سورية: احتجاجات جوع من الجنوب إلى الساحل

محمد أمين وليث أبي نادر

طفا التذمر والاستياء من تردي الأحوال المعيشية في مناطق سيطرة النظام السوري على السطح، بعد عجز معظم السوريين في هذه المناطق عن تأمين المستلزمات الضرورية لحياتهم مع انحدار الليرة إلى مستويات غير مسبوقة أمام الدولار الأميركي (بات الدولار الواحد يساوي أكثر من 15 ألف ليرة)، وهو ما أدى إلى ارتفاع مطّرد للأسعار.

حركة “10 آب” تنشط في الساحل السوري

وعلى الرغم من القبضة الأمنية المشددة للنظام، إلا أن الأصوات بدأت ترتفع، خلال شهر أغسطس/آب الحالي، رفضاً للسياسة التي يتبعها النظام في “إذلال وتجويع الشعب”، وفق بيان صدر الأربعاء الماضي عن حركة احتجاجية تطلق على نفسها اسم “حركة 10 آب” بدأت تنشط أخيراً في الساحل السوري، المعقل الرئيسي للنظام ومؤيديه.

ودعت الحركة في بيان إلى إضراب عام أمس الخميس في مناطق سيطرة النظام، خصوصاً من “الموظفين والتجار وشباب الجيش السوري… لأننا نؤمن بضرورة استخدام كل وسيلة سلمية للتعبير عن رفض الشعب السوري لتجاهل أحوال الناس، والإصرار على إذلال وتجويع الشعب”، وفق البيان.

وأشارت الحركة إلى أن السوريين يموتون “جوعاً”، مضيفة: “أهلنا من دون دواء، من دون كهرباء، من دون مواصلات، من دون طبابة. وشدّدت على أن “هذا الحراك سلمي (الإضراب) وهو حق من حقوقنا”.

درعا والسويداء وحي جرمانا تستجيب للاحتجاج

واستجابت مناطق عدة لدعوات الإضراب والاحتجاج، أمس الخميس، خصوصاً في محافظتي درعا والسويداء جنوبي سورية، حيث السيطرة الأمنية الهشّة للنظام السوري التي تحول دون اعتقال المحتجين. ولكن اللافت خروج العشرات من الأشخاص في حركة احتجاجية في ساحة “السيوف” في حي جرمانا، ذي الغالبية الدرزية من السكان، جنوب شرقي دمشق، في حدث هو الأول من نوعه تشهده العاصمة، التي يفرض عليها النظام سيطرة أمنية مطلقة.

كما قطع ناشطون في محافظة السويداء، أمس، غالبية الطرق المؤدية إلى المدن والبلدات الرئيسية داخل المحافظة، وإلى العاصمة دمشق، في خطوة تصعيدية للاحتجاج على السياسات الاقتصادية للنظام السوري، الذي أرسل تعزيزات عسكرية جديدة لحماية مقاره الأمنية.

وذكر الناشط المدني ساري الحمد، لـ”العربي الجديد”، إن الدوائر الحكومية في مدينة السويداء جلبت الموظفين من بيوتهم بواسطة المركبات التابعة لها، مشيراً إلى أن “حركة المواطنين قليلة جداً، وسط إغلاق جزئي للمحال في الأسواق”. وأضاف: “التعزيزات الأمنية قدّرت بمئات العناصر الذين توزعوا في مقار الشرطة والأفرع الأمنية والدوائر الرسمية وسط مدينة السويداء”.

كما شارك المئات من أبناء محافظة السويداء في وقفة احتجاجية في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، مرددين شعارات ثورية منددة بسياسات النظام التي أدت إلى انسداد آفاق الحل السياسي في سورية، ما أدى إلى تدهور الاقتصاد. ودعا المحتجون الموظفين في مؤسسات النظام إلى التزام منازلهم بداية من الأسبوع المقبل، واتفقوا على تجديد وقفتهم يوم الأحد في نفس الموعد والمكان.

كذلك نظم ساخطون وقفات احتجاجية في بلدات عدة داخل محافظة السويداء، وذلك في القريّا، نمرة وعريقة، صلخد، شهبا، قنوات، الثعلة، والدور. وانضم قادة عدد من الفصائل المسلحة المحلية إلى حركة الاحتجاج، في خطوة تعكس حالة الاحتقان في هذه المحافظة التي لطالما شهدت حركات احتجاج خلال السنوات الماضية بسبب الأحوال المعيشية المتردية. وأكدت مصادر محلية في بلدة شهبا خلو كراج البلدة من السيارات المخصصة لنقل الأهالي من المدينة إلى القرى المجاورة، مشيرة إلى أن معظم المحال التجارية أغلقت أبوابها استجابة لدعوات الإضراب.

وأصدر المحتجون في بلدة القريّا بياناً دعوا من خلاله الأمم المتحدة والهيئات الدولية لـ”أخذ مطالبهم على محمل الجد”، معلنين عدم اعترافهم بالسلطة الحالية، ومعتبرين حكومة النظام السوري “مغتصبة من قبل المحتل الروسي والمليشيات الايرانية ويلزم إنهاء خدماتها فوراً باعتبارها مجموعة من العملاء”.

وحمّل البيان “سلطة الانتداب الروسي كامل المسؤولية عن مجمل القرارات التي تجعل غالبية الشعب السوري في خطر العوز والفقر”، مطالبين المجتمع الدولي بـ”دعم قوى التحرر الوطني وطرد سلطة الانتداب الروسي وإنهاء هيمنتها على الثروات الوطنية السورية، والإفراج عن كافة معتقلي الرأي وإطلاق الحريات العامة”. كما طالبوا بـ”إسقاط الدستور الحالي المفصل على قياس بعض الأفراد والعودة إلى دستور الاستقلال الصادر عام 1943″، معلنين البدء بالعصيان المدني العام والشامل لكافة القطاعات. وأشاروا إلى أن “هذا العصيان مستمر حتى إسقاط السلطة”.

وتزامن ذلك مع بدء اجتماعات للجنة التحضيرية لانعقاد المؤتمر السوري الجامع في السويداء، أول من أمس الأربعاء. وبيّن رعد الشوفي، وهو أحد منظمي الاجتماع، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المؤتمر “سيطالب بالإدارة اللامركزية للمنطقة والاستقلالية الاقتصادية والأمنية، لوضع حد لإجرام وسطوة السلطة وتماديها في قتل وتهجير الشباب ونشر العنف والفقر والجوع”.

ولم تقتصر الاحتجاجات على محافظة السويداء، بل شملت محافظة درعا المجاورة، حيث أعلنت مدينة نوى، كبرى مدن المحافظة، أمس، إضراباً عاماً “شلّ حركة التنقل فيها، استجابةً لدعوات الناشطين تحت اسم “ارحل بدنا نعيش”، وفق “تجمع أحرار حوران”، وهو شبكة إعلامية تنقل أنباء الجنوب السوري، مشيراً إلى أن “نسبة الاضراب تجاوزت 70 في المائة من المحال التجارية”.

الناس لم تعد تحتمل

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد حاول تخفيف الضغط عن حوامل نظامه من خلال سلسلة قرارات، حيث ضاعف الثلاثاء الماضي رواتب العاملين في القطاع العام، من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين، بيد أنه رفع الدعم بشكل كلي عن البنزين، ما يعني تآكل هذه الزيادة التي أعقبتها على الفور طفرة في أسعار أغلب المواد، وتراجع جديد في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، حيث بات الدولار الواحد يساوي أكثر من 15 ألف ليرة.

ويتراوح راتب الموظف في مؤسسات الدولة بعد الزيادة بين 15 إلى 20 دولاراً أميركياً في ظل انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي وشحّ في المحروقات، وتراجع كبير للقدرة الشرائية مع تدهور قيمة العملة المحلية. كما أصدر الأسد أمراً بإنهاء الاستدعاء والاحتفاظ لفئات محددة في قواته، في خطوة هي الثانية خلال شهر، في سياق محاولات لتطويق الاحتقان المتزايد في مناطق سيطرته التي تعاني أوضاعاً تكاد تصل إلى حدود الكارثة.

وتوقع كاتب مقيم في العاصمة السورية دمشق، طلب عدم ذكر اسمه لضمان سلامته، في حديث مع “العربي الجديد”، أن يترجم الاستياء إلى حركات احتجاجية في مناطق سيطرة النظام. وأوضح أن “الناس لم تعد تحتمل هذه الحال أبدا”، مضيفاً أن “الحديث بات علنياً في الشوارع وفي وسائل التواصل الاجتماعي”.

وأكد الكاتب أن “غالبية الناس تبحث أمر الهجرة إلى خارج البلاد”، مؤكداً أن “الهروب من هذا الواقع هو الشغل الشاغل للناس”. وأشار إلى أن “الكثير من الناس باعوا ممتلكاتهم لتأمين المال من أجل الخروج من سورية”، مضيفاً “كنا نأمل بانفراجات سياسية، ولكن كما يبدو فإن النظام مستمر في سياساته التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من ترد اقتصادي ومعيشي وصل إلى حدود لم تعد محتملة”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى