قراءة في اللائحة المقدمة من المؤتمر السوري العام في حزيران من عام 1919 إلى لجنة كنغ – كراين .

معقل زهور عدي

تشكلت لجنة كنغ – كراين بتكليف من مؤتمر السلام العالمي المنعقد في باريس اعتبارا من 18 كانون ثاني 1919 بضغط من الرئيس الأمريكي ويلسون الذي حرص على إعلان مبادئه الجديدة الداعية لإنهاء أشكال الاستعمار القديم واحترام حرية وإرادة الشعوب في المؤتمر .

حاولت فرنسا وبريطانيا عرقلة تشكيل اللجنة وانسحب المندوبان الفرنسي والبريطاني منها , لكن إصرار ويلسون على إرسالها كان حاسما .

اجتمع المؤتمر السوري العام في حزيران 1919 لإنجاز مهمتين رئيسيتين : تقديم لائحة بمطالب الشعب السوري للجنة كنغ – كراين بصفته هيئة عامة منتخبة تمثل كافة فئات الشعب , والبدء بكتابة دستور البلاد.

تضمنت اللائحة عشرة بنود مدروسة بدقة شديدة وبلغة متقنة توحي بدرجة عالية من الثقافة الحقوقية والسياسية .

تميز عرض المطالب السورية بتفهم للسياسة الدولية , ومحاولة التأقلم مع مقررات مؤتمر باريس بالرغم من عدم توافق تلك المقررات مع مطالب الشعب السوري في وحدة سورية الطبيعية واستقلالها .

وتبدو براعة ومرونة اللائحة في البدء بعرض المطالب المبدئية في الوحدة السورية والاستقلال التام ثم بعرض عدم الموافقة على تصنيف المؤتمر لسورية بوصفها دولة تحتاج لانتداب دولة متقدمة عليها لمساعدتها في التقدم نحو دولة عصرية يمكن الاعتراف بها في المجتمع الدولي .

لم يأت ذلك الرفض بصيغة قاطعة تنهي العلاقة مع مؤتمر باريس , لكن بطريقة تلفت نظر المؤتمرين إلى الخطأ في ذلك التصنيف الذي وضعت فيه سورية وتمني استدراكه ومراجعته , تقول اللائحة في البند رقم 3 الآتي : ” حيث أن الشعب العربي الساكن في البلاد السورية هو شعب لايقل رقيا من حيث الفطرة عن سائر الشعوب الراقية وليس هو في حالات أحط من حالات شعوب البلغار والصرب واليونان في مبدأ استقلالها , فإننا نحتج على المادة 22 الواردة في عهد جمعية الأمم القاضية بإدخال بلادنا في عداد الأمم المتوسطة التي تحتاج إلى دولة منتدبة . “

مع ذلك لم تترك اللائحة الأمور عند هذا الحد بل احتاطت للإحتمال الأسوأ وهو فرض الإنتداب , بالتالي فضلت وضع الأولوية في حالة إصرار مؤتمر باريس على الإنتداب على سورية للدولة الأمريكية التي بشر رئيسها ويلسون بانتهاء عهد الاستعمار وكان لجهوده الأثر الأكبر في ارسال لجنة كنغ – كراين , فإذا اعتذرت الولايات المتحدة عن النهوض بتلك المهمة فالأولوية الثانية للدولة البريطانية التي لمس السوريون في تجربة إدارتها لمصر حرصها على السماح بهامش للحريات السياسية ومراعاة مشاعر السكان . لكن اللائحة توقفت عند ذلك وعبرت عن الرفض القاطع للإنتداب الفرنسي كما استنكرت ادعاءات فرنسا بحقوق لها في سوريا ولبنان .

تبدو العقلانية في تلك المطالب في عدم القطع مع السياسة الدولية ومؤتمر باريس والسعي للإنسجام مع مقرراته مع الحصول على أفضل مايمكن الحصول عليه دون التفريط بحقوق البلاد فقد استنكرت اللائحة مشروع الإستيطان الصهيوني بصورة تامة وأكدت أن فلسطين جزء من سورية وكذلك لبنان والساحل السوري بل رسمت للمؤتمر حدود سورية الطبيعية من جبال طوروس شمالا إلى العقبة جنوبا ومن البحر المتوسط غربا وحتى مابعد البوكمال شرقا فهي لم تترك لمؤتمر باريس المجال مفتوحا أمام مسألة حدود الدولة السورية .

استمعت لجنة كراين – كنغ إلى مندوبي المؤتمر المكلفين بتقديم اللائحة وشرح مطالب الشعب السوري , وقامت بحملة استطلاع واسعة شملت فلسطين ولبنان والأردن الحالي واقليم كيليكية الذي كان يعتبر حتى ذلك الوقت أقرب لسورية ووضعت تقريرا بحجم كبير , لكن ذلك التقرير لم يتم تقديمه لمؤتمر باريس إذ كانت الولايات المتحدة قد انسحبت من المؤتمر , وعوضا عن ذلك وضع في خزانة وزارة الخارجية الأمريكية وأقفل عليه , ولم يعلم أحد ما تضمنه حتى العام 1922 بعد أن انتهى كل شيء وكانت سورية قد مر عليها سنتان تحت الاحتلال الفرنسي .

المصدر: صفحة معقل زهور عدي

زر الذهاب إلى الأعلى