الانتقال في أقلّ من أسبوع إلى قاع الجحيم. و مداواة الجرح النرجسيّ حين نجعل الهزيمة قابلةً للهضم والابتلاع باختراع تعبير “النكسة”. هي الحقائق التي تكاد تكون الأجلى، ومازلنا نسمع صداها إلى يومنا هذا! لكن السؤال الأبرز: لماذا تتكرر هزيمة حزيران بهذا الشكل الواضح الصريح ونعالجها بتلك الطرق المكررة الممجوجة التي تعبنا من لعنها؟!!
نعم استيقظنا في المشرق العربي على حقيقة أن دولنا ليست دولاً وأن شعوبنا ليست شعوباً، لكن لماذا مازلنا نبحث بنفس الأدوات عن شعب آخر ودول أخرى لنكون جزءاً ولو هامشيا منها، على أن نكون جزءاً أصيلاً من الأرض والبشر الذين وجدنا قدراً في محيطهم؟ لماذا ننتظر أن يهبط الحلُّ من السماء، بينما نُنظر بصفاقة للشعوب والدول التي نسعى بكل ما أوتينا من قوة لأن نتمسك بأهداب عروشهم!؟
نحن بالفعل لا نزال نعانق هذا الحدثَ المؤسِّس الذي أنجب أبناء يختلفون عنه ربما في هذا الملمح أو ذاك، إلاّ أنّ شهادة الميلاد التي يحملونها لا يرقى إليها الشكّ بتطابقها مع أسلافها. دخل سيدنا داود القدس حوالي الألف قبل الميلاد بجيل آمن بالتغيير والانتفاض على طريقة أبائه وأجداده في معالجة الواقع، لكن قام بعدها نبوخذ نصر ابن نبوبولاسر في بابل بإجلاء اليهود من فلسطين مرتين: مرة في عام 597 ق.م، والمرة الثانية في عام 586 ق.م بما عرف تاريخياً بالسبي البابلي Babylonian Exile ..وقد تمت العودة لليهود إلى أرض فلسطين مرة ثانية بعد سقوط الدولة الكلدانية على يد قورش الكبير حاكم فارس في ذلك الوقت، الذي وعد اليهود بالعودة إلى أرض فلسطين مرة أخرى، واليوم ينام محور المقاومة على وعد الانتصار من قورش الجديد بإعادة المسلمين إلى القدس، لكن لماذا لا نسأل أنفسنا: هل كان يهود السبي يحملون نفس جينات وشهادة ميلاد اليهود الذين كانوا مع سيدنا داوود!؟ وهل انتصارات قورش الكبير جاءت تحت ستار التقية أو الجنة الموعودة بصكوك الغفران المزيفة؟ وهل عودة اليهود بدعم قورش القديم غيرت حقيقة انفصال حقيقتهم وواقعهم في ذلك الوقت عن واقع وحقيقة أجدادهم المؤمنين؟
البشر هم البشر وإن اختلفتِ الأزمنةُ والأماكنُ وطريقةُ مشربهم ومسكنهم بل حتى أشكال وصور أحلامهم، لكن جوهرهم ودوافعهم واحدة لا تتغير. الأسد وصدام وياسر عرفات وقورش و سليماني وحسن نصر الله والسيسي… كلهم شخصيات عابرة تتكرر عبر الأزمنة بأسماء ولبوس وأشكال مختلفة، لكن الجوهر هو القرار الجماعي في الغرق بالمسميات والاكتفاء بروايات أمثالهم والركون إلى موازين القوى التي تجعل أجسادنا تتثاقل إلى الأرض ولو كان مكبَّ نفايات رائحتُه تزكم الأنوف التي لم تعتده، أما تعرية الحقائق كما هي عسى أن يستيقظ يوماً ما من يقول في صحراء مقفرة وسط الحطام والركام أن علينا أن نستيقظ من الأوهام لنغير الواقع، فأمر حاسم في حياتنا الدنيا وفي حسابات يوم القيامة!
كثيراً ما يُتهم الكتاب بأنهم منظرون فاشلون؛ لأن سلاحهم “الكلمة” ضعيف، فالكلمة لا تصنع شيئاً أمام المال والسلطان، لكن علينا ألا ننسى أن بضع كلمات نزلت على سيد الخلق محمد (ص)، كانت ومازالت وستبقى الدستور الوحيد للنجاة في الدارين، أما أساطير عبد الفتاح السيسي والأسد والبرهان وحميدتي وووو…وأمثالهم وما أكثرهم في عالمنا الحالي والسابق، فستزول يوماً وتصبح هباءً منثورا، عندما يستيقظ حزب مكب النفايات من تأثير رائحته التي أدمنها من كثرة ما لعنها!
ربما لن ينجح أحمد طنطاوي في تحصيل التوكيلات المطلوبة، وحكام الخليج سوف يستمرون في مشاريع السراب وحفلات إحراق المال على ما يسمح لهم به أسيادهم، وربما يبيع الائتلاف السوري قضية الشعب السوري بأبخس الأثمان، ويسعد تجار الأزمات وأغنياء الحروب من منظمات وجمعيات وأفراد ومهربين بالثروة ومخدر السلطة والقوة، لكن بالتأكيد رفعت الأقلام وجفت الصحف؛ لأن الحساب وميزان المواقف سيأتي شاء من شاء وأبى من أبى، وعندها لن تنفع المبررات، فالحق بيّن والباطل بيّن!