الإسلام وقضايا السياسة والحكم، أبحاث في الخلافة والإصلاح الديني الحلقة (7) /2

الحلقة السابعة /2

ثالثا: دعوة الإصلاح الديني عند عبد الرحمن الكواكبي

 في نهاية العهد العثماني، وهي المرحلة التي عايشها عبد الرحمن الكواكبي، شهدت المجتمعات الإسلامية أشد مراحل تخلفها الديني، وانحطاطها الاجتماعي والسياسي والعلمي، في وقت دخلت فيه المجتمعات الغربية مرحلة متقدمة من الإصلاح والتقدم في أعقاب حركة الشورى والثورة الصناعية، وقد اندفع بعض المصلحين الذين احتكوا بالغرب إلي مناقشة مستفيضة لأسباب التأخر، ومحاولة الإمساك بالأساس الجوهري، وكان الكواكبي وعدد من كبار رجال النهضة الذين عاصروه يرون على عكس طروحات بعض المستشرقين: “أن حال التخلف والفتور ليست نابعة من مواصفات جنسية تختص بها “الشعوب الشرقية”، ومن مواصفات دينية تميز الدين الإسلامي، لكنها تعود إلى مجموعة من الأسباب تتعلق بالنظام الاستبدادي، وبممارسات المسلمين، وفكرهم السائد عن الدين، وتحولهم عن أصل دينهم وجوهره”.

فقد أصبح الدين الإسلامي بعد سطوة المستبدين عليه، وسيلة لتفريق الكلمة، وتقسيم الأمة شيعا، وصار آلة لتنفيذ أهواء المستبدين، بعد أن أدخل إليه التشديد والتشويش والتشريك، وبعد أن شوهت مقاصده، من خلال اقتباس الكثير من العادات الخارجة عنه مثل طاعة الكبراء على العماء، ومحاكاة المظاهر الكنسية المسيحية في اللباس والعناية والخضوع التراتبي، ومن خلال التبرك بالآثار ونشر البدع والخرافات التي شوشت الإيمان وشوهت الأديان، وأضعفت إعمال العلم والعقل وحرية الاجتهاد (6)، “بينما جاء الإسلام بالحكمة والعزم، هادما مظاهر الشرك بالكلية، ومحكما لقواعد الحرية السياسية التي هي في موقع الوسط بين الديمقراطية والارستقراطية”(7).

والإسلام في جوهره يرتكز على التوحيد الذي هو خلوص العبودية لله وحده وهي عبودية تحرر الإنسان من العبودية لغير الله سواء أكانت هذه العبودية لإنسان مماثل أو لقوة أخرى.

ويصف الكواكبي التحول الطارئ على الإسلام بعد عصر الراشدين بأنه تحول عن كونه “دين الفطرة والحكمة، ودين النظام والنشاط، دين القرآن الصريح البيان الى صيغة إنا جعلناه دين الخيال والخبال دين الخلل والتشويش، دين البدع والتشديد” (8) .

ويحدد الكواكبي على لسان أعضاء جمعية أم القرى/ ٢٣ / سبباً من أسباب التخلف في المجتمع الإسلامي السائد، ويمكن إيجازها بالأسباب التالية:

1ـ تأثير عقيدة الجبر في أفكار الأمة، وهي مدرسة انتشرت بعد سيطرة المستبدين، وتقول هذه المدرسة: إن الإنسان مسير في أعماله وليس مخيرا، وإن الأحداث كلها مكتوبة في اللوح المحفوظ سلفا، ولا يمكن للإنسان تغييرها، وعليه التسليم بها والانقياد لها، وهو قول يدفع إلى السكونية والتبريرية، ويمنع الثورة على المستبدين ومحاسبتهم.

2- تأثير جماعات التزهد في العمل، وحلقات الدراويش، ويأخذ التزهد كما يطرحه هؤلاء صورة التقشف، وعدم السعي لبذل الجهد والعمل، والانقطاع عن المعاش، وهذه الحالة هي ترغيب في أن يعيش المسلم كميت قبل أن يموت (9)، والانصراف إلى القدرية والزهد هنا ليس تعبيرا عن شدة إيمان وتدين، وإنما هو في حقیقته ناجم عن العجز عن نيل الخير أو دفع الشر، بينما التزهد في الإسلام موجه إلى الترغيب بإيثار المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وبتحويل المسلم ثمرة سعيه للمنفعة العمومية (10).

3 ـ انتشار الطرق الصوفية، وهو انتشار ترافق مع تحول التصوف من العمل التعبدي المحض الى ميدان الفلسفة في القرن الرابع الهجري، ثم تحولت هذه الفلسفات إلى اشتراكات من أديان وعقائد غريبة عن الإسلام، مثل الاعتقاد بالكرامات، وتملكهم لقوة قدسية وقدرتهم على التصرف بالملكوت الخ….

٤- التوسع في التفاصيل الفقهية، بحيث بات من الصعب على العامة معرفة شؤون دينهم دون إتباع التقليد، وترافق هذا التوسع مع انتشار الخلاف بين إتباع أصحاب المذاهب، حتى أدى إلى التفرقة، واتساع باب الخلافات فيما بين المسلمين، وقد أدت سياسة التوسع في التفاصيل الفقهية والأحكام الى زيادة الكثير من الالتزامات، وهذا يناقض أهم قواعد الإسلام التي تلزم أن تعتقد أن محمدا عليه السلام بلغ رسالته كاملة ولم يكتم فيها شيئا، وأنه محظور علينا أن نزيد على ما بلغنا إياه الرسول، أو ننقص منه، هذا في الشؤون التعبدية والعقيدية، أما في باقي شؤوننا الحياتية فنتصرف فيها كما نشاء، مع رعاية القواعد العمومية التي شرعها أو ندب إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي تقتضيها مقتضيات الحكمة أو الفضيلة (11) .

5 ـ ترك الإعداد للقوة بالعلم والمال، والجهاد بالدين والأمر بالمعروف وإزالة المنكر، والاتجاه عوضا عن ذلك إلى مجرد العلوم اللغوية والفقهية، بحيث أُخْرِجَتْ علوم الرياضيات والكيمياء والطبيعيات من دائرة اهتمام العلماء، يضاف إلى ذلك تحول العلماء إلى مجرد موظفين عند السلطان.

وإلى جانب الأسباب الدينية، هناك أيضا أسباب سياسية و أخلاقية وإدارية للتخلف السائد، وللفتور العام الذي تعاني منه الأمة الإسلامية، عنوانها الاستبداد السياسي(12)، وهو يتجلى بتحول الخلافة عن الشورى، وقيام السلطان على السياسة المطلقة من السيطرة والمسؤولية، وحرمان الأمة من الحريات العامة، التي تتضمن حرية القول والعمل، وفقدانها الأمن والعمل، وغياب العدل والتساوي في الحقوق بين طبقات الأمة، وميل الحكام للعلماء المتزلفين وجهلة المتصوفين، وحرمان العلماء العاملين وطلاب العلم من الرزق والتكريم، وانغماس الأمراء في الترف ودواعي الشهوات، وتعميق الفجوة الاجتماعية بين طبقات الأمة من خلال قلب موضوع الجباية بحيث تُحَصَّلْ من الفقراء وتُنْزَعْ عن الأغنياء (13) ،  ويرى الكواكبي الدواء لحال الامة يتحدد بما يلي :

أولاتنوير الأفكار بالتعليم

ثانياإيجاد شوق للترقي في نفوس الناشئة (14).

ويطالب بإيقاظ فكر علماء الدين إلى الأمور الخمسة الآتية، وتنشيطهم للسعي في حصولها، ومساعدتهم باتباع أسهل الوسائل وأقربها وهي:

١- تعليم القراءة والكتابة مع تسهيل تعليمهما.

٢- الترغيب في العلوم والفنون النافعة التي هي من قبيل الصنائع، مع تسهيل تعليمها وتلقيها.

٣- تخصيص كل من المدارس والمدرسين لنوع واحد أو نوعين من العلوم والفنون ليوجد في الأمة أفراد نابغون متخصصون.

٤- إصلاح أصول تعليم اللغة العربية، والعلوم الدينية، وتسهيل تحصيلها.

٥- الجد وراء توحيد أصول التعليم، وكتب التدريس. كما يطالب بـ “التوسل لحمل أهل الطرائق (ويقصد بها الصوفية) على الرجوع إلى الأصول الملائمة للشرع والحكمة في الإرشاد وتربية المريدين، وتكليف كل فرقة منهم بوظيفة مخصوصة يخدمون بها الأمة الاسلامية(15)، وبفتح باب النظر والاجتهاد تمحيصا للشريعة وتيسيرا للدین (16) .

وفي مقاربة لتوصيف الكواكبي لحال الأمة الإسلامية وما يراه من دواء لهذه الحال، يمكن استخلاص العناوين العامة لنظرة الكواكبي إلى الإصلاح الديني، وهي نظرة تقوم على الاعتراف بأهمية الإسلام والفكر الديني المستنير في إصلاح الأمة من خلال العودة به الى جوهره، وقد فرق الكواكبي في الإسلام بين ما هو عقيدة دينية، وبين ما هو تراث، فالإسلام الدين باعتباره وحيا إلهيا لا يشمل سوى القرآن الكريم والحديث الشريف، أما الإسلام التراث فهو من صنع البشر.

اجتهدوا قبلنا وتوصلوا إلى نتائج معينة، ولا يتحتم علينا أن نتقيد بما ارتأوه من آراء، وإنما علينا نحن أن نبني اجتهاداتنا الخاصة، لنضع فهمنا الخاص، ونشكل تراثا للاحقين (17)، وإن جوهر الدين يقوم على التوحيد، الذي يؤسس لنفي العبودية، ولتحرر الإنسان، وانتظام حياته على قاعدة الحرية والشورى.

كما تقوم هذه النظرية على احترام مكانة العقل والعلم، وهما لا يتناقضان مع الدين الإسلامي، لأن الإسلام بني على العقل، وخصوصا فيما يتعلق بحياة الإنسان في الدنيا.

وإن حقائق العلم الثابتة تأتي مؤكدة على ما سبق أن طرحه الإسلام في القرآن وصحيح السنة. وإن اعتماد العقل والعلم يستوجب تخليص الإسلام من كافة البدع والخزعبلات، ومن كل ما يقيد العقل والفكر السليم، من أفكار جبرية، وإلزام بالتقليد، وكل ما يمزق الأمة من تحول الاجتهادات إلى مذاهب مغلقة تمزق الأمة بدل توحيدها.

إن الإسلام يوجب على المسلمين إبداع الوسائل المناسبة، واستخدام العلم لتحقيق تقدم الإنسان ورفاهيته، والاستفادة من كافة الخبرات الإنسانية، حيث إن الأمور الحياتية تعود للمسلمين ولما يرونه الأصلح لحياتهم، فيما لا يتعارض مع ما هو ثابت من حدود الشرع.

وقد اختار الكواكبي طريق التربية والموعظة الحسنة لتحقيق دعوته الإصلاحية التي هي: ثورة كاملة، وهو مع مطالبته بالتغيير الجذري والشامل فانه آمن بالإصلاح التدريجي، ورفض استخدام العنف منطلقا من أن الاستبداد لا يقاوم بالشدة، وإنما يقاوم بالحكمة والتدرج، وأن الوسيلة الوحيدة الفعالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقي الأمة في الادراك والإحساس، وهذا لا يتأتى إلا بالتعليم والتحميس ثم اقتناع الفكر العام .

رابعا: مفهوم العروبة

يرى بعض الدارسين أن عبد الرحمن الكواكبي يدخل بين المصلحين الذين دعوا إلى الجامعة الإسلامية، وليس إلى الجامعة العربية، فقد كانت دعوته كلها تتحدث عن “الروابط الدينية”، وعن “الأمة الإسلامية”، كما أن “جمعية أم القرى”، وهي الجمعية المفترضة التي كتب عنها، لتضم الأمصار الإسلامية، فهناك الهندي والسندي والانكليزي والمصري والشامي والتركي واليمني والحلبي والصيني… الخ، وخلاصة دعوته هي النهوض بالأمة الإسلامية عبر إلغاء الاستبداد، وإقامة حكم شورى ديمقراطي اشتراكي.

إلا إن بعض الباحثين لهم قراءة أخرى لنصوص الكواكبي وأفكاره، ومنهم الدكتور محمد عمارة حيث يقول بعد أن يطرح تفسيره لمصطلحات الكواكبي في الأمة، وبعد أن يبرر تواجد غير العرب في جمعية أم القرى: “تحت أيدينا ولله الحمد العديد من الأدلة الإيجابية التي لا تدع مجالا للشك في أن فكرة العروبة بمعناها القومي الحديث قد بلغت عند الكواكبي حدا من النضج، ودرجة من الوضوح، تستحق إلى جانب الإبراز، الفخر والاعتزاز”(18).

ويستند الدكتور عمارة في تحليله إلى أن الموقف من الأتراك العثمانيين كان هو المعيار الأساسي الذي يمكن قياس مواقف الدعاة والمفكرين عليه.

فالذين يؤيدون الرابطة الدينية كانت لهم مواقف مؤيدة للأتراك العثمانيين، والذين يعارضون الأتراك العثمانيين، يعتبرون من أصحاب التفكير القومي أولا وقبل كل شيء. “موقف الكواكبي من هذا المعيار لا يدع مجالا للشك في انحياز الرجل إلى معسكر العروبة القومي” (19)

ويقول الدكتور أسعد سحمراني: “ويسجل الكواكبي مطالبته بالقومية العربية، ولكن ليس بالمفهوم الذي طرحه بعض من أرادوا التزام النموذج الأوربي، أي التزام (اللادينية) في التطبيق السياسي، لكن الكواكبي كان يعي تماما أن مقومات الوحدة العربية كوحدة اللغة والتاريخ والحضارة كلها عناصر متلاصقة، لا بل من صلب ما أحدثه الإسلام في العرب فكانت مطالبته بالقومية العربية دائرة ضمن الجامعة الإسلامية” (20).

ومن المؤكد أن الهوية التي طرحها الكواكبي لنفسه هي عربية إسلامية، ويتضح انتماؤه العربي من خلال تمييزه مصالح العرب من مصالح الشعوب الإسلامية الأخرى، ومطالبته بتحررهم من أسر الحكم العثماني.

لقد أحب الكواكبي العرب وعدهم قادة الجماعة الإسلامية، فبهم يتم إصلاح الدين، وعلى أيديهم تقوم الجامعة الإسلامية، والخليفة الإسلامي يجب أن يكون عربيا قرشيا، ذلك كله يعبر عن إرهاصات المطالبة بالقومية العربية لديه (21).

  • أهمية العرب ومكانتهم عند الكواكبي:

يعتقد الكواكبي “أن العرب هم الوسيلة الوحيدة لجمع الكلمة الدينية، بل الكلمة الشرقية، العرب أنسب الأقوام لأن يكونوا مرجعا في الدين وقدوة للمسلمين، حيث كان بقية الأمم -من غير العرب- قد اتبعوا هديهم ابتداء فلا يتأنفوا عن إتباعهم أخيرا” (22).

وأسباب هذا الاعتقاد تعود إلى أن العرب، وخصوصا عرب الجزيرة العربية، هم مؤسسو الجامعة الإسلامية، وقد استحكم فيهم التخلق بالدين الذي جاء متناسبا لطباعهم الأصلية، ولأنهم أعلم المسلمين بقواعد الدين، وأشد الناس إيمانا به، والأكثر حرصا على حفظه بعيدا وتأييده والافتخار به والدين لم يزل عندهم سلفيا حنيفا بعيدا عن التشويش والتشديد، وهم أكثر المسلمين عصبية، وأشدهم أنفة، لما فيهم من خصائص بدوية، وهم أقدم الأمم مدنية مهذبة بدليلي سعة لغتهم، وسمو حكمتهم وأدبياتهم، والأقدر على تحمل قشف المعيشة في سبيل مقاصدهم، وأنشطتهم، على التغرب والسياحات، وذلك لبعدهم عن الترف المذل أهله، وهم أحفظ الأقوام على جنسيتهم وعاداتهم، وهم أحرص الأمم الإسلامية على الحرية والاستقلال وإباء الضيم، ولغتهم أغنى لغات المسلمين في المعارف، ومصونة بالقرآن الكريم من أن تموت، وهي الأكثر انتشارا بين المسلمين.

والعرب، أقدم الأمم اتباعا لأصول تساوي الحقوق، وتقارب المراتب في الهيئة الاجتماعية، وأعرق الأمم في أصول الشورى (23)، في الشؤون العمومية، وأهدى الأمم لأصول المعيشة الاشتراكية، وأحرصها على احترام العهود، عزة، واحترام الذمة الإنسانية، واحترام الجوار شهامة، وبذل المعروف مروءة (24).

  • عروبة الخليفة وقرشيته

إن هذه المواصفات التي قررتها “جمعية أم القرى” للعرب تستوجب أن تكون السلطة السياسية في أيدي العرب، وهو وإن كان يعيب الأتراك عدم تعربهم على عكس كثير من الشعوب، إلا أنه من جهة أخرى يقطع الطريق عليهم من خلال التأكيد على عروبة الخليفة وقرشيته، فهو يدعو إلى إقامة خليفة عربي قرشي مستجمع للشرائط (25)،  وأن تكون مقر إقامته في مكة المكرمة، والمقصود من ذلك لا أن تكون السلطة محكومة بنسب الخليفة فحسب، وإنما أن تكون متأثرة بالمكان والمحيط أيضا، فمكة في الجزيرة العربية، حيث مشرق النور الإسلامي، وفيها الكعبة المعظمة، قبلة المسلمين، وفيها مسجد رسول الله ﷺ ، وهي أنسب المواقع في ذلك (العصر) لأن تكون مركزا للسياسة الدينية، لتوسطها بين أقصى أسيا مشرقا، وأقصى أفريقيا مغربا، وأسلم الأقاليم الإسلامية من الأخلاط جنسية وأديانا ومذاهب، وأبعد الأقاليم عن مجاورة الأجانب (26).  ومن المعروف أن العروبة والقرشية هي شرط من شروط الخلافة عند معظم المذاهب الإسلامية، ما عدا المذهب الحنفي. وهذا يفسر سبب إتباع آل عثمان للمذهب الحنفي.

  • العروبة تجمع المسلمين وغير المسلمين من الناطقين بالضاد:

لاحظ الكواكبي أن هناك ترابطا قويا بين العرب مسلمين وغير مسلمين، ودعا إلى تعميقه وعدم السماح بدخول الفرقة إليهم عن طريق الأجانب، وتساءل أليس مطلق العربي أخف استحقارا لأخيه من الغربي (27) ،  وطرح الارتباط الوطني والقومي والسياسي كصيغة تجمع كل الناطقين بالضاد، وهي دعوة تصب في خانة التأكيد على إرهاصات بذور الوعي القومي الذي تحدثنا عنه في مقدمة البحث. حيث يقول في نداء وجهه إلى المسيحيين العرب بعد ظهور بعض الفتن في بعض المناطق العربية بسبب تدخلات أجنبية:

“يا قوم وأعني بكم الناطقين بالضاد من غير المسلمين أدعوكم إلى تناسي الإساءات والأحقاد، وما جناه الآباء والأجداد، فقد كفى ما فعل ذلك على أيدي المبشرين، وأجلكم أن لا تهتدوا لوسائل الاتحاد، فهذه أمم قد هداها العلم لطرائق شتى وأصول راسخة للاتحاد الوطني دون الديني، والوفاق الجنسي دون المذهبي، والارتباط السياسي دون الإداري، فمال بالنا نحن لا نفكر بأن نتبع إحدى تلك الطرائق. (28)

وتكتمل هذه الإرهاصات عند حديثه عن الأمة في آخر كتابه، طبائع الاستبداد، فيتساءل عن “ماهية الأمة”، وهل هي ركام مخلوقات نامية ؟ أو جمعية عبيد لمالك متغلب ؟ أم هي جمع بينهم روابط جنس ولغة ووطن وحقوق مشتركة، وترك الكواكبي لجيل آخر من بعده الإجابة على هذه التساؤلات، بعد إن اغتالته يد الاستبداد الذي سخر حياته لمحاربته. (29).

وكانت الإجابة تصب كلها في خانة تعميق هذه المفاهيم والأفكار، لتكون طلائع الوعي عند جيل النهضة العربية، الذي توالى على أيدي مفكرين عظام أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس في الجزائر، ورشيد رضا في بلاد الشام ومصر وصولا إلى الفكر القومي المعاصر ((عند ساطع الحصري)).

يتبع الحلقة / 8

الهوامش

1ـ محمد عمارة ، الإسلام والعروبة والعلمانية ـ ص 119

2 ـ م، س ـ ص19

3 ـ عبد الحميد بم باديس ـ الآثار الكاملة ، ج2، مجلد 2 ـ ص63

4 ـ طلال خالدي ـ مفهوم العروبة والإصلاح الديني ـ ص1

5 ـ م ، س ـ ص4

6 ـ م، س ـ ص 6

7 ـ أسعد الكواكبي ـ مجلة الحديث أيلول 1925

8 ـ محمد عمارة ـ عبد الرحمن الكواكبي شهيد الحرية ـ ص20

9 ـ  م.س ـ ص . 25

10 ـ د. محمد جمال طحان ـ الكواكبي ـ الأعمال الكاملة ـ 76

11 ـ م . س ـ ص 27

12 ـ عبد الرحمن الكواكبي ـ طبائع الاستبداد ـ ص5

13 ـ مرجع سابق ـ 15

14 ـ طحان ـ مرجع سابق ـ ص514

15 ـ الكواكبي ـ أم القرى ـ 173

16 ـ المرجع السابق

17 ـ المرجع السابق ـ ص 95

18 ـ الكواكبي ـ طبائع الاستبداد ـ ص 2

19 ـ الكواكبي ـ أم القرى ـ ص 176

20 ـ م .س ـ ص 205

21 ـ م. س ـ 288

22 ـ م . س ـ 247

23 ـ طحان ـ الكواكبي ـ م . س ـ ص96

24 ـ عمارة ـ الكواكبي شهيد الحرية ـ م . س ـ ص56

25 ـ م . س ـ ص57

26 ـ د. أسعد سحمراني ـ الاستبداد والاستعمار ـ ص 76

27 ـ د. محمد جمال طحان ، مجلة المستقبل العربي ـ العدد 157 ـ ص 28 ـ 45

28 ـ الكواكبي ـ الأعمال الكاملة ـ ص358

29 ـ الكواكبي ـ أم القرى ـ ص 233ـ 234

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى