قد تجادل طهران بأن قانونها النووي لعام 2020 يقيد مجالها للمناورة في أي محادثات مستقبلية، لكن امتثالها لهذا القانون كان متقطعاً منذ فترة طويلة، ويبدو المسؤولون أكثر تركيزاً على ضمان إمكانية التراجع عن أي تنازلات يقدمونها.
هذا الصيف، أدلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بتصريحاتٍ تعتبر الأكثر تفصيلاً منذ سنوات حول المسار النووي الإيراني. وفي حين أن تعليقاته بشأن اتفاق محتمل مع الغرب استرعت أكبر قدر من الاهتمام، فقد دعا المسؤولين الإيرانيين أيضاً إلى اتباع قانون مثير للجدل صادر عام 2020 والذي أمر باتخاذ خطوات سريعة لتكثيف البرنامج النووي وتقليل المراقبة الدولية. وقال: “يعتقد البعض أن هذا القانون يسبب مشاكل للبلاد. هم مخطئون. هذا القانون قانون جيد… ويجب اتباعه”.
وفي الواقع، لعب قانون عام 2020 دوراً بارزاً في النقاشات الإيرانية حول التقدم النووي، وتشير تعليقات خامنئي إلى أن الأمور ستبقى على حالها. ومع ذلك، يُساء فهم القانون على نطاق واسع، والأهم من ذلك هو أنه لم يكن المحفز الرئيسي للنشاط النووي الإيراني الفعلي خلال السنوات الثلاث الماضية. فقد تجاوزت حكومتا حسن روحاني وإبراهيم رئيسي الأحكام الرئيسية للقانون بينما قامتا أيضاً بتكثيف البرنامج بأساليب غير منصوص عليها في القانون. وعلى الرغم من مشاعر خامنئي، فمن غير المرجح أن يؤدي القانون الحالي أو أي تشريع محتمل قد يخلفه إلى فرض التصعيد أو تقييد الدبلوماسية.
مشروع قانون مفاجئ
في 1 كانون الأول/ديسمبر 2020، أقر «المجلس» “قانون العمل الاستراتيجي لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية”، ووافق على تنقيحه في اليوم التالي. وتمت الموافقة على مشروع القانون بأغلبية 251 نائباً من أصل 260 نائباً حاضراً وعارض عدد قليل من المشرعين هذا الإجراء علناً، إذ شعروا في معظم الحالات أنه لم يكن عدوانياً بما فيه الكفاية.
وكان مشروع القانون غير اعتيادي من ناحيتين. أولاً، كانت هذه محاولة مفاجئة من قبل البرلمان لتأكيد موقفه بشأن القضية النووية. وكما هو الحال مع القضايا الاستراتيجية الأخرى، يتم اتخاذ القرارات النووية الإيرانية بشكل عام من قبل “المجلس الأعلى للأمن القومي”، وهو أعلى هيئة لصنع السياسات تضم الرئيس وكبار الوزراء والشخصيات العسكرية ورئيسي البرلمان والسلطة القضائية وممثلي خامنئي، وهو الذي تعود له الكلمة الأخيرة. ويعمل “المجلس الأعلى للأمن القومي” عادةً على أساس الإجماع، مما يضمن حصول القرارات الكبرى على موافقة الجهات الفاعلة الأكثر أهمية في النظام.
لكن في عام 2020، حاول الكثير من المتشددين الذين انتُخبوا أعضاء في «المجلس» في وقت سابق من ذلك العام، تجاوز هذه الحدود. فقد عارض روحاني القانون بشدة، قائلاً إنه يقع خارج نطاق اختصاص البرلمان ومن شأنه عرقلة محاولات إحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة” لعام 2015. وقال للمشرعين بعد إقرار مشروع القانون: “دعونا نقوم بعملنا”. وعلى الرغم من أن النزاعات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في إيران تعتبر روتينية، إلا أنها تقتصر عادةً على القضايا السياسية الداخلية مثل الميزانيات، وليس سياسة الأمن القومي. وفي نهاية المطاف، اصطفت فروع النظام غير المنتخبة – ومن بينها “مجلس صيانة الدستور”، الذي يتولى تدقيق التشريعات – مع البرلمان. وكانت المرة الأخيرة التي برز فيها المجلس التشريعي إلى هذه الدرجة في النقاشات النووية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، عندما ترددت طهران بشأن ما إذا كانت ستصادق على البروتوكول الإضافي الذي طرحته “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
ثانياً، اعتُبرت بنود القانون خروجاً عن النهج النووي الذي اتبعته إيران في العامين السابقين. فبعد أن سحب الرئيس ترامب الولايات المتحدة من “خطة العمل الشاملة المشتركة” في أيار/مايو 2018، واصلت إيران التقيد بالتزاماتها النووية لمدة عام كامل. وفي أيار/مايو 2019، بدأت تتجاوز هذه الحدود بطريقة تدريجية وقابلة للانعكاس، سعياً للضغط على الأطراف الأخرى في “خطة العمل الشاملة المشتركة” لإنقاذ الاتفاق. ومع ذلك، أمر قانون عام 2020 بالتكثيف السريع لهذه الأنشطة (بما في ذلك التقنيات ذات الصلة بأنشطة الأسلحة النووية) وسعى إلى إلغاء المراقبة الدولية.
وفي ذلك الوقت، تكهن البعض بأن قتل إسرائيل لكبير العلماء النوويين الإيرانيين، محسن فخري زاده، قبل أسبوع من إقرار مشروع القانون قد أشعل فتيل هذا التحول. ولكن وفقاً للتاريخ التشريعي الذي نشره “مركز أبحاث «المجلس»”، كان القانون قيد الإعداد منذ حزيران/يونيو 2020 – قبل عدة أشهر من العملية الإسرائيلية – ووافق البرلمان على مسودة مشروع القانون في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر. وعلى الأرجح كان هذا التشريع جزءاً من جهد استراتيجي بذله البعض في القيادة الإيرانية للضغط على الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في ذلك العام، بغض النظر عن هويته، لينضم بسرعة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” – على الرغم من أن مقتل فخري زاده أدى إلى تسريع عملية الموافقة.
تنفيذ متفاوت
على الرغم من معارضة حكومة روحاني للقانون، إلا أنها تعهدت بالالتزام به. وفي ذلك الوقت، صرح وزير الخارجية محمد جواد ظريف قائلاً: “لم يعجبنا القانون. وقد أوضحنا ذلك جيداً. ولكننا… سننفذه. ليس لدينا خيار آخر”. ولكن من الناحية العملية، كان لحكومتي روحاني ورئيسي – تحت رعاية “المجلس الأعلى للأمن القومي” – سجل متقطع في تنفيذ القانون فعلياً. (للاطلاع على المزيد من المعلومات حول المعنى الفني والعواقب العملية لمستويات التخصيب المذكورة في الجدول البياني، يرجى مراجعة هذا الرسم البياني لمعهد واشنطن أو قائمة المصطلحات النووية الإيرانية المرتبطة به.)
ومن الصعب تقييم بعض أحكام القانون نظراً للطبيعة المتقطعة لتقارير “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وواقع أن قدرات إيران النووية تضررت بسبب التخريب الإسرائيلي في مجمع نطنز في نيسان/أبريل 2021. ولكن يمكن تقييم أحكام أخرى بسهولة أكبر. وتوضح التقارير الصادرة عن “مركز أبحاث المجلس”، ولجنة برلمانية، و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، أن المسؤولين اتبعوا نهجاً انتقائياً لتلبية متطلبات القانون، حيث خلص تقرير تشريعي صادر في منتصف عام 2021 إلى أن “الحكومة تعتبر هذا القانون عقبة أمام المفاوضات النووية وترفض تنفيذ محتوياته بدقة”.
ويُعد موقف الحكومة تجاه “المادة 6″ من القانون الجانب الأكثر إثارة للجدل على المستوى المحلي. ويتعلق هذا البند بـ”اتفاق الضمانات الشاملة” الذي يجسد التزامات إيران القانونية بموجب “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية”. وعلى وجه التحديد، أمر القانون المسؤولين بالتوقف عن السماح بعمليات التفتيش التي تجريها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بما يتجاوز تلك التي يسمح بها “اتفاق الضمانات الشاملة” ما لم يتم رفع العقوبات المفروضة على مبيعات النفط والعلاقات المصرفية الإيرانية في غضون شهرين من إقرار مشروع القانون.
ولم تتمكن حكومة روحاني من ضمان رفع هذه العقوبات بحلول الموعد النهائي المطلوب أو إنهاء عمليات التفتيش الزائدة عن حدها كما أمرت. وبدلاً من ذلك، تفاوضت على “تفاهم فني ثنائي مؤقت” مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في شباط/فبراير 2021، مما سمح للوكالة “بمواصلة أنشطة التحقق والمراقبة الضرورية” مؤقتاً، بما في ذلك المراقبة بالفيديو لمواقع تجميع أجهزة الطرد المركزي. ودافعت حكومة روحاني عن هذا النهج باعتباره يتوافق مع القانون النووي بما أن لقطات الكاميرا لن تكون متاحة للوكالة إلا في حال التوصل إلى اتفاق نووي جديد، في حين انتقد العديد من المشرعين هذا التفسير للقانون.
وواصلت حكومة رئيسي هذا النمط. ففي أيار/مايو من هذا العام، على سبيل المثال، سمحت لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بإعادة تركيب الكاميرات في ورش أجهزة الطرد المركزي في أصفهان في ظل الظروف ذاتها. واشتكى الكثير من المشرعين من أن ذلك ينتهك القانون النووي، إلا أن المسؤولين مضوا قدماً على أي حال، كما سمحوا لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بتركيب أجهزة لمراقبة التخصيب في فوردو ومحطة نطنز التجريبية لتخصيب الوقود.
وفي غضون ذلك، قامت الحكومة بتكثيف البرنامج النووي بطرق تجاوزت متطلبات البرلمان، مما يعكس التأثير المحدود للقانون على عملية صنع القرار النووي. وبررت طهران هذه الخطوات في بعض الأحيان على أنها استيفاء للقانون النووي، على الرغم من أن الروابط كانت واهية. ففي نيسان/أبريل 2021، على سبيل المثال، قررت طهران البدء بإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، وهي خطوة فنية صغيرة وبعيدة عن المستويات المحددة تقليدياً المطلوبة للأسلحة. وقد تم اتخاذ هذه الخطوة رداً على هجوم تخريبي إسرائيلي قبل أيام من ذلك التاريخ، لكن الحكومة وصفتها أيضاً بأنها تتماشى مع البند المبهم في القانون النووي الذي ينص على أنه يجب على المسؤولين “تأمين احتياجات الأمة للاستخدامات السلمية لليورانيوم المخصب بنسبة تزيد عن 20 في المائة”. وشملت الخطوات الاستفزازية الأخرى الخارجة عن القانون النووي تخصيب بعض اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 83.7 في المائة، وتشغيل مجموعات متتالية من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة من طراز “آي آر-6” في فوردو بتشكيلة يمكن أن تتيح الإنتاج السريع لمستويات عالية جداً من اليورانيوم المخصب، وبناء منشأة جديدة تحت الأرض بالقرب من نطنز؛ والتخصيب باستخدام أجهزة طرد مركزي من طراز “آي آر-2 إم” و”آي آر-6″ يفوق عددها ما يتطلبه القانون.
التداعيات
تعكس قصة القانون النووي حدود النفوذ السياسي الداخلي الإيراني في عملية صنع القرار النووي لدى النظام. وعلى الرغم من أن العناصر غير المنتخبة سمحت للبرلمان بممارسة نفوذ أكبر من خلال إقرار القانون، إلا أن “المجلس الأعلى للأمن القومي” والسلطة التنفيذية كانا في نهاية المطاف انتقائييْن في تنفيذ مطالب الهيئة التشريعية.
يجب على المسؤولين الغربيين أن يأخذوا هذه الديناميكيات في الاعتبار في الأشهر المقبلة، لا سيما إذا بلغت جهود وقف التصعيد المستمرة بين الولايات المتحدة وإيران مراحل أكثر تقدماً. وكما أظهرت السنوات الثلاث الماضية، لم يؤثر قانون عام 2020 بشكل كبير على الإجراءات النووية للحكومة – سواء من حيث تطوير البرنامج أو تقديم تنازلات. على سبيل المثال، لم يمنع القانون إيران من السماح ببعض التحسينات في إمكانية وصول “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في شهر أيار/مايو، في انتهاك على ما يبدو للمادة السادسة. كما فشل القانون في وقف أعمال البناء في الشهر الماضي في مفاعل أراك باستخدام تصميم تمت الموافقة عليه في “خطة العمل الشاملة المشتركة”، في مخالفة واضحة “للمادة الخامسة”. ولا ينبغي أن يُتوقع أن يؤدي أي تشريع لاحق محتمل إلى تقييد طهران أيضاً.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين لن يكونوا مقيدين بالقانون النووي في أي مفاوضات مستقبلية، إلّا أنهم سيكونون مقيدين على الأرجح بعامل آخر، وهو: رغبة النظام في ضمان سهولة التراجع عن أي تنازلات يقدمها. وقد ألمح خامنئي إلى مسألة التراجع هذه في خطابه الأخير، قائلاً: “لا ينبغي المساس بالبنية التحتية الحالية لصناعتنا النووية”. فطهران تسعى على الأرجح إلى توسيع نفوذها إلى أقصى حد في حال أعيد انتخاب ترامب العام المقبل وعمد إلى تنفيذ سياسة أمريكية أكثر عدوانية.
ويقيناً أن خامنئي أظهر بعض المرونة بشأن هذه الخطوط الحمراء مع مرور الوقت. ولكن في الوقت الحالي على الأقل، من غير المرجح أن توافق إيران على أي خطوات تتطلب تفكيك قدراتها (على سبيل المثال، إزالة المجموعات المتقدمة لأجهزة الطرد المركزي). ولكن مقابل الثمن المناسب، قد تكون مستعدة للاستمرار في اتخاذ خطوات يمكن التراجع عنها بسهولة مثل زيادة المراقبة الدولية، وإبطاء مراكمتها للمواد المخصبة، وتأخير تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً، بغض النظر عن مدى توافقها مع القانون النووي الذي أقره البرلمان.
هنري روم هو زميل أقدم في معهد واشنطن. ويود أن يشكر بهزاد رضائي على مساعدته البحثية، وكيلسي دافنبورت، وسارة بوركهارد، وإريك بروير على تقديمهم تعليقات مفيدة على المسودات السابقة.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى