إلى أين يقود انقلاب النيجر دول الساحل الأفريقي؟

أماني الطويل

قد يكون هاجس التمدد الروسي لدى الغرب في المنطقة دافعاً وراء تكثيف الضغوط الدولية والإقليمية الراهنة على الانقلابيين.

تعد النيجر الدولة رقم 11 في أفريقيا التي يكون فيها النفوذ الغربي بشكل عام إما في حالة انحسار أو محل تساؤل، لكن هذا الرقم ليس هو السبب الوحيد في الفزع الغربي من انقلاب النيجر، وإمكانية تحول علاقاتها على نحو جذري نحو كل من روسيا والصين.

هذا الفزع يعود أيضاً إلى حساسية موقع النيجر على المستوى الجيوسياسي لجملة من المصالح الدولية والإقليمية، وكذلك بالنظر إلى إمكانات النيجر على صعيد الموارد، خصوصاً اليورانيوم، وثالثاً لاحتمالية أن يكون لهذا الانقلاب أبعاد عرقية سيكون لها تأثير في الصعيد الإقليمي على أقل تقدير.

في هذا السياق نشير إلى أن موقع النيجر كدولة كبيرة الحجم نسبياً تصنف في الدراسات الابتسمولوجية (نظريات المعرفة) كدولة مركز في منطقة الساحل الأفريقي إلى جانب كل من تشاد ومالي، وهي منطقة تصنف بالهشاشة السياسية والاقتصادية والأمنية، وكذلك النيجر دولة جار مباشر لدولتين عربيتين هما ليبيا والجزائر.

على الصعيد الأمني النيجر قريبة من تهديدين رئيسين في منطقة الساحل، هما تنظيم “بوكو حرام” في كل من نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد، وتنظيم “القاعدة” في بلدان المغرب العربي، الذي يملك امتداداً في كل من مالي وموريتانيا، كما تشكل منطقة أغاديس في شمال النيجر مركزاً للجريمة المنظمة بكل تجلياتها في الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات وغيرها من الأنشطة غير الشرعية.

أما على الصعيد الاقتصادي فإن إجمالي الناتج المحلي في النيجر لا يتجاوز 14 مليار دولار لعام 2022، وذلك على رغم أن موارد النيجر تبدو مؤثرة في اقتصادات دول مثل فرنسا، فهي رابع منتج لليورانيوم على مستوى العالم، وهو النشاط الذي بدأته الشركات الفرنسية منذ عام 1970 في النيجر وتستفيد منه حتى اللحظة الراهنة، وذلك فضلاً عن موارد من الذهب والفحم.

وعلى رغم هذه الثروات فإن مؤشر الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2021 – 2022 قد صنف النيجر إلى جانب كل من تشاد وجنوب السودان، ضمن أدنى مستوى من التنمية البشرية حول العالم، وطبقاً لهذه المؤشرات فإن من الواضح بالنسبة لنا أمرين أن عوائد الثروات الاقتصادية في النيجر غير عادلة، وأن عوائد هذه الموارد غير مدرجة في الموازنة العامة التي تشكل المنح والمساعدات الغربية فيها نحو النصف، وهي حالة من الفساد معروفة في عديد من الدول الأفريقية، ويتغافل عنها الفاعلون الدوليون، وهو الأمر الذي يفسر حالة الاحتقان الداخلي ضد فرنسا في النيجر، حيث يعاني شعبها الجوع، بينما يتمتع الفرنسيون بثرواتها، حيث يعاني نصف السكان البالغين نحو 27 مليون نسمة من الفقر المدقع، ولا يتجاوز دخلهم اليومي دولارين.

ما الخسائر الغربية؟

في حال سقوط النيجر في براثن النفوذ المعادي للغرب أي روسيا والصين فإن الخسائر هنا لن تكون قليلة على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث إنه في السياق الأول فإن تحالف النيجر مع كل من الجزائر وتشاد في ما يتعلق بمراعاة المصالح الفرنسية هو أمر مشهود، خصوصاً أن الثلاثة هم شركاء في حالة محاربة الإرهاب والانفلات الأمني في منطقة الساحل، سواء داخل تحالف جي فايف العسكري أو خارجه، وهو التحالف الذي تقوده فرنسا.

إلى جانب هذا التحالف، فإن القوات العسكرية الفرنسية التي كانت في مالي انتقلت إلى النيجر بعد انقلاب مالي، وهنا لا يكون لباريس في حال خروج قواتها من النيجر إلا نقطة ارتكاز واحدة في تشاد بمنطقة الساحل، وذلك بعد أن خسرت نفوذها في كل من مالي وبوركينا فاسو، فضلاً عن أفريقيا الوسطى.

أما على صعيد الاقتصاد فإن فقدان فرنسا لموارد النيجر من اليورانيوم سيكون له انعكاس مباشر على مستوى إنتاج الطاقة في فرنسا، الذي يواجه أزمة في الوقت الحالي، حيث تعتمد محطات إنتاج الطاقة الفرنسية على اليورانيوم من النيجر بنسبة 70 في المئة تقريباً.

على الصعيد الأميركي فإن نقاط الارتكاز العسكري في النيجر هي محل تساؤل حالياً، حيث أنشأ البنتاغون عام 2014 قاعدة طائرات مسيرة في مدينة أجاديز بشمال النيجر، كما أن واشنطن وعدت بمساعدة الرئيس المنقلب عليه محمد بازوم في محاربة الإرهاب، سواء من حيث التسلح أو التدريب، وربما تكون صفقة الأسلحة التي حصلت عليها النيجر أخيراً من مصر في إطار هذا الاتفاق، وهي الصفقة التي تضمن أسلحة ثقيلة، وأعلنتها وزارة الدفاع في النيجر مفصلة هذه الأسلحة في 30 مركبة (استطلاع) مصفحة من طراز “بي آر دي أم-2″، ونحو عشرين قذيفة هاون ومدفع عيار 122 ملم، وأكثر من ألفي مسدس آلي وبندقية هجومية من طراز “أي كاي 47″، فضلاً عن ذخيرة متنوعة.

الجوائز لمن؟

على رغم إعلان الجنرال عبد الرحمن تشيباني ترؤسه للنيجر وخلع الرئيس المنتخب محمد بازوم، وكذلك تعطيل الدستور وحله للمؤسسات فإن مصير النيجر لم يحسم بعد على نحو نهائي، ذلك أنه ينظر إلى الصراع المنتج للانقلاب في النيجر على أن له أبعاداً شخصية بين الرئيس محمد بازوم وسلفه علي يوسفو، ورغبة الأخير في أن يمتثل بازوم له، حيث إن الأبعاد العرقية هنا قد لا تكون غائبة، ذلك أن بازوم هو من أصول ليبية عربية، ويترأس بلداً نصف سكانه هم من عرقية الهوسا التي ينتمي إليها الجنرال المنقلب، وفي ما يخص البعد الدولي فهو ليس بغائب، ذلك أن هناك تبايناً في موقف النخب السياسية والمدنية من هذا الانقلاب، وذلك في انعكاس لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في توجهات الرأي العام في النيجر، ذلك أن شركة “فاغنر” نشطة على هذه المنصات عبر عديد من الصفحات التي يتابعها ما لا يقل عن مليوني متابع في أفريقيا، وربما ذلك ما يفسر رفع العلم الروسي في بعض التظاهرات، وقد لا يكون انعكاساً واقعياً لاختراق روسيا للنخب العسكرية في النيجر.

على أية حال قد يكون هاجس التمدد الروسي لدى الغرب في منطقة الساحل الأفريقي خصوصاً وأفريقيا عموماً دافعاً وراء تكثيف الضغوط الدولية والإقليمية الراهنة على الانقلابيين في النيجر، سواء من جانب كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إضافة إلى إدارتي فرنسا والولايات المتحدة، حيث تنشط حالياً دبلوماسية الضغوط من حيث التلويح بالعقوبات أو التهديد بقطع المساعدات، لكن المشكلة الرئيسة أن هذه الدبلوماسية العقابية قد جرت تجربتها من قبل في مالي وبوركينا فاسو، ولم تنجح، بالتالي فإن هناك مخاوف من إمكانية بلورة تحركات عسكرية ضد الانقلاب، وهو ما حذر منه زعيم الانقلاب مهدداً بحمام دم.

وعلى رغم التداعيات السلبية للتحرك عسكرياً سواء بجيش نظامي أو قوات خاصة لاستعادة حكم الرئيس بازوم، فإنه غير مستبعد تماماً، إذ قدمت باريس على تحرك عسكري في تشاد وقت الرئيس إدريس ديبي الذي أنقذته فرنسا من انقلاب جرى قبل أكثر من عقد. وبالتأكيد هذا الخيار لم يعد مضمون النتائج في ضوء الفاعلية الروسية والصينية الراهنة في أفريقيا مقارنة بعشر سنوات مضت، وكذلك طبيعة الخطاب الذي بلورته روسيا لكسب الأفارقة وكانت مفرداته في القمة الروسية الأفريقية التي اختتمت أعمالها بسان بطرسبرغ أن الغرب يمارس استعماراً جديداً، ويقاوم عالماً متعدد الأقطاب تسوده قيم التعاون في التنمية وليس ممارسة مناهج المشروطيات والعقوبات.

ويبدو لنا أن مثل هذا النوع من الخطابات أصبح مسموعاً في أفريقيا، خصوصاً في قطاعات الشباب أكثر من أي وقت مضي، إذ اتضح أن مساندة الغرب للنظم الديمقراطية في أفريقيا يكون انتقائياً، وتجري ممارسته طبقاً للمصالح، وليس طبقاً للمبادئ فقد تغاضى الفرنسيون عن انقلابات عسكرية تصنف موالية لهم، بينما حشدوا الضغط الدولي ضد انقلابات كان وراءها فاعلون روس رسميون وغير رسميين.

كما أن واقع أن القارة الأفريقية أنها منتجة الموارد الاقتصادية التي تسهم في رفاه شعوب خارج القارة، بينما يعاني الأفارقة الفقر والجوع وهو ما أصبح مفارقة لافتة. وفي تقديرنا هو ما ينتج هذه الحالة من الغضب الأفريقي ضد فرنسا، خصوصاً في منطقة الساحل، وتجعل بيئة دوله صالحة للاستثمار السياسي فيها من جانب كل من روسيا والصين، بل إن إمكانية حصاد الجوائز فيها باتت كبيرة، بعد أن فشل الغرب أن يحقق معادلة الديمقراطية والتنمية في أفريقيا، ولم يمارس إلا نزحاً للموارد بعوائد غير عادلة لم تنتج إلا الجوع للشعوب والضعف للحكومات الأفريقية.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى