النظام الذي لا يعيش الا بالأزمات

كامل ناصر

 الجزء الأول:

مثله مثل العديد من الأنظمة الديكتاتورية التي استغلت الظروف و من خلال انتخابات مزورة ، استولت على الحكم ، تستخدم اللعب على المشاعر و الاحاسيس الوطنية و بعض الأسباب الواهية حتى تحسس و تحذر و تقنع شعوبها أن دولتهم و على رأسها النظام الحاكم ، تهددها شتى المخاطر و هناك احتمالات واردة لعدوان من جهات أجنبية ، تريد النيل من سيادتها و الخ ، و بهذا تخلق أجواء مليئة ب الترقب و الخوف من المجهول و عدو معين مصنوع من الاكاذيب و اللف و الدوران  ، أي عدو وهمي ، حتى تحكم سيطرتها على زمام الأمور في البلد و خاصة إذا كان النظام يعاني الأوضاع المتدهورة على كل الأصعدة ، اقتصاديا و ما شابه ذلك ، مهلهل و يعاني من العجز لتلبية متطلبات الشعب المحكوم عليه ، و الحديث هذا يقصد به النظام القمعي الإيراني  و الذي و مذ بداية أيامه الأولى في الحكم ، واجه كل مطالب الشعوب ، بالقمع و الرعب المبرر من وجهة نظره و عند أي حراك شعبي ، كانت هناك تهم الارتباط بالخارج و الدول الأجنبية جاهزة و مدعومة من إعلامه التابع له و من يتبعه من أبواق لا ضمير لها و لا ذرة من الإنسانية ، و شاهدنا ذلك كيف تعامل مع مطالب الشعوب الغير فارسية الذي تعرضت لمجازر عدة و حتى القصف بقنابل النابالم الحارقة و كيف واجه المظاهرات التي كانت تقوم من قبل الأحزاب و التيارات السياسية المعارضة بكل انواع مشاربها و طيفها السياسي المتنوع ، حملات مداهمة على مقرات الأحزاب المناهضة و على مدار الساعة و الهجوم البربري على ساحات الجامعات و المراكز العلمية و الاعتقالات التي كانت تتم بشكل عشوائي لا تفرق بين متظاهر و ناشط و بين الإنسان العادي في شوارع المدن و مع كل تلك الممارسات الوحشية ، الا و استمرت المظاهرات و الاحتجاجات اليومية و توسعت و أخذت الطابع اليومي ومع ازدياد شعلة الاحتجاجات ، زادت عمليات المطاردة و الاعتقال و الاغتيال بحق النشطاء و الشخصيات البارزة المطروحة و المعروفة في الساحة السياسية آنذاك ، و نتيجة سياسة الرعناء هذه و الأجواء البوليسية و المضايقات ، اضطررت و أعلنت البعض من الأطراف السياسية المعارضة ، اتخاذ منهج الكفاح المسلح و كانت هذه ردا طبيعيا على تعامل الأجهزة الأمنية الوحشي و الهمجي و العنف المتزايد ، الذي كان يستهدف كل من يعارض النظام الدموي ، و اثر ذلك تطورت الأحداث و اخذت الشكل الاعتيادي اليومي و لم يمر يوم لم تنتشر اخبار عملية مسلحة هنا و هناك ، إلى درجة وصلت الأمور إلى مأزق حقيقي بكل معنى الكلمة ، بمعنى النظام وجد نفسه محاط بشارع منتفض ، لا يعرف التنازل و لا المساومة على حقوقه المسلوبة ، لكن بالمقابل إلى جانب الأحداث و الأوضاع المتوترة و الحراك الشعبي و تصاعدها اليومي و الصدام الدامي ، بنفس الوقت و بالخفاء ، كان النظام في أروقته يجهز لسيناريو شرير قد يدخل البلاد بأكمله في دائرة صراع واسع مع دولة جارة و هي العراق ، و يورط كل أبناء الشعوب بأزمات لا ناقة لهم بها و لا جمل ، و الكشف و اعلان شعار تصدير الثورة المزعومة ، إذ بدأ الشروع بتحركات مشبوهة و اعتداءات عسكرية شبه يومية و قصف المخافر الحدودية للعراق و محاولة خلق بلبلة في مدنه و العمليات التخريبية التي كانت تقوم بها أحزاب موالية له ، تمهيدا لساعة الصفر و التي هي اندلاع حرب خاسرة سلفا [1] ، و الاستنزاف الخطير لكل الموارد و أخذ البلاد إلى حافة الهاوية ، دون الاكتراث إلى الأوضاع المزرية و الغير مستقرة داخل جغرافيا السياسية الايرانية ، بدأت الحرب على كل المحاور و الجبهات و بدأ معها فصلا جديد من التشرد و هروب الملايين من البشر الذين كانوا يقطنون المدن و القرى الحدودية المحاذية لأراضي العراقية و بدأ مسلسل الموت و فقد الأرواح و و الحزن و الضياع و الدمار الكامل للمدن و الأرياف القريبة و البعيدة منها ، و جاءت الأزمات الاقتصادية حتى تزيد من الضيق و الفقر على أبناء الشعوب المغلوب على أمرهم ، أمام قوة سلطة لا تكترث و لا تسمع صوت العقل و هنا و في الظروف هذه ، حاولت أن تصيد و تكسب عدة أهداف سياسية و أمنية بحتة و تقضي على كل المناوئين لسياساتها و نشاطهم و تفتح كل سجون البلاد على مصراعيها بوجه المناضلين و المعارضين و أن تخلق أجواء أمنية ، بعد أن شرّعت و سرّعت بحملات الاعتقالات الوحشية ، و الإعدامات التي عادة كانت تتم بدون أي محاكمة تذكر [2] ، و من خلالها و حسب الاخبار الدقيقة و الموثقة المتناقلة بين النشطاء و الناس بشكل عام آنذاك ، كثرت المقابر الجماعية المجهولة العناوين و ساد البلاد و شوارعها الاختناق و الرعب ، اللذين تسببا بوقف الحراك و نشاط الأغلبية العظمى من الحركات السياسية المعارضة للنظام ، بعد أن تعرضوا لضربات أمنية قاسية و اعتقال عدد كبير من قياداتها من الصف الأول ، مما أثرت بشكل مباشر على تراجع و ضعف عملها السياسي العام و حتى الإعلامي و جبرا اختاروا تكتيك العمل السري يرافقه الكتمان مع أعلى درجات بأخذ الحيطة و الحذر في التعامل بين الاعضاء و على الساحة الميدانية ، النظام نشر و وسع سطوته الأمنية في كل مرافق الحياة اليومية لأبناء الشعوب ، و حقق بشكل شبه كلي غاياته من سياسته العدوانية اتجاه العراق و القضاء على كل نشاط و حراك مناهض لسياساته التعسفية .

بالنظر إلى ما تطرقنا إليه ، الصورة المطبقة لنفس سياسة النظام الإيراني ، نجدها عند كل طرف أو حتى نظام قمعي له صلة مباشرة و علاقات سياسية متينة معه ، في التعامل مع الشعب الذي تحكم عليه ، مثلا في لبنان ربيبته ( حزب ! ) و حروبه المسرحية مع اسرائيل و في دول أخرى بعد احتلال الإيراني لها ، و نفس المبررات الواهية ، مؤامرات و إخطار و كما شاهدنا مسرحية مشابهة في سنة 2014  في العراق و مسرحية ما سميت د ا ع ش و الخ .

و الحديث هنا يطول و لا نريد أن نتكلم عن محاولة دخول او شراء الحرب أو بتعبير آخر ، الإعاشة و التغذي منه ، من قبل السلطة الحاكمة في طهران مع عدة الدول المجاورة لها ، بأي ثمن كان ، لأن الغاية تبقى نفسها ، بمعنى آخر الحصول على العديد من المكاسب و التي تصب كلها بالأخير في خانته و تخدم مصالحه و تطيل من عمره و استمراريته ، و من تلك المحاولات مثلا ، قصف أراضي العراقية في السنتين الأخيرتين و تهديده الدخول و اجتياح الأراضي العراقية ، بحجج واهية وجدها و يتكلم بها حديثا ، و حشد القوات العسكرية على الحدود مع جمهورية آذربيجان و التهديد و الوعيد المستمر و بلا انقطاع للدول العربية الخليجية و السعي في ابتزازها ، خاصة ما يخص قضية الجزر الإماراتية الثلاث  المحتلة و محاولا أخرى لا تغيب عن المتابع للأحداث و التطورات السياسية .

نظرا إلى كل الألاعيب القائمة و المراوغات المتنوعة للنظام الإيراني في محاولاته المتكررة في خلط الأوراق و ربط عجزه في تلبية متطلبات أبناء الشعوب ، بالأزمات الذي صنعها يوما و يحاول صنعها ، الا ان تبين للجميع و انكشف امره ، أنه النظام الوحيد في المنطقة الذي لا يعيش و يستمر الا في ظل الأزمات التي هي من صنع يده و تدبيره .

[1]

هذا رغم كل المناشدات و المبادرات العراقية و مجلس الأمن و قراراته ، لوقف إطلاق النار ، قابلها إصرار الطغمة الحاكمة في طهران ، التي بالنهاية باءت بالفشل .

[2]

من كانوا يمسكوا لدى أي شخص مجرد منشور واحد ، سيكون مصيره واضح و التهمة الموجهة إليه ايضا و هي خائن و عضو في الطابور الخامس ، و يحكم عليه تحت بند حكم الطوارئ أثناء الحرب ، و خلال فترة الحرب و تحديدا نهايتها ، تم اصدار أحكام الإعدام بحق أكثر من 35000 ألف مناضل من أصحاب الرأي ، أغلبيتهم كانوا قد أتموا فترة عقوبتهم أو مدة بقائهم في السجون .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى