سياسة “السير على حافة الهاوية” التي قد يلجأ إليها النظام والدولة العميقة ربما تخرج عن سيطرته والحدود التي رسمها لها.
مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية الإيرانية ارتفعت وتيرة المعركة السياسية بين أقطاب القوى التي تشكل المشهد السياسي والتي من المفترض أن تشكل أطراف المعركة الانتخابية، من التيار المحافظ بكل أطيافه والتيار الإصلاحي بكل مكوناته اليسارية والمعتدلة والوسطية، وكل منها يسعى إلى تلمس طريقه لرسم خريطة معركته السياسية والشعبية التي تساعد على الوصول إلى المجلس النيابي والإمساك أو المشاركة في إدارة وتوجيه السلطة التشريعية.
في هذه الأجواء التي تتجه نحو الاحتدام والتصاعد بين الطرفين، بين كل تيار فيها ومنها وما يحمله من أفكار وأيديولوجيا وعقائد، يبدو النظام أو الدولة العميقة ومنظومة السلطة أكثر إرباكاً من غيرها، بخاصة في ما يتعلق بإدارة هذه الانتخابات ورسم نتائجها وكيفية إدارتها والوصول إلى الهدف الذي يخدم مصالحها.
وكان من اللافت، هذه المرة، أن يدخل المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي على خط الانتخابات مبكراً من خلال الحديث أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة عن ضرورة توفير الأرضية لأوسع مشاركة سياسية وشعبية من كل الأطياف لإنتاج مجلس نيابي قادر على مواكبة التطورات والتعامل مع التحديات التي تواجهها إيران والتعامل مع تداعيات الأزمات التي تعانيها جراء تراكم المشكلات الاقتصادية والمعيشية والتنموية نتيجة الآثار السلبية للعقوبات الأميركية والغربية.
الموقف داخل قوى النظام والدولة العميقة لا يختلف عن موقف المرشد، فهي رفعت من وتيرة نشاطاتها الانتخابية على أكثر من صعيد واتجاه، من السعي إلى إقرار قانون جديد للانتخابات يضمن لها العودة السهلة للسيطرة على المقاعد البرلمانية ومحاولة تحشيد قواعدها الشعبية وتحفيزها على المشاركة في الاقتراع، والمحرك الأول والأبرز والأساس في كل هذه الجهود هو الخوف من تراجع نسبة المشاركة الشعبية وانخفاضها إلى مستويات أقل من المشاركة التي حصلت في الانتخابات السابقة والتي لم تصل في كل إيران إلى أكثر من 40 في المئة، وفي العاصمة طهران لم تصل إلى 20 في المئة بحسب الإعلام الرسمي لوازرة الداخلية حينها، وهي المخاوف ذاتها التي دفعت المرشد إلى الدخول المبكر على خط الدعوة للمشاركة الواسعة في هذه الانتخابات.
وفي وقت يسعى النظام إلى تحقيق انتخابات بمشاركة شعبية واسعة، فإنه يخشى مع القوى والأحزاب التي تمثله أو الموالية له من هذه المشاركة الشعبية التي قد تؤدي إلى انقلاب المشهد ضده وتسمح للقوى المعارضة بتغيير موازين القوى والعودة بقوة للندوة البرلمانية والتأثير في قرارات السلطة التشريعية وتوجهاتها، ويعتبر أن وصول ممثلين عن قوى المعارضة حتى بالحد الأدنى سيضع الحكومة أو السلطة التنفيذية ورئاسة إبراهيم رئيسي في مواجهة أزمة حقيقية في تعاملهما مع برلمان قد يسعى إلى المحاسبة الجادة والحقيقية من دون مساومات وتسويات مفروضة من فوق، أو محكومة بالمصالح المشتركة داخل جماعة السلطة التي عملت بكل ما تملك من قوة لاستعادة السيطرة على مراكز القرار وإخراج القوى المعارضة لها، ويعرقل أيضاً مساعيها لأخذ النظام والسلطة إلى الاتجاه الذي تخطط له وتحوله إلى “إمارة إسلامية” تضع حداً نهائياً للشكل القائم من الديمقراطية وما يسمى “تداول السلطة”.
وإذا ما كان النظام استطاع توظيف سياسة “السير على حافة الهاوية” في علاقاته مع المجتمع الدولي والصراع حول ملفات عدة تشكل مصدر قلق لتحقيق بعض أهدافه وسياساته في ما يتعلق بالبرنامج النووي وأنشطة تخصيب اليورانيوم، وكذلك في ما يتعلق بنفوذه الإقليمي التوسعي على حساب سيادة واستقرار دول المنطقة، فضلاً عن الاستمرار في توسيع برنامجه العسكري في مجالي الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الحربية والتجسسية، فمن غير المعلوم أن يكون قادراً على توظيف هذه السياسة نفسها على الصعيد الداخلي والسير على حافة الهاوية والمراهنة بكل الجهود التي بذلها في الأعوام الماضية لاستعادة السيطرة على مراكز القرار في مؤسسات الدولة، مقابل دفع المجتمع الإيراني والأحزاب والجماعات المحسوبة على المعارضة أو الجماعات المختلفة معه نحو المشاركة في الانتخابات تسمح بإجراء عملية “ديمقراطية” تساعده على تجديد شرعيته الشعبية.
وهذه السياسة “السير على حافة الهاوية” التي قد يلجأ إليها النظام والدولة العميقة ربما تخرج عن سيطرته والحدود التي رسمها لها وتتفلّت من يده باتجاه نتائج قد لا يرغب فيها، أي إنها قد تكون سيفاً ذا حدين، في بعده الأول، قد تدفع القوى الإصلاحية والمعتدلة والمعترضة إلى إعادة تقويم موقفها من العملية الانتخابية الذي يقف في نقطة وسط بين الدعوة إلى المقاطعة واللاجدوى في ظل سياسة الإقصاء التي تمارسها لجنة دراسة الأهلية في مجلس صيانة الدستور واستبعادها أي مرشح قد يشكل تهديداً جدياً وحقيقياً لمرشحي التيار المحافظ، وبالتالي قد تعمد إلى الابتعاد عن دائرة الاتهام والمشاركة الواسعة كجزء من قوى المجتمع الإيراني تملك توجهات تتعارض مع توجهات القوى المسيطرة وتلتزم سقف الدستور ومحدداته، مما يعني وضع النظام أمام هاجس الدخول في صراع لا يريده، أو القلق والخوف من إمكان لجوء هذه القوى إلى الانقلاب على كل الجهود التي سعى لتكريسها في بناء منظومته داخل المؤسسات الدستورية للدولة.
أما البعد الآخر لهذه السياسة، فأن يفشل النظام في تحقيق الهدف الذي يريده بمشاركة شعبية واسعة تعيد إنتاج شرعيته الشعبية، وبالتالي، يكون قد لجأ إلى رهان خاسر يتمثل في تنازل أمام القوى المعارضة، والفشل في تحقيق مصالحة بين القواعد الشعبية وصناديق الاقتراع لأن تراجع المشاركة بشكل واضح وكبير، قد يجعل من عملية هندسة أرقام المشاركة والنتائج أكثر تعقيداً، مما سيشكل ضربة قاسية لشرعيته التي يراهن على تجديدها كما يفعل في كل عملية انتخابية، بخاصة أنه هذه المرة بحاجة إليها أكثر من أي مرحلة سابقة بعد النكسة التي تعرض لها نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في سبتمبر (أيلول) العام الماضي بعد مقتل الشابة مهسا أميني على يد جهاز “شرطة الأخلاق”.
المصدر: اندبندنت عربية