الأمم المتحدة تتبنى قرار إنشاء مؤسسة مستقلة تعنى بالمفقودين والمخفيين قسرياً في سورية

ابتسام عازم

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليل الخميس – الجمعة، قراراً تنشئ بموجبه مؤسسة مستقلة تحت رعاية الأمم المتحدة معنية بالمفقودين والمخفيين قسريا في سورية.

وبحسب تقديرات مختلفة للأمم المتحدة، فإن عدد المفقودين منذ عام 2011 وحده يفوق مئة ألف، لكن هناك مفقودين قبل هذا التاريخ، ويعتقد أن الأرقام الفعلية أعلى من ذلك.

وسيتمحور عمل الآلية حول “توضيح مصير الأشخاص المفقودين”، و”تقديم الدعم للضحايا والعائلات”.

وحصل مشروع القرار، الذي صاغته لوكسمبورغ، على تأييد 83 دولة، ومعارضة 11 وامتناع 62 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الجمعية العامة.

ومن اللافت للانتباه امتناع عدد من الدول العربية عن التصويت، من بينها مصر والبحرين والجزائر والعراق والأردن ولبنان وموريتانيا والمغرب وعُمان والسعودية واليمن والإمارات.

اعتراض مصري

وقال سفير مصر أسامة عبد الخالق، قبل التصويت: “لدينا بعض الملاحظات من بينها أن مشروع القرار لم يحدد ما هي التخصصات المحددة لهذه المؤسسة المقترحة، بدلاً من ذلك، هناك إشارة لولاية خاصة للمفوض السامي لحقوق الإنسان في ما يخص إنشاء وعمل هذه المؤسسة، وبالتالي لا يوجد أي توافق مع ولاية مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان”.

وأضاف عبد الخالق: “هناك بعض الإشارات غير الواضحة في ما يخص الالتزامات الواقعة على عاتق الدول وفقا للقانون الدولي في ما يخص التعاون مع هذه المؤسسة المقترحة”.

وأضاف الدبلوماسي المصري: “ليس من الواضح ما هي العملية التي ستحدد كيفية التعامل مع الضحايا والناجين وأسر الأشخاص المفقودين، ناهيك عن الافتقار لتعريف واضح للأشخاص المفقودين.

ولا يشير مشروع القرار إلى مصير ومكان المعلومات والبيانات التي ستجمع من أجل هذه المؤسسة، ولا يحدد آليات جمع البيانات وتصنيفها والسرية والاستخدام المستقبلي”.

وعبر عن أسفه لأن “مقدمي مشروع هذا القرار لم يقدموا إجابات مرضية عن كل هذه الاستفسارات، وبناء عليه ستمتنع مصر عن التصويت”.

وستمول المؤسسة عبر الميزانية العادية للأمم المتحدة، ما يضمن استمراريتها. ومن المتوقع أن تصل تبعات الميزانية إلى ثلاثة ملايين دولار للعام 2024، وأكثر من 10 إلى 12 مليون دولار للعام 2025.

وهذه تقديرات أولية بحسب الأمانة العامة للجمعية، ومن المتوقع أن يقدم تقرير في وقت لاحق من العام حول تفاصيل الميزانية.

أسباب تقديم مشروع القرار

من جهته، قال مندوب لوكسمبورغ، الذي صاغت بلاده نص القرار، عند تقديمه النص أمام الدول الأعضاء قبل التصويت: “بالنظر إلى تعقيد مسألة المفقودين في الجمهورية العربية السورية وحجم المشكلة، فإن الجهات الفاعلة غير قادرة على الاستجابة للتحديات على الأرض، ولذلك أوصى الأمين العام للأمم المتحدة الدول الأعضاء في تقريره، الذي قدمه في أغسطس/ آب الماضي للجمعية العامة، بإنشاء مؤسسة دولية مستقلة يناط بها كشف مصير المفقودين في سورية وتحديد مكان وجودهم وتقديم الدعم المناسب للضحايا والناجين وأسر المفقودين”.

وأضاف: “حدد تقرير الأمين العام جهتي قصور، أولاهما أن التنسيق بين الجهات الموجودة على الأرض والمعنية بمصير المفقودين غير كاف، ما يعني أن هناك قوائم مختلفة وشرذمة وعدم استخدام المعلومات المتاحة كما يجب”. وأشار كذلك إلى أن غياب جهة واحدة يمكن التوجه إليها لتقديم الطلبات والبحث عن مصير المفقودين “يخلق ضبابية بالنسبة للأسر، وقد يضطرها لتقديم نفس الطلب لأكثر من مؤسسة أو جهات عديدة…”.

وأكد أن المؤسسة الجديدة يمكن أن تعالج مكامن القصور وتشكل مدخلاً موحداً لجمع البيانات والمقارنة بينها مع التنسيق مع كل المبادرات والجهات اللازمة.

ويأتي تبني هذا القرار بعد سنوات من عمل منظمات المجتمع المدني السورية، بالإضافة لمنظمات دولية، ودفعها من أجل تحريك الملف ومطالبتها بإنشاء آلية مستقلة تحت رعاية الأمم المتحدة لمتابعة مصير المعتقلين والمفقودين والمخفيين قسريا في سورية وتقديم الدعم لعائلاتهم.

ومن بين الدول التي عارضت تشكيل الآلية روسيا والصين والنظام السوري وبيلاروسيا وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وإيران، بحجة أن ذلك يشكل “تدخلاً في شؤون سورية الداخلية وأنه مسيس لن يأتي بنتائج، خاصة أنّ الحكومة السورية لم تقبل به”.

وعبر عدد من مندوبي الدول، من بينها الولايات المتحدة، في مداخلات، عن دعمهم لإنشاء الآلية ووصفوه بإنساني الطابع وبأنه يهدف إلى التخفيف من معاناة الأسر والضحايا.

النظام السوري: قرار مسيس

وعارض ممثل النظام بسام الصباغ عقد الجلسة، ورأى أن القرار مسيسٌ ويهدف إلى التدخل في شؤون سورية الداخلية، وناشد الدول الأعضاء التصويت ضد القرار.

وأضاف: “تؤكد سورية أنها لم تكن طرفا في أي من المناقشات التي جرت، ولم تجر دعوتها إليها والتشاور معها بشأن إنشاء هذه المؤسسة المزعومة… بناء على ما تقدم، فإن الجمهورية العربية السورية ترفض رفضا قاطعا ما يرد في مشروع القرار… وتشجب محاولات تشويه موقفها وإيهام الآخرين بانخراطها في عملية المشاورات حوله”.

ويشار في هذا السياق إلى أن عدداً من المسؤولين، بمن فيهم مسؤولون في الأمم المتحدة، أكدوا محاولاتهم الانخراط مع النظام للتوصل إلى اتفاق حول إنشاء الآلية.

عدد من المسؤولين بمن فيهم مسؤولون في الأمم المتحدة أكدوا محاولاتهم الانخراط مع النظام للتوصل إلى اتفاق حول إنشاء الآلية

ومن أهم ما جاء في نص القرار أن الجمعية العامة “تقرر أن تنشئ، تحت رعاية الأمم المتحدة، المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين” في سورية، لتوضيح “مصير جميع المفقودين وأماكن وجودهم، وتقديم الدعم الكافي للضحايا وأسر المفقودين، بالتعاون الوثيق والتكامل مع جميع الجهات الفاعلة والمعنية”.

وتقرر أن “يكون للمؤسسة المستقلة عنصر هيكلي يضمن مشاركة الضحايا والناجين وأسر المفقودين في سورية.. وتمثيلهم بشكل كامل ومجد في تشغيلها وعملها، وأن تعمل مع المنظمات النسائية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى بطريقة منتظمة ومستمرة”.

وتطلب الجمعية العامة من الأمين العام أن يقوم “بوضع اختصاصات المؤسسة المستقلة في غضون 80 يوم عمل من اتخاذ القرار، وذلك بدعم من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وبالتشاور مع جميع الجهات الفاعلة المعنية، بما يشمل مشاركة الضحايا والناجين والأسر مشاركة كاملة ومجدية”.

كما تطلب الجمعية العامة من الأمين العام للأمم المتحدة “أن يتخذ، من دون إبطاء، الخطوات والتدابير والترتيبات اللازمة للإسراع بإنشاء المؤسسة المستقلة وتأديتها مهامها على نحو كامل، بالاستفادة من القدرات القائمة ومن أفضل الممارسات المستنيرة بمساهمات الناجين، بما يشمل استقدام أو انتداب موظفين محايدين ذوي خبرة لديهم المهارات والدراية الفنية المناسبة.”

ويدعو القرار “جميع الدول وجميع أطراف النزاع في سورية إلى التعاون الكامل مع المؤسسة المستقلة”. كما يدعو “الجهات الفاعلة الأخرى المعنية، بما في ذلك المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، ولا سيما منظمات المجتمع المدني السورية، إلى التعاون مع المؤسسة”.

كما يطلب القرار من “منظمات الأمم المتحدة ككل أن تتعاون تعاونا تاما مع المؤسسة المستقلة، وأن تستجيب على وجه السرعة لأي طلبات، بما في ذلك الحصول على المعلومات والوثائق، ولا سيما تزويد المؤسسة بأي معلومات وبيانات قد تكون في حوزتها، فضلا عن أي شكل آخر من أشكال المساعدة اللازمة لأداء ولاية المؤسسة”.

كما تطلب الجمعية العامة “من الأمين العام أن يقدم تقريرا عن تنفيذ هذا القرار في غضون 100 يوم عمل من اتخاذه، وأن يقوم سنويا بتقديم تقرير عن أنشطة المؤسسة المستقلة”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى