دور الأردن ما زال حيوياً في حرب غزة

بين فيشمان

على الرغم من الزيارة الملغاة للرئيس الأمريكي بايدن إلى عمّان، إلّا أن عليه إبقاء الملك عبد الله في مقدمة الجهود الرامية لتخفيف الظروف الإنسانية في غزة.

بدلاً من قيام العاهل الأردني عبدالله الثاني باستضافة قمة متعددة الأطراف ومخططٍ لها مع الرئيس بايدن هذا الأسبوع، سافر إلى مصر في 19 أكتوبر/تشرين الأول، وانضم إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي في الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار بالإضافة إلى تكثيف الجهود الرامية لحماية المدنيين والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. ويسعى الملك جاهداً لتحقيق التوازن بين هويته كرجل دولة وصانع سلام وبين إدارة السكان الذين تعلو أصواتهم ضد الحرب في غزة. وعلى الرغم من إلغاء القمة، إلا أن العاهل الأردني يجب أن يستمر في لعب دور أساسي في الدبلوماسية في المنطقة وفي جهود مساعدة غزة.

إن أي اشتعال للوضع بين إسرائيل وفلسطين سيكون له بالضرورة تأثيرات مضاعفة على الأردن. وقد أُلغيت القمة في أعقاب الانفجار الدامي الذي وقع في 17 تشرين الأول/أكتوبر في مستشفى المعمداني في غزة، والذي سرعان ما نسبه الأردنيون – مَثَلهم مثل السكان العرب الآخرين – إلى إسرائيل، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات كبيرة خارج السفارة الإسرائيلية في عمّان. وفي الأسبوع الماضي، اندلعت احتجاجات ضخمة في مختلف المدن الكبرى في المملكة بعد صلاة الجمعة، ونجحت الشرطة المتأهبة في إبعاد المظاهرات عن المناطق الحساسة مثل السفارتين الأمريكية والإسرائيلية، في حين منعت الأجهزة الأمنية المتظاهرين من الاقتراب من الحدود. ومنعت وزارة الداخلية على نحو استباقي تنظيم الاحتجاجات في غور الأردن واستخدمت الغاز المسيّل للدموع لتفريق التجمعات المخالفة للحظر.

ومن المؤكد أن تتصاعد الاحتجاجات يوم الجمعة أيضاً، مما قد يدفع الحكومة إلى نشر عناصر من القوات المسلحة. وفي هذه الحالة، فإن أحد العوامل التي قد تساعد العاهل الأردني هو ثقة الشعب الكبيرة في الجيش، والتي أشار استطلاع للرأي أجري مؤخراً إلى أنها وصلت إلى 97 في المائة.

وفيما يتعلق بتركيبة الاحتجاجات، أدت “جبهة العمل الإسلامي”، وهو الحزب الذي يمثّل جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن، دوراً بارزاً في تنظيم مظاهرات 13 تشرين الأول/أكتوبر، حيث رفعت أعلامها الخضراء إلى جانب الأعلام الفلسطينية. ودعا رئيس الحزب مراد العضايلة، في كلمته أمام حشد في عمان، إلى “تسليح الشعب الأردني”، كما أعاد تأكيد المعارضة الواسعة النطاق لمعاهدة السلام مع إسرائيل الموقَّعة عام 1994 ولتمركز القوات الأمريكية في المملكة. ومن الصعب تقدير القوة التي تتمتع بها “جبهة العمل الإسلامي” لأنها تُقاطع الانتخابات وتعاني من انقسامات داخلية، ولكن كلما طال أمد الحرب في غزة، كلما أصبحت أكثر شعبية.

إلا أن وجهات النظر المعادية لإسرائيل لا تقتصر على “جبهة العمل الإسلامي”، لا سيما عندما تنشأ مشاكل متعلقة بالوصول إلى المسجد الأقصى وغيره من الأماكن المقدسة في القدس التي تتمتع المملكة بالوصاية عليها. كما أن الاتفاقيات الاقتصادية مع إسرائيل لا تزال لا تحظى بشعبية في الأردن أيضاً، حتى تلك المفيدة بشكل واضح مثل توفير المياه والغاز بأسعار مخفضة للدولة الفقيرة بالموارد. وقبل أسبوعين فقط من الهجمات التي شنتها “حماس”، عقد وزير الطاقة الإسرائيلي اجتماعاً تخطيطياً نهائياً مع الشركة التي يقع مقرها في الإمارات العربية المتحدة، والتي ستموّل صفقة معلّقة لإرسال الكهرباء الأردنية المولّدة من طاقة الشمس إلى إسرائيل مقابل المياه المحلاة. ومن المؤكد أن هذه الصفقة، التي كان من المفترض أن يتم توقيعها الشهر المقبل في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي تستضيفه الإمارات العربية المتحدة، سوف يتم تأجيلها الآن.

.وما زال الأردن يشكل محوراً أساسياً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بفضل الشراكة الأمنية الثنائية والقيادة السياسية المعتدلة للمملكة. وفي عام 2022، وقّعت الولايات المتحدة والأردن اتفاقية مساعدات سنوية بقيمة 1.45 مليار دولار تستمر لمدة قياسية أمدها سبع سنوات، مما يجعل عمّان ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات الأمريكية على الصعيد العالمي (ومعظمها اقتصادية) بعد إسرائيل. ومع ذلك، عندما تحصل أعمال عدائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن حتى هذه المساعدات الوفيرة لا تمنع الاحتجاجات العرضية المناهِضة للولايات المتحدة أو الجدل المحلي حول إمكانية وصول الجيش الأمريكي إلى المطارات الأردنية وغيرها من المرافق (على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية الأمنية لعام 2021). وبالتالي، إذا قررت القوات الأمريكية استخدام المطارات الأردنية للمساعدة على ردع الصراع الحالي عن الاتساع إقليمياً، فعليها أن تفعل ذلك بأعلى قدر من المهارة..

وعلى الرغم من اختلاف الأولويات بين إسرائيل والأردن فيما يتعلق بغزة، إلا أن لديهما مصالح مشتركة في ضمان عدم امتداد الحرب إلى القدس أو الضفة الغربية. وسعياً إلى تحقيق الاستقرار في الداخل، لا تريد القيادة الأردنية إعطاء “جبهة العمل الإسلامي” أو أي معارضين آخرين أي أسباب إضافية تدعم بها قضيتها. كما لا تستطيع إسرائيل أن تتحمل الالتزام بإرسال قوات إضافية إلى منطقة الحدود الأردنية أو الضفة الغربية الأوسع نطاقاً. وقد ظلت العلاقات الأمنية الثنائية وثيقة حتى الآن، لكن هذه العلاقات قد تضعف إذا اتسعت الحرب – خاصة إذا تدهورت العلاقة السياسية بصورة أكثر.

وفي الواقع، لطالما كانت العلاقة بين الملك عبد الله ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيئة، وقد تفاقم الوضع بعد أن شكّل نتنياهو حكومة يمينية متطرفة في أواخر عام 2022، الأمر الذي دفع العاهل الأردني إلى الخوف من رغبة إسرائيل في دفع فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن. وفي بيان مشترك صدر بعد الاجتماع الذي عُقد في التاسع عشر من تشرين الأول/أكتوبر مع الرئيس السيسي، رفض الملك عبد الله “أي محاولة للتهجير القسري لسكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر”. ونظراً إلى هذه العلاقات المتوترة، يجب أن يعمل المسؤولون الأمريكيون بجدٍ للحفاظ على قناة سياسية مفتوحة ونشطة بين عمّان والقدس. وإذا ظهر خطاب تحريضي من أي من الطرفين، فيجب على واشنطن طمأنة الطرف الآخر بأن هذه اللغة لا تعكس السياسة الرسمية.

وبالإضافة إلى الحفاظ على قنوات التواصل، يجب أن ينسب القادة الأمريكيون بشكلٍ علنيٍ جزءاً من الفضل إلى الملك عبد الله إذا سمحت إسرائيل بإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة وإنشاء مناطق آمنة للمدنيين، كما اقترح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 16 تشرين الأول/أكتوبر. على سبيل المثال، بإمكان واشنطن تسليط الضوء على الموارد المقدَّمة للمستشفى الميداني الأردني في غزة أو توجيهها إليه، بعد أن تلقى قائد قوته اتصالاً هاتفياً من ولي العهد الأمير الحسين في 17 تشرين الأول/أكتوبر للتأكيد على تواجد المستشفى القائم منذ فترة طويلة. كما يمكن أن يسلط المسؤولون الأمريكيون الضوء على المساعدات الإنسانية التي جهّزتها المملكة مسبقاً في حال بروز آلية للتسليم. ونظراً لضعف الأردن في مواجهة المشاكل الداخلية، فإن أي شيء يمكن أن تقوم به واشنطن لطمأنة المملكة بأن أمريكا تدعمها، سيعود عليها بالفائدة.

بين فيشمان هو زميل أقدم في معهد واشنطن وعضو في “برنامج ليندا وتوني روبين للسياسة العربية” التابع للمعهد.

المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى