أزمتنا في نخبنا

منجد الباشا

على هامش الندوة التي اجراها موقع الحرية أولاً مساء 11/8/2023 مع الدكتور عبد الناصر سكرية حول زيارة الوفد القومي العربي لرأس النظام المجرم في دمشق.
بالرغم من الدلالة الصادمة لزيارة الوفد القومي لرأس نظام العمالة في دمشق والتي من وجهة نظرنا ترقى إلى مستوى دلالة التطبيع العربي معه الصادمة أيضاً، فهي لم تلاق ردود فعل كما حدث لمسألة التطبيع من قبل الناشطين الثوريين والسياسيين السوريين، الأمر الذي يجعلنا نسجل للموقع مبادرة متميزة يشكر عليها.
ونعود في هذا الفضاء لنستذكر حال العطالة والبؤس الذي يعيشه السياسي أو المثقف السوري وبالتالي العربي.
لقد كانت صدمة المواطن السوري بنخبه السياسية والثقافية ودورها في الثورة. كما كانت صدمته بالموقف اللاأخلاقي الذي اتخذه أرباب النظام الدولي حيال هذه الثورة واصابتها في مقتل، صدمة استثنائية في التاريخ البشري التي سيسجلها هذا التاريخ، وستكون نقطة افتراق كبيرة بين تاريخ بشري مضى عرفناه، وبين تاريخ قادم قد تخلو منه كل القيم والمثل البشرية وخاصة الأخلاقية منها…ليشكل حالة متخيلة لمجتمع بشري وغير بشري في آن.
وقد جاءت زيارة الوفد القومي لربوع المجرم الأسد لتشكل صدمة ثالثة، ليس بسبب هذا الفعل فقط، وإنما لما يرافق هذا الفعل من ظاهرة لم يتم التوقف عندها بما يكفي ويرقى إلى مستوى خطورتها وأهميتها، ألا وهي ظاهرة الاختراق الحاصل لقوى الإجرام والعمالة لجسم مؤسسة المؤتمر القومي العربي، حيث نعرفها جميعاً، ولكنها معرفة عابرة وهي مصادرة واحتواء الجانب الإيراني والأسدي لهذه المؤسسة الحيوية والفاعلة منذ مدة ليست بالقصيرة وسريان العطب اليها والذي بات لاحقا يصيب دائرة واسعة من دوائر التيار العروبي الناصري، أيضاً وفي سياق هذا الواقع المعطوب والمتردي الذي مضى على تفاعله بيننا واستنقاعنا فيه زمناً مكشوفاً هو زمن الثورة السورية، فقد لاحظنا أن الرموز العروبية التي كانت تداخل في الندوة بدت وكأنها لازالت أسيرة عرف أصاب الفكر والتفكير النخبوي السوري عموماً، والذي بات عارياً، حيث صار هذا العرف مألوفاً بأنه لابد له من ممارسة خطاب يعتمد أسلوب التوصيف والسرد وخلط الشخصي بالعام والعودة إلى التاريخ ومن ثم لا مانع لديه كذلك من طرح التصورات والرؤى المقرونة بالتمنيات التي يراها المنتدي حيال الموضوع أو الظاهرة أو المسألة المثارة للحوار….؟؟؟؟
لا شك أن عطبنا أوعطب سياسيينا أو مثقفينا لا يكمن في هذا العرف أو هذا النمط من التفكير فهو أمر لازم أحياناً، بل لا غنى عنه أحياناً أخرى، لكن العطب يكمن في استفحال المسألة نفسها أو الظاهرة أو الموضوع الذي أخذ يتحدانا ويشكل خطرا علينا جميعاً شعباً ووطناً ووجوداً.
الأمر الذي يتطلب منا المواجهة والمعالجة والتجاوز، بل والطرد الى مزابل التاريخ، الا أن ذلك لم يحدث ولا يحدث،حتى الان، حيث لازال هذا العرف يسيطر على ذهنية نخبنا ولازال الموضوع أو الظاهرة آخذة في استفحال مخيف، اللافت أن الدكتور عبد الناصر اضاء على كل ذلك وإن كان مباشرةً أو غير مباشرة.
لكن ما نسجله له ونتفق معه عليه هو الخلاصة المهمة التي خلص اليها، ألا وهي: أن مشكلتنا تكمن في عدم الاهتمام وعدم الانتقال إلى حيز الممارسة أو التطبيق والتنظيم، وكذلك الإدارة، ودعا في سبيل ذلك إلى تشكيل جبهة سياسية ثورية تأخذ على عاتقها الانتقال إلى حيز الإدارة والتنظيم والتطبيق لإنتاج إطار أو كيان يعمل على إزالة هذا الركام من مسار النضال الثوري لقوانا السياسية والثقافية والثورية، خاصة أننا جميعاً ندرك، بل ونشكو من هذه العطالة وهذا الركام، ونتجاوز الشكوى إلى بذل الحسرات والآهات والاستهجانات لما تعج به الساحة الثورية.
فمثال على ذلك: أن ظاهرة إطلاق العديد من التجمعات والمؤتمرات والمبادرات التي تسعى لإنتاج كيان ثوري يتجاوز هذا الذي نحن فيه، والمآل الذي تنتهي إليه هذه التجمعات أو المؤتمرات من تشظي وتلاشى، وهو ما يأخذنا إلى السؤال الذي يطرح نفسه:
ما هو سبب هذا الانفجار والتلاشي طالما أن الجميع متفق بل ويكاد يكون متطابق بما نسميه توصيف الواقع وتطابق الرؤى التي تطال هذا الواقع وكذلك الأهداف المطلوبة، إن العرف الذي يستحوذ على مجمل تفكير نخبنا وسياسيينا والذي يقف مشلولاً أمام معالجة ظاهرة تلاشي هذه التجمعات أو المؤتمرات أو تشظيها، يؤكد بل ويجزم أن ما طرحه الدكتور عبد الناصر إنما يمثل مخرجاً لما نحن عليه، أي تحويل الاهتمام كل الاهتمام إلى مستوى الممارسة والتنظيم والإدارة والعمل المؤسساتي، وهو الأمر الذي ندعو إليه منذ زمن بعيد، وهو الأمر الذي كذلك يعرفه المثقفون والمسيسون من خلال خيبة أحزابهم السياسية وعجزها والذي تجلى بالفجوة الكائنة بين النظرية والتطبيق، وهو ما يعني بالتالي عدم الاهتمام بالمستوى التنظيمي الذي له تعود أهمية نقل الأفكار إلى حيز الواقع وتجسدها فيه، وهو ما نفتقده حتى اليوم وما يجب أن نعود للاهتمام به والاشتغال عليه وفق رؤية الدكتور عبد الناصر سكرية مشكوراً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى