حول عملية طوفان الأقصى

معقل زهور عدي

لا يمكن للمرء أن لايتملكه الإعجاب بذلك التخطيط المتقن لعملية طوفان الأقصى , وذلك التنفيذ الجريء والشجاع أيضا , كما لا يمكن تجاهل مدى الغطرسة والاضطهاد للشعب الفلسطيني المنفلتين اللذين وسما الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خاصة اليمينية الحالية , وكيف جرى التنكرتماما لاتفاق أوسلو ولأبسط الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني وتبني استراتيجية تهويد للضفة الغربية, تلك السياسة التي وضعت ظهر الشعب الفلسطيني إلى الحائط في ظل تجاهل  النظام الدولي تجاهلا  لم يسبق له مثيل لوضع الشعب الفلسطيني والممارسات العنصرية الإسرائيلية ,هذا التجاهل  الذي تم تفسيره في إسرائيل باعتباره ضوءا أخضر للمضي قدما في سياسة الاستيطان والحصار والتضييق على الشعب الفلسطيني .

جاءت عملية طوفان الأقصى كرد على سياسة الحكومة الإسرائيلية وتجاهل النظام الدولي لحقوق الشعب الفلسطيني , وهو رد أشبه ما يكون بالانفجار منه بأي شيء آخر .

لايمكن أن لايتضامن المرء مع الشعب الفلسطيني المهدد بوجوده ومستقبله بوجه سياسات الاستيطان ومصادرة الأراضي والتمييز العنصري , ولايمكن لوم هذا الشعب في مقاومته لتلك السياسات .

مع ذلك فهناك بعض الملاحظات التي لابد من التوقف عندها قيما يتعلق بعملية طوفان الأقصى .

وأول تلك الملاحظات هي : هل خططت القيادة الفلسطينية في غزة لما بعد تلك العملية ؟

كل الدلائل تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية اليمينة قد شعرت بالإهانة البالغة وهالها حجم الخسائر والمفاجأة التي لم يسبق لها مثيل , وبالتالي فهناك احتمال كبير في شن حرب برية وجوية ضد قطاع غزة بهدف احتلاله وإنهاء وضع حماس بصورة تامة , فهل وضعت القيادة الفلسطينية ذلك الاحتمال بالاعتبار ؟

وماذا عن حماية السكان المدنيين في غزة من القصف وتأمين متطلبات حياتهم مقابل رد الفعل الإسرائيلي المحتم على العملية , من الواضح وجود تقصير كبير في تأمين الملاجئ وخطط إخلاء الأماكن التي تستهدف بالقصف وتأمين الكادر الصحي والمستشفيات وأجهزة الإسعاف والدفاع المدني بما لايتناسب مع التقدم في إعداد الخطط والتجهيزات الحربية والتدريبات المكثفة التي أظهرتها المعركة ؟

وثاني تلك الملاحظات هي تلك الممارسات السيئة البعيدة عن الروح الإسلامية – العربية والروح الحضارية التي تم التقاطها بسرعة في وسائل الإعلام الدولية التي هي بالأصل تميل باستمرار لصالح الدعاية الإسرائيلية .

فماذا يعني القبض على نساء عجائز لاتخاذهن أسيرات ؟ وكيف سمحت حماس لمقاتليها تجريد إحدى النساء من لباسها وسحب جثتها تحت الكاميرات وعلى شاحنة مكشوفة للجميع ؟

فللقتال أيضا أخلاقه التي ينبغي أن يعرفها ويلتزم بها المقاتلون , كيلا يتم تشويه الأهداف النبيلة بالممارسات المرفوضة.

وأخيرا فإن النفوذ الإيراني الذي اخترق القيادة الفلسطينية في غزة ودفعها بعيدا لتدور في فلك السياسة الإيرانية في المنطقة التي تلعب دورا تفكيكيا للمجتمعات العربية وتبث الطائفية وتقف بوجه حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها , ذلك النفوذ المعلن لايمكن إلا أن يدفع المرء للحذر من توظيف أي معركة مواجهة مثل معركة طوفان الأقصى توظيفا سياسيا لايراعي مصالح الشعب الفلسطيني بقدر ما يخدم  أجندات السياسة الإيرانية الإمبراطورية التوسعية في المنطقة  .

ولايمنع ذلك من التضامن بصورة تامة مع الشعب الفلسطيني في كفاحه المشروع لنيل حقوقه الإنسانية والسياسية , واستنكار السياسات العنصرية والإستيطانية وتهديد مقدساته ومقدسات جميع العرب والمسلمين , مثلما يستنكر المرء الموقف الدولي المنافق الذي يشتعل غضبا لدى أي رد فعل فلسطيني , بينما يضع رأسه تحت الرمال فلايرى كل الممارسات الوحشية للإحتلال .

المصدر: ( كلنا شركاء )

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى