عكست زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، إلى السعودية، تصور البلدين مرحلة جديدة على طريق إصلاح العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد 7 سنوات من القطيعة، إلا أن مواقف شابت الزيارة، عكرت صفوها.
وأجرى عبداللهيان زيارة إلى العاصمة السعودية في أول زيارة رسمية له منذ عودة العلاقات بين الرياض وطهران في مارس/آذار الماضي، وهي الزيارة التي تشدد على أهمية “الوحدة والتعاون والحوار”، وتمهد للقاء مرتقب بين قادة البلدين.
كما تشكل زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى الرياض، نقطة تحول في العلاقات الإيرانية السعودية، والإيرانية الخليجية، وربما حملت ترجمة عملية لنتائج تطبيع العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين القوتين الإقليميتين.
وتعد الزيارة هي الأولى لمسؤول في منصبه منذ 10 سنوات، وسط تأكيدات سعودية بتطلع المملكة إلى زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، تلبية لدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.
في وقت قال عبداللهيان، عقب لقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن الأخير قبل دعوته لزيارة طهران، لافتا إلى أن الزيارة ستكون في الموعد المناسب.
وفي مؤتمر صحفي الخميس، أكّد عبداللهيان أنّ العلاقات بين السعودية والجمهورية الإسلامية “تتخذ مسارا صحيحا”، وأشار إلى أنه “طرح فكرة اجراء الحوار والتعاون الاقليمي” مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، دون أن يقدم مزيدا من التفاصيل.
وأكّد أنّ اللقاء مع بن فرحان “سيكون تمهيدا للقاء قادة البلدين”.
فيما لفت وزير الخارجية السعودي إلى أنّ السفارة السعودية في طهران استأنفت نشاطها، معتبرا الأمر “خطوة أخرى في تطوير العلاقات بين البلدين”.
وعقب المباحثات، أكد وزيرا خارجية السعودية وإيران عزم البلدين على تعزيز العلاقات في المجالات كافة.
تأتي زيارة عبداللهيان بعد شهرين من زيارة أجراها بن فرحان إلى طهران، والتقى خلالها الرئيس الإيراني ومسؤولين آخرين، لبحث تطوير العلاقات بين الجانبين.
وتم الإعلان عن عودة العلاقات بين السعودية وإيران برعاية صينية في بكين في 10 مارس/آذار الماضي.
وكان هذا الحدث من أبرز الأحداث التي حصلت هذا العام، لما لهذه المصالحة من تأثير على ملفات إقليمية لم تشهد انفراجا منذ سنوات.
وشهدت العلاقات السعودية الإيرانية توترا لا مثيل له على مدى السنوات الماضية. هذا التوتر بدأ في عام 2016 بعد إعدام السعودية الشيخ السعودي الشيعي نمر النمر.
وأعقب الإعدام هجوم شنه إيرانيون على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران. وكانت النتيجة: قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتوتر في الخطاب السياسي وارتفاع منسوب التصعيد السياسي والإعلامي.
غير أن الأمر لم يقتصر على السعودية فحسب، بل شمل دولا خليجية أخرى اتخذت موقفا إلى جانب السعودية ضد إيران، وإن اختلفت الطريقة بين بلد خليجي وآخر.
وهذا التوتر أثّر سلبا على الوضعين السياسي والأمني في بلدان عدة كاليمن والعراق وسوريا ولبنان… بيد أن الملف اليمني يبقى الأولوية القصوى للبلدين.
الآن وبعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تبقى هذه الملفات عالقة من دون أي تقدّم، على أمل أن تؤدي هذه العودة إلى حلول سياسية تنهي الأزمات الحالية؛ فالجانبان متفقان على حلّ هذه العقبات لأنها حجر الأساس في استمرار هذه العلاقة التي قد تمسي هشّة في حال فشل التوصل إلى حلٍ يرضي جميع الأطراف بأقل خسائر ممكنة.
والبلدان يُعتبران قوتين إقليميتين ودوليتين رئيسيتين، ويبدو أنه مع التغيرات الأخيرة في المنطقة من خلط الأوراق بين لاعبِين بارزِين هم واشنطن وبكين وموسكو، تعتبر كلّ من الرياض وطهران أن مدّ يد التعاون بينهما سيسهم في توجيه المعادلات الإقليمية والعالمية في اتجاه يضمن مصالحهما بالدرجة الأولى.
الاستقرار في الشرق الأوسط هو السبيل إلى إرساء استقرار اقتصادي ومالي، وهو ما ينشده الطرفان في رؤيتيهما للمستقبل: السعودية لتحقيق رؤيتها 2030، وإيران للتغلب على تبعات العقوبات الدولية التي أنهكت اقتصادها ووضعها المالي.
ويرى محللون ومراقبون أنَّ العلاقات بين السعودية وإيران تتجه نحو مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق الذي يشمل العديد من قضايا المنطقة وملفاتها، بما يتضمنه ذلك من بعض التحديات.
يقول مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية بطهران محمد صدقيان، إنَّ لقاء عبداللهبان ببن سلمان “أسس لعلاقات مستدامة” وضعت العلاقات “السعودية- الإيرانية” على الطريق الصحيح بعد القطيعة السابقة.
ويضيف أن “الأمير محمد بن سلمان بيّن خلال لقاء عبد اللهيان ماذا تريد السعودية من علاقتها مع إيران، وكان واضحاً في ذلك”، فيما “أظهر عبد اللهيان الجوانب المتعلقة بالقلق الإيراني من كل التطورات في المنطقة”.
كما يقول المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي، إنَّ هناك توجهاً لدى الرياض وطهران بالذهاب بعلاقتهما إلى “آفاق أوسع من حيث التعاون في كافة المجالات، وفتح مسارات بمختلف القضايا”.
ويشير آل عاتي، إلى أنَّ زيارة عبداللهيان للرياض أكدت أنَّ هناك عزماً لدى البلدين على الانتقال إلى مرحلة “التنسيق السياسي حيال بقية قضايا المنطقة”، مضيفاً أنَّ هذا العزم “يعود إلى إدراك متبادل بأن تقوية علاقات البلدين من شأنه أن يوفر حماية وضمانة أمنية واستقراراً في المنطقة وحصانة ضد التدخلات الأجنبية”.
ويتفق معه رئيس مركز الخليج للأبحاث عبدالعزيز بن صقر وهو يقول إن هناك 3 خطوات مهمة في العلاقة مع إيران، الأولى هي خفض التصعيد من الجانب الإيراني، والثانية هي (وقف) الدعم الإيراني للحوثيين، والثالثة هي “أن تتحول النوايا الإيرانية إلى أفعال حقيقية”.
ويضيف “ليست أمريكا وإسرائيل من لا يريدان هذا التقارب، لكن هناك أيضاً أطرافاً داخل إيران لا تريد إتمام المصالحة”.
ويوضح صقر أنه “عندما تتوقف إيران عن تهديداتها، لن نصبح بحاجة إلى تواجد أجنبي في المنطقة”، لافتاً إلى أن “من المبكر الحديث عن تحالف خليجي إيراني لإنشاء أسطول بحري من أجل أمن المنطقة”، معتبراً أن تلك الخطوة تأتي بعد خفض التصعيد الإيراني.
فيما يقول الدبلوماسي الإيراني السابق هادي أفقهي، إن هذه المصالحة ليست مجرد تفاهم بين إيران والسعودية، بل يمتد أثرها الإيجابي إلى جميع شعوب المنطقة، وكذلك على الصعيدين الإقليمي والدولي، محذراً من أي محاولات للتدخل أو الإخلال بالاتفاق من جهات تسعى لتقويض استقرار المنطقة.
ويعلّق على تحركات الولايات المتحدة في الخليج، مشيراً إلى أنه ينبغي الاستفادة من فرصة المصالحة لمنع أي تصعيد غير مرغوب والحفاظ على أمن المنطقة، معرباً عن تخوفه من أن تقوم الولايات المتحدة بتدبير مؤامرات تستهدف تقويض المصالحة وإحداث فتنة بين الدولتين.
وينوّه الدبلوماسي الإيراني بإعلان دول خليجية مثل الكويت وقطر والإمارات وعمان تأييدها لهذه المصالحة التاريخية، واستعدادها للمشاركة في ترسيخ هذا الاتفاق وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
ويتوقع أفقهي أن تساهم المصالحة في تهدئة التوترات في المنطقة، وفتح آفاق جديدة للتعاون والتنمية، لافتاً إلى أهمية متابعة تنفيذ الاتفاق ومدى تأثيره على الأوضاع الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من الإيجابية، التي يتحدث بها المحللون عن طبيعة العلاقات بين البلدين، إلا أن مشاهد عكرت صفو الزيارة، وذهبت بالبعض للقول إنه “لا أساسات حقيقية للتقارب، وإن الموضوعات الجدلية بين البلدين لم تثر بشكل كبير، وإن أفضل ما يمكن تحقيقه الآن هو تجميد التوتر”.
وقال تقرير لصحيفة “العرب” إن مهمة عبداللهيان بدا وكأنها توصيل السفير الجديد إلى سفارة بلاده في السعودية علي رضا عنايتي، الذي شغل في السابق منصب مساعد لوزير الخارجية، وهي خطوة إجرائية لإظهار أن البلدين قد دخلا فعلا مرحلة التقارب.
ولفتت الصحيفة إلى أن إعلان عبداللهيان أن “إيران والسعودية تتفقان على تشكيل لجان فنية وتخصصية متنوعة”، يظهر أن الزيارة ركزت على تبادل الوعود والنوايا الحسنة من دون تجاوز لأيّ نقطة خلافية، مضيفة أن “تشكيل اللجان عادة يحيل إلى التأجيل والتسويف، وأن الطرفين ليست لديهما الرغبة في حل القضايا مثار الخلاف بشكل حاسم”.
ونقلت عن متابعين القول إن ما تبحث عنه إيران من خلال هذه الزيارات هو تقديم نفسها كطرف متعاون في المنطقة، في رد على تحذيرات ومخاوف أميركية وإسرائيلية من أن طهران تمثل خطرا على الأمن الإقليمي، أي أن هدف إيران من الزيارات والتصريحات دعائي بالدرجة الأولى.
ومنذ بداية اللقاءات السعودية – الإيرانية قبل سنتين لم تبد طهران أيّ تراجع في الملفات الإقليمية في المنطقة بما في ذلك اليمن، بينما تراهن الرياض على أن انفتاحها على طهران سيؤمن لها الخروج من الحرب والتوصل إلى حل عبر التفاوض مع الحوثيين.
لكن المتابعين توقعوا أن تقدم إيران، بالتزامن مع زيارة عبداللهيان، على مبادرة لتحريك أحدث ملفات الخلاف بينها وبين السعودية، وهو حقل الدرة، في رسالة طمأنة للسعوديين على أنها جادة في الحوار.
فيما لفت ناشطون إلى أن عبداللهيان تعمد إثارة ضجة، عقب التصريح بلفظ “الخليج الفارسي” خلال المؤتمر الصحفي مع بن فرحان، في الرياض.
وقال عبداللهيان في المؤتمر الصحفي: “استمرارا للمحادثات السابقة بيني وبين المسؤولين ورؤساء دول الجوار في جنوب الخليج الفارسي، طرحت فكرة إجراء الحوار والتعاون الإقليمي، وطرحت هذه الفكرة مع زميلي فيصل بن فرحان”.
وتستخدم إيران مصطلح “الخليج الفارسي” وهو الوصف الذي يثير جدلًا مع دول الخليج العربية التي تعتمد مسمى “الخليج العربي”.
وسبق واعترضت إيران على استخدام مصطلح “الخليج “العربي في عدد المناسبات كان من بين آخرها استدعاء وزارة الخارجية الإيرانية، مطلع العام الجاري، السفير العراقي في طهران، للاحتجاج على استخدام العراق مصطلح “الخليج العربي”.
ويعتقد الأكاديمي المختص في العلاقات الدولية وشؤون الخليج والشرق الأوسط عبدالله باعبود، أن “هذا الأمر (لفظ الخليج الفارسي) خارج إطار الحوار بين البلدين، لأن اسم الخليج الفارسي هو الاسم المعترف به لدى إيران، وأما دول الخليج ففيها جدل حول هذا الأمر”.
ويضيف: “مؤخراً أصبح كثيرون يستخدمون اسم الخليج بدلاً من الخليج العربي، لكن بالنسبة للإيرانيين طبيعي أنهم اعتادوا على هذا الاسم، ولن يؤثر ذلك على الحوار، وسيبقى تأثيره عند الرأي العام الشعبي ومواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن دولاً كثيرة، منها أمريكا وأوروبا، أصبت مؤخراً تستخدم اسم الخليج الفارسي بدلاً من الخليج العربي”.
بينما يختلف معه الباحث في الشأن الإيراني إسلام المنسي، وهو يقول إن حديث عبداللهيان كشف “الأطماع الإيرانية في المنطقة التي لم تتخلَّ عنها طهران بعد”.
ويستبعد المنسي أن تتخلى إيران “عن أطماعها في الخليج العربي”، لافتاً إلى أن ذلك يتجلى في موضوع إثارة اسم “الخليج الفارسي” على لسان عبداللهيان، مضيفا: “في هذا إشارة إلى أن إيران لم تتخلَّ عن نهجها العام والاستراتيجي، وإن كانت مالت إلى التهدئة على المستوى التكتيكي، ولكنها ما زالت تتطلع إلى أن تكون قوة مهيمنة في المنطقة”.
ويتطرق إلى أمثلة حول ما ذهب إليه، مثل “حقل الدرة السعودي الكويتي، وبقية الملفات التي تريد إيران فيها التهدئة دون حل جذري لهذه الأزمات، بل تريد الحفاظ على مكتسباتها في الدول التي تدخلت فيها مثل اليمن وسوريا والعراق وغيرها”.
ويعتقد أن التقارب الحاصل بين الرياض وطهران بالنسبة للجانب الإيراني هو “محاولة لتبريد بعض القضايا الساخنة، وإنهاء جزئي لبعض التوترات دون حل جذري لمسألة التدخلات الإيرانية في العالم العربي”.
فيما تشير كبيرة محللي شؤون الخليج في مجموعة الأزمات الدولية آنا جاكوبس، إلى أن “التقارب السعودي – الإيراني لا يزال في مراحله الأولى، ولا يزال من غير الواضح تمامًا كيف سيتعامل الجانبان مع نقاط الخلاف العديدة بينهما”.
وأعقبت المصالحة الإيرانية – السعودية سلسلة من التغييرات في المشهد الدبلوماسي في الشرق الأوسط، فقد أعادت المملكة علاقاتها مع سوريا التي استأنفت نشاطها الكامل في جامعة الدول العربية.
وكثّفت إيران من جهتها في الأشهر الأخيرة نشاطاتها الدبلوماسية وعملت على تعزيز علاقاتها مع دول عربية أخرى بهدف الحدّ من عزلتها وتقوية اقتصادها.
المصدر: الخليج الجديد