لطالما ردد علي عبدالله صالح وإعلامه أنه في 17 يوليو 1978م حمل كفنه في يده ووافق على أن يكون رئيسا لليمن بعد أن رفض الجميع الرئاسة، كما ردد كثيرا أنه وصل إلى السلطة بصناديق الاقتراع.
الحقيقة ليست كذلك، فعلي عبدالله صالح لم يصل إلى السلطة بانتخابات ولم يحمل كفنه بيده، وإنما تم تعيينه من قبل السعودية رئيساً للبلاد كما تم تعيين أعضاء حكومته وقتها بحسب ما تكشفه البرقيات الأمريكية والتي لم توضح فقط كيف تم تعيين صالح من قبل السعودية رئيسا لليمن بل والدور السعودي في اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي .
البرقيات التي تعود إلى الفترة الزمنية منذ اغتيال أحمد الغشمي في 24 يونيو 1978م وحتى 23 يوليو من ذات العام، تم العثور على جزء منها مترجمة في مخزن وثائق صالح وتم إزاحة الستار عنها من قبل صنعاء، ونشرت عناوينها ضمن وثائق ويكيليكس مع التأكيد على أنها ما تزال بالغة السرية لمحتواها الحساس، كما تم رفع السرية عن جزء آخر.
الوثيقة الأولى..برقيات سرية
مصدر الوثيقة : سفارة الولايات المتحدة الأمريكية مكتب السكرتير الأول-جدة
التقطت أجهزتنا البرقيات التالية بالشفرة وقام الجهاز الاليكتروني بحلها وقد ارسلناها لكم تباعاً
برقية رقم 901 في تاريخ 24يونيو 1978م : من صالح الهديان الى معالي علي مسلم يقول الهديان بالحرف الواحد : “تم بتوجيهاتي ما يلي تشكيل مجلس رئاسة العرشي رئيساً الشيبه قائداً عاماً وعضواً علي عبدالله صالح عضواً ونائباً للقائد العام ورئيساً للأركان عبدالعزيز عضواً ثم يقول الوضع بعد مقتل الغشمي هادئ”.
وردا على برقية الهديان جاءت البرقية الثانية في ذات اليوم كما يلي: “من علي مسلم الى سعادة صالح الهديان “اجعلوا من مقتل الغشمي قميص عثمان وابحثوا عن بديل لا نحمله كما حملنا الذي قتل قبل ان يتم دوره .. راقبوا العرشي وزودونا بمعلومات أكثر عنه وعن الوضع كيف حدث ما حدث دون تنبيه مخابراتنا”
في السادس والعشرين من يونيو 1978م بعث الهديان ببرقية رقم 903 نصت على ما يلي”
“من صالح الهديان إلى معالي علي مسلم اخبرونا في القيادة انهم يسهرون ويسكرون فلم ينتبهوا , مخابرات صنعاء مشكوك في قدرتها , العرشي اداري ولكن ابعاده السياسية محدودة , اشك في صلاحيته كمنفذ دون نقاش”.
وفي برقية برقم 918 بتاريخ 29يونيو 1978م من صالح الهديان الى معالي علي مسلم يقول الهديان : “وصول الشيخ عبدالله الأحمر والمشايخ بجموع كبيرة أزعجنا وأربكنا , آل الغشمي يخشون من وضع يحاسبهم على قتل الحمدي والآخرين وأنا معهم , أرى ان رجلنا هو علي عبدالله صالح المشترك بالقتل , الشعب اليمني .. ملتهب , الموقف خطير”.
وأتى رد علي مسلم في ذات اليوم 29 يونيو 1978م، بالقول : “من علي مسلم الى سعادة صالح الهديان ادفعوا الى رجلنا أي مبلغ مما أرسلناه الى الغشمي أخيراً لاستخدامه في عدن وأرهبوا الشيخ عبدالله الأحمر والمشايخ حتى يخرجوا من صنعاء , لا تقلقوا فقد اضعفهم المخطط وافقدهم أو سلبهم القدرة على التأثير”
وفي تاريخ 2يوليو 1978 بعث علي مسلم رسالة الى الهديان قال فيها “من علي مسلم الى سعادة صالح الهديان سأصل الى صنعاء على طائرة خاصة بمال يكفي لحسم الموقف يتم تفاهمكم مع قادة الوحدات والضباط وتقديم المساعدة اللازمة لهم وكذلك مع أعضاء مجلس الشعب استخدموا لغة الإرهاب وخاصة مع المشائخ فلم يبق لديكم من يستطيع المقاومة وكلهم بحاجة الى المال وسوف اتصرف عند وصولي , تقرير المندوب الأمريكي لا قيمة له لأن هدفنا هو اضعاف الشمال والجنوب وليس اشعال حرب حقيقية وحادث الغشمي يخدم المخطط برغم انه ليس من ترتيبنا”
وبعد وصول علي مسلم الى صنعاء بعث هو برسالة الى الأمير سلطان بن عبدالعزيز جاء فيها : “سمو الأمير سلطان لم نكتف بسكوت المشائخ أمرناهم بإعلان تأييدهم لرجلنا , عبدالله الأحمر وآخرين معه كانوا ضيوفي على الغداء وقلت لهم بحزم ان علي عبدالله صالح رجل المملكة تدعمه بكل امكانياتها ولن تسمح لأحد بمعارضته , سلطنا على العرشي من يرهبه , وسيتم اختيار رجلنا رئيساً وقائداً عاماً يوم الثلاثاء القادم وكل شيء على ما يرام”.
هذه وردت تحت عنوان “المحادثات بين الملحق العسكري السعودي وعلي مسلم”، لكنها ما تزال تحت السرية بحسب ويكيليكس، ويبدو أن صالح كان قد حصل عليها بطريقة ما، وتؤكد وثائق أخرى صحة التفاصيل التي ذكرتها هذه البرقيات، ففي 17 يوليو 1978م تم إرسال برقية من السفارة الأمريكية في صنعاء عن وجود المستشار السعودي لشؤون اليمن علي بن مسلم في صنعاء لمناقشة تشكيل الحكومة.
وجاءت البرقية بعنوان ““،حيث كان تشكيل الحكومة بالتزامن مع ترتيبات للحرب على الجنوب وكان علي عبدالله صالح هو الشخص الشخص الأكثر تماشيا مع الرغبة السعودية الأمريكية في الاتجاه نحو هذه الحرب، ولعل هذا كان أحد أسباب وقوع الاختيار عليه.
برقية أمريكية أخرى تعود إلى 29 يونيو تؤكد أن ترتيبات تشكيل الحكومة اليمنية قبل وصول علي مسلم كانت تحت وصاية الهديان
البرقية كانت بعنوان “.. ملخص: مقتل أحمد الغشمي وسالم ربيع علي قد يمثل نقطة تحول في التعاملات اليمنية مع اليمن الجنوبي والسوفييت”
تشير البرقية إلى أن عبدالله بن حسين الأحمر ومجاهد أبو شوارب وصلا إلى صنعاء وكانا يريدان نصيبهما من السلطة، وبينما كان عبدالله بن حسين سيوافق على منحه منصب رئيس مجلس الشعب التأسيسي الذي كان العرشي لا يزال يرأسه حينها فإن أبو شوارب يريد أن يحصل على منصب الحكومة أو الجيش لكن السعوديين لا يمكن أن يسمحوا بذلك.
وتلفت البرقية إلى أن رجال مثل العرشي وعبدالعزيز عبدالغني رفضوا إلزام أنفسهم بقطع العلاقات مع السوفييت، بينما كان صالح الذي تصفه البرقية بالطموح وعديم الخبرة يرغب في الانضمام إلى السعودية للهجوم على الجنوب بمزاعم الانتقام للغشمي.
و تكشف أن تعيينات الحكومة في اليوم التالي لتنصيب صالح رئيسا، كانت وفقا لما حدده السعوديون.
وتضيف الوثيقة إن بعض الناس كانوا يشعرون بعدم الارتياح لتنصيب صالح، ويعلق السفير الأمريكي في ختامها بالقول: لقد نجح السعوديون في تحقيق ذلك بشكل كبير في الجمهورية العربية. نظرا لتعقيد المجتمع اليمني وتعقيدات الماضي السياسي.
المصدر: تعز اليوم