لها من خلال شعار تحرير القدس ومعاداة الغرب لصالح تمددها في بلاد العرب.
لقد تلاعبت الدول الكبرى بقواعد الاشتباك لخدمة مشروع إسرائيل في فلسطين، ورغم
كل ما سمعنا وسنسمع من خطابات ومناوشات ومسيرات ومظاهرات كرنفالية، الحقيقية أن هناك اتفاق واسع ومن جميع الأطراف على تصفية القضية الفلسطينية بأي ثمن، ومع كل عملية عسكرية تقوم بها حماس وحرب تشنها إسرائيل يتجدد سيلان الدم الفلسطيني، وكذلك يتجدد النقاش حول سبل محاربة إسرائيل، وجدوى العمل العسكري وكلفته وردود الفعل عليه، ترافقه طقوس شعارات وأغاني واحتجاجات وهاشتاكات وثيمات بما يفرزه من حدة مشاعر وتطغى اسئلة حول تعريف حركة حماس التي تحذو خلف نهج المقاومة و الممانعة من إعلان الانتصارات الإلهية، وتعطيل السياسة ورفع القضايا إلى مرتبة القداسة، وتمجيد الانتصار وتحقير الخسائر البشرية والمادية والبقاء في السلطة بحصانة شرعية القتال.
لماذا نكرر مأساة أبطال رواية “أكاذيب الليل” الذين قضوا الليلة الأخيرة قبل الإعدام في التنظير للطريقة التي يفضلها كل فرد منهم لنفسه، والتوقيت الملائم لموته، في حين كان
الذي يصغي لاعترافاتهم يشابه الذي يشاهد
ويسمع ألام الفلسطينيين هو الحاكم الذي زج بهم في السجن وحكم عليهم بالإعدام، واكتفى بالتعليق على حواراتهم بكلمة موجزة ختامية فحواها أنه وحده قرصان السفينة الذي ينطق بالحقيقة.