اعتبر الباحث البارز هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية ببيروت، أن طبول الحرب تتصاعد في منطقة الشرق الأوسط، وسط حالة احتقان بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران، على وجه الخصوص، وهي الحالة التي لم تخفت شدتها بعد نجاح إيران في التقارب مع السعودية ودول الخليج، وسعيها مع الولايات المتحدة لإبرام اتفاق مؤقت لكبح جماحها النووي.
ويقول خشان، في تحليل نشره موقع “جيوبولوتيكال فيوتشرز”، إن إسرائيل كانت تتمتع بأريحية في المنطقة، منذ إبرام مصر اتفاقية سلام معها عام 1978، ثم الأردن عام 1994، لكن صعود إيران كلاعب استراتيجي في المنطقة، وتطويرها لدورها لتتحول إلى لاعب في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أسس لحقبة جديدة مزعجة لتل أبيب.
ومن المتوقع أن تكون إسرائيل غير راضية عن صعود إيران. وهي تواجه الآن عبء اتخاذ قرار تبعي في محاولة لاستعادة توازن القوى في الشرق الأوسط واستعادة تفوقها الإقليمي.
وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تريد الدخول في معركة مباشرة مع إيران ، إلا أنها تمتلك القدرة والإرادة لضرب الأصول الإيرانية في لبنان وسوريا ، على الرغم من الضغط الدولي لعدم القيام بذلك، وفقا لما ترجمه “الخليج الجديد”.
تهديد “حزب الله”
ويقول الكاتب إن خروج “حزب الله” من قوة النيران الإسرائيلية المهلكة التي تعرض لها في حرب لبنان 2006، مثل إلهاما لحركات المقاومة الفلسطينية، لا سيما “الجهاد الإسلامي” و “حماس”.
وهكذا، نما اعتقاد بين الأوساط العسكرية والسياسية في تل أبيب بأن تدمير القدرات العسكرية لـ”حزب الله” من شأنه أن يقضي على طموحات إيران الإقليمية، ويثني الفلسطينيين عن المقاومة المسلحة، ويخفف من عواقب الصفقة النووية بين الولايات المتحدة وإيران.
لذلك، فإن المواجهة الحتمية المقبلة بين إسرائيل و”حزب الله” وارتداداتها المتوقعة على الساحة الفلسطينية والإيرانية تزيد من وتيرة طبول الحرب في المنطقة.
تدريبات ومناورات عسكرية غير مسبوقة
إحدى نذر طبول الحرب في الشرق الأوسط تتمثل في ارتفاع وتيرة التدريبات العسكرية، والتي باتت إسرائيل قاسما مشتركا فيها، وبينما كان إجراء التدريبات العسكرية في المنطقة، في السنوات الأخيرة، تكتيكا للردع وليس مقدمة للحرب، تبدو الأمور مختلفة الآن.
وتجري الولايات المتحدة تدريبات عسكرية في الشرق الأوسط لدعم إسرائيل وشركائها العرب في الخليج ، وتؤكد لهم أنها ستساعدهم في الدفاع عنهم ضد إيران ووكلائها.
وفي غضون ذلك ، تقوم طهران بشكل متكرر بإجراء تدريبات واستعراض أسلحتها لتظهر لأعدائها أنها مستعدة للحرب. كما تشن إسرائيل بشكل روتيني مناورات عسكرية للحفاظ على قوتها الرادعة وإعداد الجبهة الداخلية لصراع محتمل.
لكن منذ عام 2022 ، زادت التدريبات الإسرائيلية بشكل كبير، خاصة تلك التي يشارك فيها سلاحها الجوي.
وغالبًا ما تحاكي تلك التدريبات حربًا ضد إيران، خاصة بعد تعثر المحادثات بشأن اتفاق نووي جديد.
وهناك تدريبات أخرى تحاكي صراعًا ضد “حزب الله”.
وفي العام الماضي، أجرى سلاح الجو والبحرية الإسرائيليان مناورات واسعة النطاق في قبرص أطلق عليها “عربات النار”، تحاكي حربًا مع “حزب الله”، فضلاً عن الهجمات الجوية والبحرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وفي أغسطس/آب الماضي، أطلقت إسرائيل تدريباتها المسماة “درع البرق”، بالتعاون مع سلاح الجو الإيطالي، في قاعدة نيفاتيم الجوية في جنوب شرقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأواخر عام 2022 ، أجرى الجيش الإسرائيلي مناورة دروع ثقيلة بالقرب من الحدود اللبنانية.
وبعد أسابيع قليلة، نفذت إسرائيل مناورات جوية مع القوات الجوية الفرنسية.
وبدأ عام 2023 بتدريبات واسعة النطاق أطلق عليها اسم “جونيبر أوك”، والتي تضمنت محاكاة للحرب الجوية والبرية والبحرية والإلكترونية.
تصميم أمريكي على تقوية إسرائيل
ويشير الكاتب إلى أن الخلافات السياسية بين إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية لا تؤثر على التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل. تشهد العديد من التدريبات المشتركة على التصميم الأمريكي على ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي والتكامل في النظام الإقليمي للشرق الأوسط، وهو ما يدعم التصعيد.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت القوات الجوية الأمريكية قاذفات B-1 Lancer من قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني “فيرفورد” لإجراء مناورة بالذخيرة الحية فوق المملكة العربية السعودية والأردن شاركت فيها أيضًا القوات الجوية الإسرائيلية.
ووصف العديد من الضباط العسكريين المناورات بأنها استعراض للقوة الأمريكية الساحقة.
وأشار محللون أمريكيون أيضًا إلى أن التدريبات كانت جزءًا من تصعيد العمليات الجوية والبحرية الأمريكية في المنطقة في استعراض للقوة ضد إيران في وقت شهدت العلاقات السعودية الإيرانية تحسنًا ملحوظًا بعد سنوات من العداء.
وتزامنت التدريبات مع تدريبات أمريكية سعودية مشتركة أطلق عليها اسم Eagle Resolve تضمنت محاكاة لهجمات إلكترونية.
وفي نفس الوقت تقريباً، نفذت إسرائيل، بمشاركة أمريكية محدودة، مناورات عسكرية ضخمة تحاكي غارات على الأراضي الإيرانية وتوغلات برية في لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية.
وكانوا يهدفون جزئيًا إلى تجنب أخطاء روسيا في أوكرانيا والاستعداد لعمليات بحرية عسكرية لتأمين الممرات البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل.
وقبيل ذلك، أجرى “حزب الله” تدريبات هجومية، الشهر الماضي، ردع إسرائيل عن شن عمليات عسكرية في لبنان، وتضمنت تكتيكات لاحتلال مستوطنات وأسر جنود ومستوطنين.
مواجهة استباقية وحرب دينية
ويوضح خشان أن هناك أصوات في اسرائيل تطالب بضربة استباقية ضد حزب الله ، حتى لو كانت تخاطر باندلاع حرب اقليمية.
في الوقت نفسه، يحذر نشطاء حقوقيون ودينيون فلسطينيون من تداعيات مشروع قانون إسرائيلي يقضي بتقسيم المسجد الأقصى في القدس بين مسلمين ويهود، ويقولون إن ذلك سيؤدي إلى اندلاع حرب دينية، مشيرين إلى أن القانون الدولي يحظر أي تغيير في وضع الأماكن المقدسة في القدس.
من جانبها، تعمل “حماس” على دمج 40 جماعة مسلحة في غزة لتطوير غرفة عمليات مشتركة في إطار إصرارها على مشاركة جميع الفصائل الفلسطينية في مواجهة مقبلة مع إسرائيل.
ورغم أنه من غير المحتمل أن تشارك “حماس”، أو حتى “الجهاد الإسلامي”، في جهد حربي منسق مع “حزب الله”، إلا أن انشقاق المنطقة في صراع واسع النطاق يبدو حتميًا.
المصدر | هلال خشان / جيوبولوتيكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد