إن تأكدت المعلومات المتداولة عن سماح روسيا لإيران بتمرير شحنات أسلحة لميليشياتها في سوريا ولبنان، عبر مطار حميميم باللاذقية، إلى جانب تسهيل انتشار الميليشيات المدعومة إيرانياً، قرب الجولان المحتل، فهذه قد تكون نقطة التحول -التي تنبأ بها بعض المتخصصين- في الموقف الروسي من تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة.
فـروسيا، التي اعتمدت سياسة التفاعل الحذر -مع إظهار ميل أكبر نسبياً للجانب الفلسطيني- حيال مجريات الحرب في غزة، منذ بداياتها، مع العمل على استغلالها دبلوماسياً وسياسياً وإعلامياً، لتسجيل النقاط على الولايات المتحدة الأميركية والأوروبيين، ربما تكون قد تجاوزت هذه المرحلة. وقد تكون في طور تعزيز الجهود الإيرانية الرامية إلى خلق حالة ضغط متصاعدة على واشنطن، بغية دفع هذه الأخيرة لإيقاف عجلة الحرب الإسرائيلية الشرسة على غزة.
وفيما نفت روسيا، رسمياً، المعلومات التي أوردتها وسائل إعلام أميركية عن تخطيط مجموعة المرتزقة فاغنر، لتزويد حزب الله بنظام “بانتسير” للدفاع الجوي الروسي.. لم يصدر أي نفي روسي حتى الآن، بخصوص المعلومات عن نقل أسلحة إيرانية عبر مطار حميميم أو تساهل روسيا حيال انتشار الميليشيات المدعومة إيرانياً، على تخوم الجولان المحتل. وقد يكون سبب ذلك، أن هذه المعلومات جاءت من مصادر محلية سورية معارضة، وإعلامية إسرائيلية، وإعلامية عربية (صحيفة الشرق الأوسط السعودية). ولم تحظ بانتشار في الإعلام الغربي، وتحديداً الأميركي، حتى الآن. ويبدو أن هناك مراقبين يقللون من دقّة هذه الأنباء، في الوقت الراهن. وذلك رغم تواتر المعطيات عن تكثيف الوجود الميداني الإيراني في الجنوب السوري، منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”، قبل أكثر من شهر.
ورغم الحاجة إلى التعامل الحذر مع هذه المعلومات، بانتظار دعمها من مصادر أخرى، يبقى أن متخصصين كانوا قد ألمحوا منذ الأسبوع الثاني للحرب، أن الموقف الروسي قد يشهد تحولاً نوعياً، يخرج به من خانة الموازنة بين علاقات موسكو الوطيدة بإيران وإسرائيل، على حدٍ سواء، إلى خانة يقترب فيها أكثر من الموقف الإيراني. وقد تشكلت مقدمات لهذا التحوّل، خلال الحرب في أوكرانيا، وانخراط إيران في دعم روسيا، بالمسيّرات، وتعزيز التعاون العسكري بين الطرفين بصورة متصاعدة، ومن ثم، انخراط إسرائيل في دعم كييف لوجستياً وسياسياً واستخباراتياً (في سياق مكافحة الطائرات المسيّرة الإيرانية)، مما نقل العلاقة بين موسكو وتل أبيب إلى مستويات غير مسبوقة من التوتر.
وانعكس هذا التوتر، مع بدء رد الفعل العسكري الإسرائيلي على عملية “طوفان الأقصى”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، حينما أوقفت تل أبيب تحذيرها المسبق لروسيا قبل شن هجماتها في الأراضي السورية. وهو التنسيق الأمني والعسكري الروسي – الإسرائيلي، الذي صَمَد –رغم كل الخلافات بين الطرفين- منذ أكثر من ست سنوات.
وهكذا يبدو أن معادلة “الفوائد الروسية” من الحرب في غزة، قد تجاوزتها الأحداث. فروسيا التي كانت ممتنة لابتعاد الاهتمام الإعلامي عن الأحداث بأوكرانيا، ولارتفاع مستوى الدعم العسكري والمادي الأميركي لإسرائيل، مما سينعكس إيجاباً لصالحها في أوكرانيا أيضاً، ناهيك، عن اقتناصها فرصة مناكفة واشنطن في مجلس الأمن الدولي، وتسجيل النقاط السياسية عليها في علاقاتها مع الشعوب العربية والإسلامية المستاءة من الانحياز الغربي المطلق لإسرائيل، إلى جانب رهانها على قفزات في أسعار النفط، تفيد ميزانيتها المخصصة للحرب في أوكرانيا، من جراء تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.. كل تلك “الفوائد”، تبدو أن الأحداث تجاوزتها. فروسيا، باتت أمام معضلة مشابهة –وإن كانت أقل حدّة- لتلك التي باتت أمامها إيران، وتتمثّل في أن الإجهاز الإسرائيلي على حماس، لو تحقق، فإنه يعني مكسباً لـ “الجبهة الغربية”، في مواجهة “المحور” الصاعد، المناوئ للهيمنة الغربية، وخاصة الأميركية، على السياسة الدولية، وفق المنظور الروسي. إلى جانب، أن عودة الانخراط العسكري الأميركي في المنطقة، استجابةً لتطورات الحرب الإسرائيلية في غزة، عبر إرسال مقاتلين وحاملات طائرات وغواصات نووية، كل ذلك يعني أن على روسيا بذل تكاليف لموازنة هذا الانخراط المستجد لواشنطن، وإلا، فإنها قد تعرّض تحالفها المثمر مع إيران، ومع قوى أخرى في المنطقة، لخسائر فادحة.
لذلك، ورغم عدم تأكّد المعلومات –بعد- بخصوص الضوء الأخضر الروسي لتمرير شحنات أسلحة إيرانية عبر مطار خاضع للسيطرة الروسية، ولانتشار الميليشيات الإيرانية قرب الجولان المحتل، فإن تلك المعلومات تبدو مفهومة، بل ومتوقعة من جانب شريحة من المتخصصين، الذين ذهبوا إلى أن موسكو، عند نقطة ما من تطور الحرب على غزة، ستضطر للخروج من خانة التعامل الحذر، إلى خانة الانخراط الحذر. وعند النقطة الأخيرة، تبدو موسكو في وضع من لا يحبّذ اتساع نطاق الحرب لتتحول إلى إقليمية في المنطقة. ويبدو التحذير الروسي من ذلك، حقيقياً، وليس مجرد حرب نفسية أو مزاودة سياسية على الأميركيين. ذلك أن استمرار الحرب الإسرائيلية الشرسة على غزة، قد يهدد بتقويض واحدة من جوانب النفوذ الإقليمي لإيران، وبدرجة أقل، لروسيا. لذا نعتقد أن موسكو بدأت بالفعل، في الانخراط مع طهران، لتعزيز موقف هذه الأخيرة، في تصعيد ضغطها الحذر على مواضع القوة العسكرية الأميركية في المنطقة، بغية إقناع واشنطن بضرورة وقف الحرب، سريعاً. وهو ما اقتربت واشنطن من الاقتناع به، بالفعل. أن وقف الحرب في غزة، في وقت قريب، ضروري، لتجنب احتمالية انزلاق المنطقة نحو مواجهة أوسع.
ما سبق لا يعني أن موسكو معنية بتعزيز القدرة الإيرانية على تهديد الأمن الإسرائيلي انطلاقاً من الحدود الشمالية للأراضي المحتلة. وهو ما تدعمه المعلومات المتوافرة –غير المؤكدة بعد – عن مفاوضات روسية – إيرانية استمرت ثلاثة أسابيع، قبل موافقة موسكو على استخدام طهران لمطار حميميم، واشتراط الروس أن تكون الأسلحة الممررة، دفاعية، لا هجومية. فموسكو معنية بالضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، لوقف الحرب على غزة، قبل أن تتحوّل إلى حرب اقتلاع لإحدى القوى المتحالفة مع المحور الإيراني، الحليف بدوره، لموسكو.
هذا التحوّل، إن تأكدت معطياته، سيمثّل ضرراً سيصعب إصلاحه في العلاقة الروسية – الإسرائيلية. وسينعكس في سوريا، مكسباً لإيران، عبر انحياز أكبر من جانب روسيا، باتجاهها، على حساب تلك العلاقة غير المثمرة مع تل أبيب، في أكثر الملفات حساسية بالنسبة للقيادة الروسية، أوكرانيا، من وجهة نظر صانع القرار بالكرملين.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
روسيا.بوتين تعمل للاستفادة من حرب غزة وبحيث لا تظهر على السطح كداعم لأذرع ملالي طهران بشحن أسلحة وذخائر عبر حميميم والتمدد جغرافياً بالجنوب ، الإثنين يخفيان رعبهما وخوفهما من الوحشية الأمريكية البريطانية الصهيونية بحرب غزة إن تصيبهم ، أذرع ملالي طهران يظهرون مواقف بدون أفعال جدية بعد 37 يوماً من هذه الحرب المجنونة .