المؤتمر القومي العربي :1990 __ 2023 البداية والمآل

محمد عمر كرداس

انعقدت أولى جلسات المؤتمر القومي العربي في تونس ربيع عام 1990،وبيان تأسيسه يعتبر نفسه امتدادا واستكمالا للمؤتمر العربي الأول عام 1918الذي أجهضته قوى الاستعمار الغربي…تشكل المؤتمر من ثلة من القوميين والوحدويين العرب أصحاب الأقلام الهامة الفكرية والسياسية والاقتصادية وفي كافة مناحي الحياة وهدفه بالأساس تنويري ثقافي يجمع هذه النخبة من المتميزين من كل أقطار الوطن العربي،ليحدد البوصلة التي يجب أن تتجه إليها كافة الفعاليات لتجسيد أهداف الأمة في مشروع حضاري يقيلها من عثرتها التي كانت في ذلك العام في ذروتها من التفكك والتقاتل وخذلان أنظمة الأمن القومي العربي لشعوبها بحيث كانت مجندة لصانعيها وداعميها وكان من أهم مبادئه أن لايضم لعضويته أي مسؤول أو عضو قي حزب حاكم بالوطن العربي..سار المؤتمر بشكل متوازن لفترة طويلة حتى عام 1998 لنفاجأ بالدورة الثامنة بانضمام بعض الحزبيين كفيصل كلثوم محافظ درعا عند انطلاق الثورة السورية عام 2022 بصفته رئيس مركز الدراسات والبحوث في جامعة دمشق وهو مع عاطف نجيب المجرم قاتلي أطفال درعا ،وبضغط من حزب الله الذي كان ممثلا في المؤتمر والنظام السوري الذي كان مازال مهيمنا على الوضع اللبناني،جاء أعضاء القيادة المركزية للجبهة المتحالفة مع النظام السوري كأعضاء دون ترشيح من الدكتور جمال أتاسي الذي كان عضو الأمانة العامة عن سورية وهو المخول بالترشيحات مما دعاه لإرسال كتاب استقالته معي حيث كانت الدورة ستنعقد في القاهرة لأول مرة بعد سنوات من انعقاده في بيروت ورفض أمانته الانعقاد في دمشق رغم تكرار محاولات النظام ودعواته المتكررة،وقد اعتبر في كتاب استقالته التي وجهها للأمين العام آنذاك الأستاذ عبد الحميد مهري امين عام جبهة التحرير الجزائرية المعارضة وهو المناضل الثوري المعروف أن مايجري هو انحراف عن أهداف المؤتمر سيجره إلى أحضان النظام السوري بحكم وجود مكاتب أمانته في بيروت المهيمن عليها…وكان تعليق الأستاذ المهري برسالته الجوابية لصديقه الدكتور جمال ان : الله غالب وسأترك هذا المنصب في أول فرصة وهكذا كان ..وبعد احتلال العراق غاب الصوت الوطني عن هذا المؤتمر فهجره الكبار وبقي لأمثال معن بشور وحمدين صباحي وحزب الله وحماس ووو….
أذكر عندما انعقد المؤتمر في بغداد للتضامن مع العراق ضد الغزو الدولي الذي كان يلوح في الأفق ،خاض خير الدين حسيب العراقي الوحدوي الناصري مباحثات مع الجانب العراقي ند لند ولم يقبل أن يكون عضوا في المؤتمر أي من المسؤولين العراقيين في الحزب أو الحكومة بينما ضم المؤتمر الكثير من الناصريين والقوميين العراقيين وحتى المعارضين كالدكتور المرحوم وميض عمر نظمي الذي ذاق الويلات على يد الحزب الحاكم ،كما أن خير الدين حسيب نفسه كان خارج العراق منذ 1972 وهو الاقتصادي العربي الكبير ومحافظ البنك المركزي العراقي ومسؤول المؤسسة الاقتصادية العراقية الي نهضت بالعراق بكافة مجالاته.
انبثق المؤتمر القومي عن وقفية اسمها وقفية جمال عبد الناصر أسست من متبرعين ناصريين من كافة اقطار الوطن العربي وبلغت ثلاثة ملايين دولار ولها مجلس أمناء يدير نشاطاتها ومؤسساتها ونتج عنها العديد من المؤسسات والمنظمات التي كان المجال الثقافي والسياسي والاجتماعي العربي بحاجة إليها وعلى سبيل المثال لا الحصر أسس المؤتمر المنظمة العربية لحقوق الانسا ن ومقرها لندن حيث لم تستطع أن تجد لها موطئ قدم في أي قطر من اقطار الوطن العربي…ومؤسسة الترجمة أيضا مقرها لندن ومركز دراسات الوحدة العربية ومجلته المستقبل العربي الذي كان له الفضل في نشر الفكر القومي التنويري بمئات الكتب والدراسات والدوريات لكبار الكتاب العرب وكان مقره بيروت ..كما شكلت الوقفية المؤتمر القومي _ الإسلامي الذي جمع التيارين في عمل جدي للتواصل بينهما ليسود الفكر الوسطي والتنويري وللابتعاد عن التطرف والتخلف..
بعد هجر الكثيرين من الأعضاء واستبدالهم بأناس ممن يأتمرون بأوامر نظام الأسد والملالي الإيراني أصبح الطافي على السطح من يقبض ومن يشبح وحتى حمدين صباحي الذي كان في بداية الثورة يعتبر النظام مجرما جاء ليجتمع مع رأسه وضحكته العالية والواسعة خير دليل على ضخامة المبلغ والمكرمة التي نالها من قاتل أطفال سورية ونسائها وشبابها،وحتى عندما أراد تغطية جزء من عورته باجتماعه مع معارضة الداخل ( هيئة التنسيق) قطع النظام هذا الاجتماع بدعوة السيد حمدين وشبيحته لغداء مستعجل.
لايعول الشعب السوري على مثل هؤلاء لانقاذه من محنته فلابد أن يعتمد على نفسه من أجل إقامة نظام وطني ديموقراطي لكل السوريين بعد إزاحة هذا النظام المجرم وكل محازبيه إلى مزبلة التاريخ وهي مليئة بالجيف أمثال هذه الأشكال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى