إصلاحات «الحشد الشعبي» في العراق تخفي أكثر مما تكشف

مايكل نايتس وحمدي مالك

في الثالث من حزيران/يونيو، أصدر رئيس «قوات الحشد الشعبي» في العراق مذكرةً جديدة تناول فيها موضوع الإصلاح. وتشبه الوثيقة المكونة من صفحة واحدة بيانات «الحشد» السابقة من ناحيتين. أولاً، أعادت المذكرة طرح التطلعات غير المحققة لإصلاح قطاع الأمن التي كانت تنتظر التنفيذ لمدة عام على الأقل، أو لسنوات في بعض الحالات. ثانياً، تشير المذكرة إلى مجموعة من المراسيم السرّية التي لم يتم تفسير محتواها. وفي الوقت الذي يتوجه فيه المسؤولون الأمريكيون إلى “حوارهم الاستراتيجي” الرسمي مع العراق اعتباراً من 10 حزيران/يونيو، تطرح مثل هذه البيانات أسئلة أكثر مما تجيب عليها، مما يؤكد على ضرورة قيام الحكومة العراقية بإحكام قبضتها على عملية الإصلاح وضمان شفافية أكبر فيما يتعلق بجميع عناصر قوات الأمن.

دليل «الحشد» الجديد

صدرت مذكرة الثالث من حزيران/يونيو في شكل رسالة موجّهة من رئيس «هيئة الحشد الشعبي» في مكتب رئيس الوزراء فالح الفياض (يعمل أيضاً كمستشار للأمن الوطني ورئيس جهاز الأمن الوطني، وهو منظمة استخباراتية). وتشير الرسالة إلى إعادة تفعيل عملية “إصلاح «الحشد»” في ظل الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، مع الإشارة إلى «قانون هيئة الحشد الشعبي» (رقم 40 لعام 2016) و”المرسوم التنفيذي” 237 المؤرخ 1 تموز/يوليو 2019. ويركّز نص الرسالة على التغييرات التالية:

إلغاء تسميات الوحدات: يعيد الفياض التأكيد على الالتزام القائم منذ فترة طويلة بإعادة تسمية وحدات «الحشد الشعبي» لدواعٍ جمالية، مشيراً إلى أن التسميات الحالية سيتم استبدالها بأرقام الألوية وحدها (على سبيل المثال، لن يُشار إلى “اللواء الثاني عشر” لـ «قوات الحشد الشعبي» باسم حركة «حزب الله النجباء»).

دمج قوات «الحشد العشائري»: ستبدأ اللجنة المشكلّة بموجب المرسوم الإداري لـ «قوات الحشد الشعبي» رقم 2155 (وثيقة غير علنية) بدمج قوات «الحشد العشائري» بالكامل في قوات «الحشد الشعبي» بحلول 3 تموز/يوليو.

فصل «الحشد» عن السياسة: من المقرر أن يبتعد كافة عناصر «الحشد» عن الأنشطة السياسية، وهذه خطوة أخرى يطالب بها المسؤولون الحكوميون [والزعماء] الدينيون منذ مدة طويلة.

توضيح القضايا القانونية وتلك المتعلقة بشؤون الموظفين: تشير المذكرة إلى وثيقتين أخريين غير علنيّتَين (المرسومان الإداريان لـ «قوات الحشد الشعبي» 2153 و 2156) اللتان يُدّعى أنهما تسهمان في توضيح مسائل العضوية في «الحشد الشعبي»، والوضع القانوني، وشروط الخدمة، وحقوق التقاعد.

إغلاق (بعض) مكاتب «الحشد الشعبي» في المدن: إلحاقاً بإجراء [آخر] دعت إليه المذكرات السابقة، تُحدد الرسالة أنه سيتم إغلاق “جميع مكاتب الألوية والأفواج” في المناطق الحضرية، مع السماح على ما يبدو للمكاتب عالية المستوى (المحافظات، قيادة المحور، والمقر الرئيسي [«هيئة الحشد الشعبي»]) بالبقاء.

إعادة التأكيد على القيادة والتحكم: تؤكد المذكرة على تواجد «الحشد الشعبي» تحت قيادة رئيس الوزراء، وتحظّر أي أعمال لا يوافق عليها رئيس الحكومة، وتهدد بتداعيات قانونية على المخالفين. وقد مُنحت مديرية أمن «الحشد» مسؤولية فرض النظام في حال “المخالفة”.

أسئلة غير مُجابة

لم تأتِ مذكرة الفياض على حين غِرّة – فمن الناحية النظرية، تُعتبر بداية عهد حكومة جديدة مناسَبةً جيدة لإصدار مثل هذه الوثيقة، لا سيما وأن القوانين والأوامر التنفيذية السابقة كانت قد طالبت بإصلاح «الحشد الشعبي». لكن في هذه الحالة بالذات، صدرت المذكرة دون طلب مُحدد من مكتب رئيس الوزراء، ووصلت في وقتٍ كان فيه فريق الكاظمي منشغلاً جداً بالمفاوضات حول إتمام التشكيلة الحكومية وميزانية التقشف.

قد يكون توقيت هذه الرسالة مدفوعاً برغبة الفياض في تحسين مكانته في الحكومة الجديدة، ربما مع التركيز على تمثيل «الحشد الشعبي» ومختلف الفصائل المعادية لأمريكا في “الحوار الاستراتيجي” مع المسؤولين الأمريكيين هذا الأسبوع. ومن ناحية أخرى، قد يحاول الفياض وغيره من زعماء الميليشيات ببساطة توجيه مسار إصلاح «الحشد» في الاتجاه الذي يريدونه قبل أن تتمكن الحكومة الجديدة من تركيز اهتمامها على هذه القضية.

ومهما كانت الحالة، من الصعب تقييم جوهر المذكرة لأنها تشير إلى مراسيم إدارية خاصة لم تطّلع عليها حتى حكومة الكاظمي. فعندما أصدر فياض مذكرة سابقة في 29 تموز/يوليو 2019، أرفق بها جميع الوثائق الداعمة المذكورة فيها. ولكنه لم يقوم بذلك هذه المرة، مما رسّخ الشكوك القائمة المحيطة بإصلاح «الحشد الشعبي». وتتضمن الأسئلة الرئيسية المطروحة بهذا الشأن ما يلي:

النوايا تجاه القوات العشائرية: قد يصف المرسوم 2155 بعض المسائل الإدارية غير الضارة تماماً، ولكن من المستحيل معرفة ذلك على وجه اليقين لأنه لم يتم الكشف عن الوثيقة – وحتى يبدو أن الحكومة العراقية نفسها لا تفهم تماماً القضية التي تتمحور حولها. وقد يحاول الفياض إحكام السيطرة على قوات «الحشد العشائري» ذات الغالبية السنية التي هي شبه مستقلة وقد تسعى إلى الانفصال عن قيادة «الحشد الشعبي» كما فعلت وحدات العتبات في وقت سابق من هذا العام. وربما يحاول أيضاً زيادة رواتب «الحشد» من خلال توسيع صفوفه قبل أن تنقضّ إجراءات التقشف على البلاد هذا الصيف – وهذه خطوة جدلية جداً في هذا الوقت الذي تعاني فيه الدول من ضغط اقتصادي شديد.

التواجد المتبقي لـ «قوات الحشد الشعبي» في المدن: من الناحية النظرية، تُعتبر التحضيرات الجديدة لإلغاء مقرات «الحشد» في المناطق الحضرية منطقيةً نوعاً ما، حيث أن مقر «هيئة الحشد» يقع بالضرورة في بغداد. ومع ذلك، من المرجح أن تُستخدم أحكام المذكرة المتعلقة بهذا الشأن لمساعدة تنظيم «كتائب حزب الله» المصنّف على قائمة الإرهاب الأمريكية وغيره من الميليشيات الأكبر الأخرى على صعيدين: المحافظة على مشاريعها الاقتصادية في المدن، وإخافة الحكومة عبر نشر وحدات تكتيكية في مواقع حساسة (على سبيل المثال، بجوار مكتب رئيس الوزراء، أو حتى داخل مجمع “القصر الجمهوري” الذي هو موقع رئيسي للاجتماعات الحكومية).

ضبط «الحشد الشعبي»: تؤكد طريقة معالجة المذكرة لمسألة الانضباط عزم «هيئة الحشد الشعبي» على عدم الانصياع لأي سلطة قضائية أو أمنية خارج صفوفها. بالإضافة إلى ذلك، يرأس آلية الانضباط الرئيسية في «الحشد» – مديرية الأمن – في الوقت الحالي حسين فلاح اللامي (المعروف أيضاً بأبو زينب اللامي) الذي هو عنصرٌ من «كتائب حزب الله» متّهم بانتهاك حقوق الإنسان وخاضع للعقوبات الأمريكية.

التداعيات على السياسة الأمريكية

يجب على الولايات المتحدة أن تحترم حقوق العراق السيادية بصورة دائمة. ولكن كونها مانحاً رئيسياً لقطاع الأمن العراقي، والدولة التي تقود التحالف الدولي الذي يدعم تعافيه من الأزمة المالية والوباء العالمي الناتج عن فيروس كورونا، فلدى واشنطن كامل الحق في أن تتوقع من الحكومة العراقية البقاء على اطلاع على القرارات التي تُتَّخذ داخل جهاز رسمي كـ «الحشد الشعبي». وعلى الرغم من انشغال رئيس الوزراء الكاظمي وفريقه بشكل مفهوم بمهام حيوية أخرى وهي تشكيل الحكومة ومعالجة المشاكل الاقتصادية، إلا أنه ما زال عليهم الاطلاع مسبقاً وبشكل تام على التغييرات الأمنية المقترحة، والسيطرة بشكل كامل على الفياض و «الحشد الشعبي».

وعوضاً عن الإسراع في إصلاح قوات «الحشد الشعبي» بطريقة غامضة، يجب أن تكون العملية متداخلة ضمن جهد أوسع لإصلاح الأمن القومي، على أن تحدد هذه المساعي أدوار ومهام جميع مكونات القوات المسلحة. فالتحرك بتوتيرة متأنية، تحت السيطرة والإشراف الكاملين من قبل الحكومة المدنية، من شأنه أن يُنتج إصلاحات حقيقة، وليس خطوات متهورة تهدف إلى التفوق على الآخر وخدمة المصلحة الذاتية. وفي اجتماعات الحوار الاستراتيجي هذا الأسبوع، يجب على المسؤولين الأمريكيين السعي للحصول على ضمانات بأن يتم تنسيق جميع إجراءات الإصلاح المستقبلية من قبل حكومة الكاظمي، وألا تكتفي عناصر «الحشد الشعبي» بالإعلان عنها ببساطة وبطريقة تضع رئيس الوزراء والمجتمع الدولي أمام الأمر الواقع.

مايكل نايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن. ومنذ عام 2003، أجرى أبحاثاً مكثفة على الأرض في العراق إلى جانب قوات الأمن والوزارات الحكومية. حمدي مالك هو محلل لشؤون الشرق الأوسط في “تلفزيون إيران الدولي” ومقره في لندن. وبالاشتراك مع أيمن التميمي، شاركا في تأليف الدراسة التي أجراها المعهد مؤخراً بعنوان، التكريم من دون الاحتواء: مستقبل «الحشد الشعبي» في العراق.

المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى