ثلاثة سيناريوهات بين الأسد والأمم المتحدة بعد “تفاهم باب الهوى”

محمد فنصة

بعد ساعات من إعلان الأمم المتحدة ترحيبها بتمديد “الإذن” من قبل حكومة النظام السوري لاستخدام معبرين حدوديين لا تسيطر عليهما مع تركيا، أعلنت ذات المنظمة الدولية عن توصلها إلى “تفاهم” مع النظام، يقضي باستخدام معبر “باب الهوى” الحدودي خلال الأشهر الستة المقبلة، وهو ما أثار التساؤلات حول ما يمكن أن يجني حليف روسيا، صاحبة “الفيتو” في مجلس الأمن، مقابل هذا “التفاهم”.

في 8 من آب الحالي، قالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، “نرحب ترحيبًا حارًا بتمديد الإذن من قبل الحكومة السورية لاستخدام معبري (باب السلامة) و(الراعي) حتى 13 من تشرين الثاني”.

ووافق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعد أسبوع من الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا، في 6 من شباط الماضي، على فتح معبرين إضافيين (باب السلامة، والراعي) مؤقتًا من تركيا إلى شمال غربي سوريا لمدة ثلاثة أشهر، انتهت في أيار الماضي، وجرى تمديدها حتى 13 من آب، قبل إعلان تمديدها حينها مجددًا.

ولا يسيطر النظام على هذين المعبرين، ويقعان تحت سيطرة المعارضة السورية، التي تدير أغلب المعابر على الحدود السورية- التركية، ومنها معبر “باب الهوى”.

ونشرت الأمم المتحدة في ذات اليوم بيانًا، رحب فيه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بـ”التفاهم” مع حكومة النظام، الذي يقضي باستخدام معبر “باب الهوى” لإيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا، خلال الأشهر الستة المقبلة.

وأوضح نائب المتحدث باسم الأمين العام، فرحان حق، أن هذا “التفاهم” يأتي بعد محادثات بين وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، والنظام، بهدف السماح للأمم المتحدة وشركائها بمواصلة تقديم المساعدة الإنسانية عبر الحدود، “بالحجم اللازم وبطريقة مبدئية تسمح بالانخراط مع جميع الأطراف”.

وأضاف حق أن “التفاهم” يأتي لأغراض السعي إلى وصول المساعدات الإنسانية بطريقة “تحمي الاستقلال التشغيلي للأمم المتحدة”.

شروط مرفوضة

كان النظام سلّم الأمم المتحدة رسالة عبر مندوبه لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، في 13 من تموز الماضي، أعلن فيها عن السماح لوكالات الأمم المتحدة إدخال المساعدات الإنسانية لشمال غربي سوريا عبر معبر “باب الهوى” لمدة ستة أشهر، مشترطًا أن يجري تسليم المساعدات “بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الحكومة السورية”.

كما اشترط في رسالته عدم تعامل وكالات الأمم المتحدة مع “المنظمات الإرهابية” في إشارته إلى السلطات الموجودة في المنطقة، وإشراف “الهلال الأحمر السوري” على توزيع المساعدات، وهو ما رفضته الأمم المتحدة واصفة الشروط بـ”غير المقبولة”.

وعبّرت الأمم المتحدة عن القلق إزاء حظر مفروض على التحدث إلى كيانات “مصنفة إرهابية”، لما له من ضرورة من الناحية التشغيلية لإجراء عمليات إنسانية آمنة وبلا عوائق، وكذلك حيال “الإشراف” على عملياتها من جانب منظمات أخرى من مناطق نفوذ النظام كـ”الهلال الأحمر السوري”، ما يهدد استقلالية المنظمة الدولية.

وكان معبر “باب الهوى” توقف عن إدخال المساعدات الأممية منذ 11 من تموز الماضي، نتيجة فشل مجلس الأمن بالتوصل إلى تمديد آلية “عبر الحدود” بعد “الفيتو” الروسي لمشروع القرار البرازيلي- السويسري، بينما رفضت أغلبية الأعضاء مشروع القرار الروسي القائم على تمديد الآلية لثلاثة أشهر فقط.

ما المقابل؟

بعد أيام من كارثة الزلزال في شباط الماضي، زارت عديد من الوفود الأممية الشمال السوري، تزامنًا مع وجود عديد من اللقاءات والزيارات إلى دمشق.

وترتب على اللقاءات في دمشق موافقة النظام السوري على إيصال المساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر معبرين حدوديين إضافيين مع تركيا لثلاثة أشهر، وفق ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 13 من شباط الماضي.

وتعقيبًا على ذلك، قال مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، إن طرح قرار فتح المعبرين الإضافيين ضمن مجلس الأمن ليس مطلوبًا، لافتًا إلى وجود “اتفاق بين سوريا والأمم المتحدة”.

تزامن ذلك مع ظهور مؤشرات على “صفقة سياسية غير معلَنة وبمشاركة أممية”، ظهرت ملامحها عبر “تنازلات” قُدمت بعد تعنّت أبداه النظام والولايات المتحدة على حد سواء لسنوات، وفق ما قاله خبراء في حديث سابق إلى عنب بلدي.

الطبيب السوري والناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة محمد كتوب، قال لعنب بلدي، “نحن الآن أمام مرحلة جديدة أصبحت فيها آلية دخول المساعدات عبر الحدود تتطلب موافقة النظام، وهي ذات الموافقة التي لن تترك مجالًا أمام مجلس الأمن بالتدخل”.

ويوافق مجلس الأمن على دخول المساعدات بناء على عدم وجود موافقة من “الدولة صاحبة العلاقة”، لكن بهذا “التفاهم” أصبح قرار دخول المساعدات عمليًا بيد النظام، وهو ما يمكن القول إنه قد كسبه بعدما كان لتسع سنوات بيد مجلس الأمن، على الرغم من صدور عدة تحليلات قانونية تؤكد أن وكالات الأمم المتحدة تستطيع العمل دون موافقة حكومة النظام ودون موافقة مجلس الأمن، وفق كتوب.

وتصر الأمم المتحدة على العمل وفق آلية مجلس الأمن أو عبر موافقة النظام، لكي لا تكون “سابقة” لدى مسؤولي الأمم المتحدة العاملين بآلية مختلفة لأول مرة من جهة، وتفاديًا للضغط الذي يمكن أن ينتج من النظام وروسيا من جهة أخرى، وفق تعبير كتوب.

ما السيناريوهات المتوقعة؟

خلال الإحاطة اليومية للأمم المتحدة، في 10 من آب الحالي، أفاد نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، أن الأمم المتحدة قبل الوصول إلى “التفاهم” أجرت مناقشات مع حكومة النظام والأطراف المعنية الأخرى، بما في ذلك تركيا، وأعضاء مجلس الأمن والدول الإقليمية، والجهات المانحة والشركاء في المجال الإنساني.

وأوضح بعد سؤال حول شكل “التفاهم”، أن جزءًا منه كان مكتوبًا وآخر شفهيًا.

من جانبها، أعربت المملكة المتحدة عن مخاوفها بشأن سيطرة النظام السوري على مسألة دخول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى شمال غربي سوريا بعد “التفاهم” الذي أعلن عنه.

وقالت الممثلة الدائمة لإنجلترا لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، في 10 من آب الحالي، “منذ الفيتو الروسي في تموز، لم تدخل أي شاحنة مساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر (باب الهوى)”.

وأضافت، “إعلان الرئيس الأسد أنه سيبقي (باب الهوى) مفتوحًا لمدة ستة أشهر أخرى، قد يعني أن المساعدات يمكنها البدء بالتدفق، لكن لا المنظمات غير الحكومية ولا الشعب السوري يمكنهما الاعتماد على نزوة رجل واحد يمكنه تغيير موقفه غدًا”، مشيرة إلى أن إنجلترا تنسق مع الشركاء وتخطط لإعادة تفويض دخول المساعدات إلى مجلس الأمن الشهر الحالي.

وحول السيناريوهات المحتملة بعد نهاية “التفاهم”، يرى الناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة محمد كتوب، أن النظام يمكن أن يستمر في إعطاء الموافقة للأمم المتحدة، وهو ما لا يترك مساحة لمجلس الأمن للتدخل من جهة، ويصبح النظام يفاوض الأمم المتحدة بمطالبات أكثر للموافقة بشكل مباشر دون أن تفاوض عنه روسيا كما كان يحدث في مجلس الأمن من جهة أخرى.

ومع هذا السيناريو، يعتقد كتوب أن آلية دخول المساعدات ستنتقل تدريجيًا من أن تكون عبر الحدود لتصبح شبيهة بآلية عبر الخطوط، بحيث يكون لحكومة النظام نفوذ أكبر على المساعدات.

السيناريو الثاني عدم تجديد النظام “موافقته”، وهو ما يعيد مجلس الأمن للساحة والتدخل بإنشاء قرار لدخول المساعدات عبر الحدود، لكن روسيا ستعود للتفاوض ومحاولة الحصول على تنازلات، وعدم السماح بتمرير قرار تتجاوز مدته ستة أشهر، برأي كتوب، مستندًا إلى أن آخر قرار تم تمريره عبر المجلس كان بهذه المدة.

أما السيناريو الأخير المتوقع، وفق كتوب، فهو عدم تجديد النظام “موافقته” من جهة، وفشل مجلس الأمن في التوصل لاتفاق حول قرار لإدخال المساعدات كما حدث في المرة الأخيرة.

وحينها سيكون للأمم المتحدة خياران، أحدهما الأخذ بزمام المبادرة واتباع أحد التحليلات القانونية المطروحة للمحافظة على جزء كبير من أدوارها في آلية عبر الحدود، أو أن تكرر سلوكها عام 2020، عندما لم يصدر قرار بتجديد دخول المساعدات عبر معبر “اليعربية” لشمال شرقي سوريا، حيث سحبت حينها جميع عملياتها إلى آلية عبر الخطوط.

نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، قال تعليقًا على رسالة مندوب النظام الأممي، إنه “لا توجد حاجة الآن لأن يصوت مجلس الأمن على أي تفويض لتسليم المساعدات عبر الحدود”، معتبرًا أن الآلية الأممية لتسليم المساعدات عبر الحدود “ميتة رسميًا” بعد موافقة النظام.

وكتب عبر موقع “إكس” (تويتر سابقًا)، “كل محاولة لطرح مسودة أخرى للتصويت لن تشكّل سوى ألعاب سياسية”.

وتعترض روسيا والنظام السوري على الآلية الأممية بحجة أنها “تنتهك سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية”، ويطالبان بإيصال المساعدات عبر الخطوط من المناطق الخاضعة لنفوذه، ما يثير مخاوف المعارضة من أن الغذاء والمساعدات الأخرى ستخضع لسيطرة النظام.

ما أهمية آلية عبر الحدود؟

يعد معبر “باب الهوى”، الذي كان الوحيد العامل ضمن آلية عبر الحدود، من أهم نقاط عبور المساعدات إلى الشمال السوري و”الشريان التجاري” الأبرز في مناطق شمال غربي سوريا، وتدخل منه 85% من الشاحنات الأممية، بحسب الأمم المتحدة.

وكان فريق “منسقو استجابة سوريا” أحصى في وقت سابق دخول عشر شاحنات عبر الخطوط (من مناطق سيطرة النظام) ضمن دفعة واحدة خلال مدة الاستثناء المعمول به جراء الزلزال (ستة أشهر)، بينما بلغ عدد الشاحنات التي دخلت عبر الحدود (من باب الهوى) خلال المدة ذاتها 4342 شاحنة، منها 602 شاحنة من معبري “باب السلامة” و”الراعي”.

وأوضح الناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة محمد كتوب، أن آلية عبر الحدود لا تقتصر فقط على دخول شاحنات المساعدات، لكنها عبارة عن كل المهام المنوطة بالأمم المتحدة، من إدارة العمليات، والقيادة التقنية، والتنسيق الإنساني والعملياتي مع جميع الأطراف.

وستتعرض إدارة البرامج الإنسانية وإدارة المستشفيات والمخيمات للخلل في حال توقف آلية عبر الحدود، حيث يدخل منها تمويل المنظمات ورواتب العاملين الإنسانيين، وفق كتوب.

ويعتمد أيضًا جزء كبير من المنظمات الإغاثية المختلفة على معبر “باب الهوى” لاستيراد وتوريد جزء مهم من متطلباتها الغذائية أو الطبية اللازمة لاستجابتها الإنسانية.

وأعدت عنب بلدي، في تموز الماضي، ملفًا بعنوان “موسكو والنظام.. يلعبان بـ(شريان حياة) الشمال”، ناقشت فيه محاولة النظام السوري انتزاع ملف المساعدات من مجلس الأمن، والتأثيرات المحتملة على المستوى الإغاثي والإنساني، جراء خطوة محتملة من هذا النوع.

المصدر: عنب بلدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى