المغرب وإيران: عقبات تعترض مسار التطبيع

عادل نجدي

خلّف إعلان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال لقاء نظمته وزارته لسفراء الدول الإسلامية المعتمدين في طهران في 29 الشهر الماضي، بأن بلاده “ترحب بتطبيع وتطوير العلاقات مع دول المنطقة والعالم، بما فيها مصر والمغرب”، حالة من الترقب بشأن إمكانية انعكاس ذلك على مستقبل العلاقات بين الرباط وطهران، اللتين تعيشان على وقع قطيعة دبلوماسية منذ 2018.

وعلى الرغم من أنها قد تبدو مجرد بالون اختبار لقياس مدى استعداد الرباط لطي صفحة التوتر والقطيعة، إلا أن تصريحات وزير الخارجية الإيراني تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول إمكانية أن تفضي الخطوة إلى فتح أبواب التطبيع بين البلدين، وحصول انفراجة في علاقاتهما المقطوعة منذ خمس سنوات على خلفية اتهامات لـ”حزب الله” اللبناني بالانخراط في علاقة “عسكرية” مع جبهة “البوليساريو” عبر السفارة الإيرانية في الجزائر، ما عدته الرباط تهديداً لأمنها واستقرارها.

تحديات وعوائق أمام تطبيع علاقات المغرب وإيران

وفي ظل غياب أي موقف مغربي رسمي حتى الآن بشأن تصريحات رئيس الدبلوماسية الإيرانية، إلا أن مراقبين مغاربة يرون أن تحديات وعوائق كبيرة تقف في طريق تطبيع العلاقات بين الرباط وطهران.

وتبرز تلك التحديات والعوائق في ملفين أساسيين، يأتي في مقدمتهما ملف الصحراء، الذي يعتبر مقياساً مغربياً أساسياً لمستوى العلاقات بين البلدين، حيث كان اعتراف طهران بـ”البوليساريو” في العام 1980 وتقديمها الدعم العسكري للجبهة، كرد فعل على استقبال المغرب الشاه رضا بهلوي، سبباً رئيسياً في تدهور العلاقات بين البلدين والقطيعة آنذاك.

وبالرغم من تحسن العلاقات بين الرباط وطهران في تسعينيات القرن الماضي كنتيجة لسحب إيران اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية” في 1991، إلا أن تلك العلاقة عادت للقطيعة في 2009، بعد اتهام العاملين بالسفارة الإيرانية في العاصمة الرباط بالعمل على نشر التشيع في المغرب، وهو ما نفته طهران.

وبعد مرور 3 سنوات على تطبيع العلاقات في 2015، عادت القطيعة لتلقي بظلالها مجدداً، بعد طلب الرباط، في مايو/ أيار 2018، من السفير الإيراني المغادرة بعد حصولها على معلومات كشفت دعماً مالياً ولوجستياً وعسكرياً قدمه “حزب الله” اللبناني إلى “البوليساريو” لـ”تكوين قيادة عسكرية، وتدريب عناصر من الجبهة على الحرب، فضلاً عن تسليمها أسلحة”.

قلق مغربي من مسيّرات إيرانية لـ”البوليساريو”

وتنظر السلطات المغربية بكثير من القلق إلى التقارير التي تتحدث عن قيام إيران بتسليم “البوليساريو” طائرات مسيّرة. وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن تسليح طهران للجبهة يشكل خطراً كبيراً على الأمن والسلم في المنطقة، معتبراً أنها أضحت “الراعي الرسمي للانفصال ودعم الجماعات الإرهابية في عدد من الدول العربية”.

وقبل أسبوعين من إعلان وزير الخارجية الإيراني رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع المغرب ومصر، كانت لافتةً، أثناء المناقشات حول ملف الصحراء خلال الاجتماعين الخامس والسادس للجنة الرابعة للأمم المتحدة في نيويورك في 13 يونيو/ حزيران الماضي، مساندة ممثل إيران وحيد غيليش طرح جبهة “البوليساريو” الداعي لتنظيم “استفتاء تقرير المصير”.

ملف التشيع يعيق استئناف العلاقات الإيرانية المغربية

وإلى جانب اتهام إيران بتقديم دعم إلى “البوليساريو”، يظل ملف نشر التشيع من العوائق والتحديات التي تواجه إمكانية استئناف العلاقات الإيرانية المغربية، لا سيما في ظل اتهامات الرباط لطهران بـ”الاساءة إلى المقومات الدينية الجوهرية للمملكة المغربية، والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي”، و”محاولات حثيثة لاختراق الأمن الروحي لبلدان المنطقة والتشويش على معتقدات شعوبها”.

ولا يخفي المغرب توجسه مما يسميه الأطماع الإيرانية في الغرب الأفريقي، وهو ما جعله يطرح أكثر من مرة موضوع توطيد الأمن الروحي للقارة الأفريقية كإحدى الأولويات للتصدي لأطماع طهران في القارة السمراء.

وفي الوقت الذي يبدو فيه لافتاً رهان طهران على خطوات جديدة في اتجاه طي صفحة الخلاف والتوتر مع دول عربية، لا سيما بعد التطبيع مع السعودية وفتح السفارات، رأى رئيس “المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية” نبيل الأندلوسي أن الشرط الأساسي لعودة العلاقات بين الرباط وطهران سيبقى موقف إيران من السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية للمملكة، ومن مشروع مقترح الحكم الذاتي، ومدى جدية طهران في عدم دعم، أو مساندة، أي تنظيم إرهابي يهدد سلامة وأمن المغرب، وعلى رأسها جبهة “البوليساريو”.

واعتبر الأندلوسي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن إعلان وزير الخارجية الإيراني استعداد بلاده لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية هو رسالة سياسية إلى المغرب، بالدرجة الأولى، بشأن إمكانية فتح صفحة جديدة بين البلدين.

وأوضح أن عودة العلاقات بين طهران والرياض ستسهل على المغرب قرار عودة علاقاته مع إيران، لكنه لم ولن يكون الشرط المحدد، بل هو فقط معطى أو عنصر مسهل.

من جهته، رأى المحلل السياسي والنائب البرلماني السابق عن حزب “الاستقلال” (المشارك في الائتلاف الحكومي في المغرب) عادل بنحمزة أن “عودة العلاقات في المرحلة الحالية تتوقف على تجاوز الأسباب التي أدت إلى القطيعة بين البلدين، وهي أسباب مستجدة وتتسم بحساسية كبيرة بالنسبة للمغرب”.

تهديد الوحدة الترابية للمغرب

وأوضح أن “الأمر يتعلق بتهديد الوحدة الترابية للمغرب من خلال تواطؤ إيران و(حزب الله) مع المليشيات الانفصالية للبوليساريو. وهذا معطى جديد غير مسبوق في العلاقات بين البلدين، إضافة إلى استهداف المغرب بخصوص نشر التشيع من زاوية بناء أولية دينية تابعة لطهران، وذلك على عادة القيادة الإيرانية في أكثر من بلد في المنطقة”.

وبين بنحمزة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “دعم إيران لانفصاليي جبهة البوليساريو أمر لن يتسامح معه المغرب بصفة مطلقة، خاصة في الجانب المتعلق بتسليح وتدريب المليشيات الانفصالية وتزويدها بأسلحة نوعية، خاصة المسيّرات الإيرانية”، معتبراً أن “الجانب الإيراني مُطالب بإثبات حسن النية”.

وتابع: “لا أعتقد أن الأمر يتوقف فقط على تصريحات لوزير الخارجية الإيراني، بل الأمر يتعلق بممارسات على الأرض، ذلك أن انخراط طهران في دعم مليشيات انفصالية يوسع الهوة بين البلدين بشكل يعقد إمكانية بناء علاقات طبيعية. لذلك فالكرة الآن في ملعب طهران”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى