سلط الباحث السياسي، نائل شامة، الضوء على جهود الوساطة الهادئة بين مصر وإيران منذ شهور، سعيًا لإنهاء واحدة من أطول النزاعات في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن بداية تلك الوساطة كانت ببغداد في مارس/آذار الماضي.
وذكر شامة، في تحليل نشره بموقع “وورد بوليتيكس ريفيو” وترجمه “الخليج الجديد”، أن زيارة سلطان عمان، هيثم بن طارق، الأخيرة لكل من القاهرة وطهران فُسرها المراقبون كمحاولة للتوسط في المصالحة المصرية الإيرانية، مشيرا إلى أن العديد من المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم المرشد الأعلى، علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي، أعلنوا تأييدهم لجهود الوساطة.
لكن المسؤولين المصريين، حافظوا، من جانبهم، على موقف حذر من هذه القضية، حيث قال وزير الخارجية، سامح شكري، إن الوضع الراهن مع إيران “لم يتغير”.
ويعزى التوتر في العلاقات بين مصر وإيران إلى عام 1979، عندما منحت مصر ملاذًا للشاه الإيراني، محمد رضا بهلوي، بعد الإطاحة به من قبل الثورة الإسلامية.
وعاش الشاه في القاهرة حتى وفاته عام 1980، وبعد ذلك دفن هناك، وفي علامة على الاحتجاج، قطع حكام إيران الجدد العلاقات مع مصر.
وفي وقت لاحق، عندما اغتال ضابط إسلامي في الجيش الرئيس المصري آنذاك، الرئيس، أنور السادات، في عام 1981، أطلقت السلطات في طهران اسمه على شارع رئيسي، واستمرت المرارة التي ولدها الجانبان في تسميم العلاقات الثنائية لبعض الوقت.
وبعد عقد من الحماسة الثورية في إيران، خلقت علاقات عدائية مع جميع جيرانها تقريبًا، سعت طهران إلى وضع حد لعزلتها الإقليمية، لكن مصر، باعتبارها حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط تتلقى حوالي ملياري دولار من المساعدات الأمنية والاقتصادية من واشنطن كل عام، لم تشعر بالحاجة إلى إصلاح علاقاتها مع دولة اعتاد قادتها على وصف الولايات المتحدة بأنها “الشيطان الأكبر”.
وبحلول الثمانينيات والتسعينيات، طورت مصر أيضًا روابط سياسية واقتصادية وثيقة مع دول الخليج العربي، وخاصة السعودية، التي اعتبرت إيران تهديدًا أمنيًا.
ورأى الرئيس المصري الراحل، حسني مبارك، الذي حكم من 1981 إلى 2011، أن التقرب من إيران قد يعرض تحالف بلاده الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والغرب للخطر، وكذلك مع دول الخليج.
وإضافة لذلك، وفي مواجهة معارضة إسلامية شرسة، شعر مبارك بعدم الارتياح إزاء ترويج إيران لشكل عابر للحدود من النشاط الإسلامي، واشتبه في أن طهران تهدف إلى تنمية العلاقات مع الجماعات الإسلامية المصرية.
وبعد الإطاحة بمبارك في عام 2011، سعى الرئيس المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، إلى إعادة العلاقات، وزار طهران في عام 2012 واستقبل الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، في القاهرة في العام التالي، لكن الدفء الذي لم يدم طويلاً، وانتهى بعد صعود الرئيس الحالي، عبدالفتاح السيسي، إلى السلطة في 2013.
تراجع أمريكي
ويرى شامة أن تطبيع العلاقات بين مصر وإيران من شأنه أن يفضح مجددا دور واشنطن المتضائل في التأثير على الديناميكيات الإقليمية، مشيرا إلى معادلة وضع جديد بالشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، بسبب تراجع الولايات المتحدة تدريجياً عن الانخراط في شؤون المنطقة، وتقليص التزاماتها نحوها، وتحويل نظرها إلى المحيطين الهندي والهادئ.
وتتلخص تلك المعادلة في استجابة القوى الإقليمية للوضع الجديد بتنويع شراكاتها الدولية وتعزيز علاقاتها مع روسيا والصين على وجه الخصوص.
وأصبحت تلك القوى أقل رغبة في الاستجابة لمطالب الولايات المتحدة، خاصة بعدما توسطت الصين، في مارس/آذار الماضي، بصفقة تطبيع تاريخية بين السعودية وإيران، بحسب شامة.
وفي مايو/أيار الماضي، أعيد قبول سوريا في جامعة الدول العربية بعد 11 عاما من تعليق عضويتها، على الرغم من انتقادات واشنطن العلنية لهذه الخطوة.
وفي هذا السياق، يعد الحوار المصري الإيراني جزءًا من جهود مصالحة إقليمية أوسع لا تملك الولايات المتحدة سيطرة تذكر عليها، حسبما يرى شامة، مشيرا إلى أن إيران تقترب من المحادثات مع مصر بهدف تخفيف عزلتها النسبية في العالم العربي وتقويض الجهود الأمريكية والإسرائيلية لتشكيل جبهة عربية معادية لإيران.
وباعتبارها الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، ولأنها محاطة بالعديد من النقاط الساخنة التي يحتمل أن تكون معدية، في ليبيا والسودان وغزة، فإن مصر لها مصلحة في تعزيز المشاركة والاعتدال بجميع أنحاء المنطقة.
وفي هذا الإطار، أصلحت مصر مؤخرًا علاقاتها مع قطر وقلصت خلافاتها مع تركيا، بعد ما يقرب من عقد من العداء.
ويرى شامة أنه يمكن قراءة الحوار بين القاهرة وطهران من هذا المنظور، فالقاهرة على علم بنفوذ إيران على حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى المتمركزة في غزة، وترى إمكانية تسخير التفاهم مع إيران لتهدئة سلوك هذه الفصائل.
دوافع اقتصادية
غير أن سببا آخر لا يقل أهمية لاتجاه مصر نحو قبول الحوار مع إيران، حسبما يرى شامة، وهو مرور أكبر بلد عربي، من حيث عدد السكان، بأزمة اقتصادية حادة أدت إلى خفض قيمة عملتها إلى النصف وتعطيل التدفقات التجارية.
وفي مواجهة نقص حاد في العملات الأجنبية، سعت مصر إلى أشكال مختلفة من المساعدة المالية من المؤسسات المالية الدولية ودول الخليج الغنية بالنفط، وحتى دول مثل الهند، وليبيا التي مزقتها الحرب.
وليس لدى إيران، التي تواجه تحدياتها الاقتصادية الخاصة بسبب تأثير العقوبات الأمريكية، الكثير لتقدمه إلى مصر في شكل مساعدات مباشرة، لكن تحسن العلاقات بين البلدين يمكن أن يكون نعمة لقطاع السياحة في مصر.
فالعشرات من الأماكن الشيعية المقدسة والمساجد والأضرحة في مصر يمكن أن تجتذب أعدادًا كبيرة من الزوار الإيرانيين، الذين مُنعوا من دخول البلاد منذ عقود، وذلك في حال تطبيع العلاقات.
ويشير شامة، في هذا الصدد، إلى اتخاذ خطوة عملية بهذا الاتجاه في مارس/آذار، عندما خففت السلطات المصرية من لوائح التأشيرات للسماح للإيرانيين المسافرين في مجموعات إلى جنوب سيناء بالحصول على تأشيرات عند الوصول.
ويمكن أن يؤدي التقارب أيضًا إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر وإيران، بما في ذلك في قطاع النفط الحيوي.
حذر مصري
ومع ذلك، يشير شامة على أن استعادة العلاقات المصرية الإيرانية ليست نتيجة حتمية، حيث تسير مصر حاليًا بحذر على هذا المسار، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية في البلد العربي، ذات النفوذ الكبير، استخدمت حق النقض ضد خطوات مماثلة في الماضي، رغم ميل كبار الدبلوماسيين في البلاد للنظر في الخيارات التصالحية.
وإضافة لذلك، تحرص مصر على عدم استفزاز رعاتها الخليجيين، الذين نظروا تاريخيًا بارتياب إلى التقارب المصري الإيراني، خوفًا من أن يخل بتوازن القوى الحساس في المنطقة.
لكن بعد أن سعت السعودية والإمارات إلى انفراجة في العلاقات مع إيران، فقد يرفعان اعتراضهما على أن تحذو القاهرة حذوهما.
ويرى شامة أن الخاسر الأكبر من مثل هذه النتيجة سيكون إسرائيل، التي تشعر بالتهديد من برنامج إيران النووي وتعتبر طهران ووكلائها قوى شريرة لا يمكن المساومة معها، مؤكدا أن إعادة دمج إيران وسوريا في النظام الإقليمي لن يؤدي إلا إلى تفاقم مخاوف إسرائيل الأمنية.
ويخلص شامة إلى أن الموجة الأخيرة من صفقات المصالحة في الشرق الأوسط قد تساعد على تهدئة التوترات بالمنطقة، لكنه أكد أن “الصراع مستوطن بين دولها، وغالبًا ما تكون فترات السلام فيما بينها عابرة”.
المصدر | وورلد بوليتيكس ريفيو/ ترجمة وتحرير الخليج الجديد