يشتد الضغط على سوريا. من احتجاجات السويداء إلى درعا إلى تحريك جبهة إدلب. أتى ذلك مع تدهور جديد في قيمة الليرة السورية ولجوء الحكومة إلى رفع الدعم عن المحروقات ومضاعفة رواتب الموظفين.
تحريك الساحة السورية ترافق أيضاً مع كلام كثير قيل عن استعدادات أميركية لقطع الممر البري بين القائم العراقية والميادين السورية، من أجل الضغط على الفصائل المدعومة من إيران في سوريا. ناهيك بتصعيد إسرائيل وتيرة غاراتها.
هل تنفصل هذه التطورات عن جمود التطبيع العربي-السوري، نتيجة الخلاف على من يبدأ الخطوة الأولى في معادلة “خطوة مقابل خطوة” التي اقترحها الأردن؟ وبعدما بدا في أيار (مايو) الماضي إثر حضور الرئيس بشار الأسد القمة العربية في السعودية، أن دمشق على وشك عبور سنوات الحرب والقطيعة مع دول الجوار، إذا بالأمور تعود إلى المربع الأول.
وبات من نافل القول، إن الولايات المتحدة عارضت علناً انفتاح العرب على سوريا، من دون حصول اختراق في العملية السياسية على أساس القرار 2254. ومن الواضح أن واشنطن لجمت أي تقدم على مسار التطبيع السوري-التركي، وفق ما كانت تشتهي موسكو وتعمل له منذ سنة تقريباً. وعادت أنقرة لتطرح شروطاً مسبقة مقابل التطبيع مع سوريا، كانت طرحتها في بداية الأزمة عام2011.
تستعمل واشنطن سوريا ليس فقط للضغط على الأسد، بل تستهدف أيضاً إيران وروسيا. لا يمكن أن تسهل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المساعي الروسية والإيرانية من أجل المصالحة بين سوريا وتركيا أو بين سوريا ودول عربية. وخير دليل إلى ذلك هو أن قرار عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية بقي من دون مفاعيل على الأرض. ثم إن مسار “منصة أستانا” تجمد هو الآخر، بعد الانسحاب الروسي من اتفاق الحبوب. هذا الاتفاق الذي سعت إليه تركيا واعتبرته إنجازاً لدبلوماسيتها في النزاع الأوكراني، انعكس أيضاً تصعيداً في الموقف التركي حيال دمشق.
هذا يحمل على الجزم بأن تعقيدات الأزمة الأوكرانية ترخي بثقلها أيضاً على المشهد السوري، أكثر من أي وقت مضى. والحوادث الأخيرة تدل إلى أن ثمة نية لتصعيد قد يتخذ أشكالاً متعددة، من الاحتجاجات إلى تحريك الجبهات. وكل المبادرات التي برزت بعد زلزال السادس من شباط (فبراير) تلاشت، لتحل محلها نُذر التصعيد. وزيارة 3 نواب أميركيين مناطق سيطرة المعارضة الموالية لتركيا في الشمال السوري، لها رمزية مهمة في سياقات الإشارات الصادرة عن الولايات المتحدة في هذه المرحلة.
إذاً سوريا اليوم، هي إحدى الجبهات المتقدمة للنزاع الأميركي-الإيراني وللمواجهة بين واشنطن وموسكو. ويحصل هذا في أفريقيا مع قرع طبول الحرب في النيجر. مجموعة “إيكواس” تحدد ساعة الصفر للتدخل العسكري من أجل إعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه الذي خلعه منه العسكريون في 26 تموز (يوليو) الماضي. وفي المقابل، تقف مالي وبوركينا فاسو مدعومة من روسيا إلى جانب المجلس العسكري في النيجر.
إن الصراع على النفوذ بين أميركا وروسيا، يهدد بإعادة الأزمة السورية إلى نقطة الصفر.ما جرى من احتكاكات جوية بين المقاتلات الروسية والمسيّرات الأميركية في الأسابيع الأخيرة، كان إيذاناً بأن سوريا مرشحة لفترة توتر جديدة.
ومع وضع اقتصادي مأزوم، تزداد التعقيدات. وبعدما ظن كثيرون أن سوريا شارفت مع عودتها إلى الجامعة العربية، وإعادة التواصل المباشر مع دول الإقليم، على بداية الخروج من أزمتها، يتبين أن الأمور أصعب بكثير، ما يعزز التكهنات بأن البلاد تقف على شفا طور جديد من أطوار أزمة عمرها 12عاماً.
ووقت يسود تفاؤل بإمكان الوصول إلى تطبيع بين إيران ومصر، أو بين مصر وتركيا، على غرار إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، تعود أكثر السيناريوات تشاؤماً لترتسم بالنسبة إلى سوريا.
المصدر: النهار العربي