أثارت زيارة السفير الروسي لدى إسرائيل، أناتولي فيكتوروف، إلى الزعيم الروحي لطائفة الدروز في فلسطين الشيخ موفق طريف، العديد من التكهنات حول موقف موسكو من الصراع الدائر في سوريا.
وكان طريف قد التقى، في دارته بالجليل، السفير الروسي الخميس الماضي، للحديث عن تطورات الأوضاع بمحافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية جنوب سوريا، والتي دخلت موجة الاحتجاجات الجديدة فيها شهرها الثاني.
وتشهد هذه المحافظة احتجاجات قوية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وقد وصفت بأنها الأقوى منذ بداية الثورة السورية في مارس/آذار 2011.
وتناقلت وسائل الإعلام خبر الزيارة التي أكد خلالها طريف أن “أبناء الطائفة في سوريا خرجوا إلى الشوارع بشكل سلمي للتعبير عن موقفهم تجاه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وهي مطالب أساسية وعادلة لمواطنين مخلصين قدموا الكثير من أجل بلدهم ووطنهم”.
رسالة إلى حكومة دمشق
وحمل الشيخ طريف السفير الروسي رسالة لخارجية بلاده يطلب فيها إبلاغ حكومة دمشق ضرورة الاستماع لمطالب المحتجين، مذكرا بما أسماه “دور الطائفة البطولي في سوريا منذ قيام الثورة السورية الكبرى وخلال محطات تاريخية كثيرة”.
وأضاف “الدروز أثبتوا دائما حرصهم وغيرتهم على الدولة السورية وموقفهم الثابت تجاه الحفاظ على أرض الوطن. ومن أجل ذلك، تعارض الطائفة أي محاولة للتشكيك أو الطعن في مصداقية الاحتجاجات الشعبية المشروعة”.
من جانبه، أكد السفير الروسي على ما وصفه بـ”متانة وامتداد العلاقة بين روسيا الاتحادية وطائفة المسلمين الموحدين الدروز” واعدا الشيخ بنقل رسالته إلى الخارجية الروسية.
وتُعتبر موسكو لاعبا فاعلا بالأزمة السورية، فموقفها الداعم لنظام الأسد لم يتغير منذ بداية الصراع قبل 12 عاما، وبذلت الدبلوماسية الروسية جهودا كبيرة بالأمم المتحدة، واستخدمت حق النقض “الفيتو” مرات عديدة لمنع أي قرار من شأنه المساس بالنظام السوري أو الأسد.
ويوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2015 حصل الرئيس فلاديمير بوتين على موافقة مجلس الاتحاد الروسي ومُنح تفويضا بالإجماع، ضمن جلسة مغلقة، باستخدام القوات المسلحة خارج حدود البلاد.
تباين الآراء
وتباينت الآراء حول زيارة فيكتوروف إلى طريف، فقد عدّها ناشطون مؤشرا على تغيير بالموقف الروسي حيال نظام الأسد، لا سيما مع تعنت الأخير ورفضه تقديم تنازلات من شأنها أن تساهم في إعادة تأهيل نظامه عربيا وإقليميا، وهو ما كان ممكنا بمساع روسية، ولكن باءت جميعها بالفشل. في حين رأى بعض المعارضين أن هذه الزيارة لا تندرج ضمن أهداف الانتفاضة بالسويداء.
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، قال المحامي والناشط الحقوقي أيمن شيب الدين “المحتجون في السويداء ليسوا مسؤولين عما يجري خارج سوريا، فالقضية سورية وأصحابها سوريون، وليس لديهم انتماء آخر، وهي قضية وطنية وحلها يتم على هذا الأساس”.
وفي السياق ذاته، أكد مروان حمزة الناشط السياسي وأحد أبرز الفاعلين بحراك السويداء “الانتفاضة تتابع طريقها بوضوح نحو تحقيق أهدافها بقوة دفعها الذاتية”. واعتبر أن “الحراك الاحتجاجي لا يمكن أن يسأل عن ضيوف الشيخ طريف أو سواه، أو الأحاديث التي تدور بينه وبين ضيوفه”.
وأوضح أن “الروس ليسوا بعيدين عن السويداء، ومع ذلك لم نسمع عن أي نوع من أنواع التواصل، أو أنهم يسعون لإيجاد حل الأزمة”.
وحول إمكانيات هذه الحركة الاحتجاجية وقدرتها على تطوير إستراتيجيتها، قال حمزة “النشاط الاحتجاجي لم يعد حكرا على مدينة السويداء، فالاحتجاجات تشهد انضمام قرى جديدة وشرائح أوسع، ونحن نسعى لتوسيع رقعة الاحتجاجات والمساهمة في إيصال صوتنا لكل الناس”.
وكان حمزة قد صرّح -في كلمة له خلال زيارة لدارة الشيخ حمود الحناوي، أحد من يسمون شيوخ الموحدين الدروز- بأن المحتجين ليسوا ضد أحد “ونحن طلاب حق وعدالة وحرية”.
اتصالات دولية بالشيخ الهجري
وفي سياق متصل، تلقى الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز بسوريا الشيخ حكمت الهجري اتصالات هاتفية من عدد من المسؤولين الأميركيين، من بينهم السيناتور فرينش هيل النائب عن الحزب الجمهوري وممثل مجلس النواب بالأمم المتحدة، وفق ما أكدته “مشيخة العقل” لشبكة السويداء 24 المحلية.
وأعرب هيل للهجري عن اعتزازه بالتواصل مع القائد الروحي “للموحدين” الدروز، متمنيا بناء علاقة وطيدة معه، ومشددا على أن “سلامته الشخصية موضع اهتمام خاص”.
كما تلقى الهجري اتصالا هاتفيا من كل من النائب الجمهوري جو ويلسون، والنائب الديمقراطي برندن بويل الذي يعد مع هيل عرّابي قانون “الكبتاغون” الذي أصدره الرئيس بايدن في وقت سابق ويختص بـ”إتجار حكومة الأسد بالمخدرات”.
وقد تعالت أصوات مؤيدة لنظام الأسد، معتبرة أن الاتصالات الغربية بالهجري ما هي إلا دليل على أن مؤامرة خارجية تحاك ضد سوريا عبر حراك السويداء.
وكتب خالد العبود النائب بالبرلمان السوري عن حزب “الوحدويين الاشتراكيين” على صفحته الشخصية في فيسبوك أنه “إذا تم التأكد من صحة الخبر الذي يفيد باتصال مسؤول أميركي بشيخ من جبل حوران، فإن ذلك يؤكد كل المعلومات المتاحة لدينا بشأن هوية هذا الحراك والجهة التي تدعمه وجوهر أهدافه”.
وبهذه الأثناء، دخلت الاحتجاجات شهرها الثاني بالسويداء، وتواصلت المظاهرات المنادية بالتغيير السياسي في عدد من القرى حيث تنتقل المظاهرات الاحتجاجية في ريف المحافظة خلال أيام الأسبوع وتتركز بمدينة السويداء أيام الجمعة.
ورفع المحتجون -في ساحة الكرامة، الأربعاء- لافتات تطالب بتطبيق القرار الأممي رقم 2254 الذي حدد آلية للانتقال السياسي بالبلاد. واستبق المتظاهرون الزيارة المرتقبة للأسد إلى الصين ورفعوا لافتات تطالب بتغيير النظام باللغتين العربية والصينية.
المصدر: الجزيرة نت