تشهد الجولة الـ20 من مباحثات أستانة التي تبدأ اليوم الثلاثاء وتنتهي غداً الأربعاء، مناقشة العديد من الملفات السورية، لعل أبرزها ملف التقارب بين دمشق وأنقرة، بناء على “خريطة طريق” وضعها الجانب الروسي بأمل أن تجسر هوّة الخلافات بين تركيا والنظام السوري.
وأوضحت وزارة الخارجية الكازاخستانية، أن الجولة الـ20 من مباحثات أستانة ستبحث التغيرات في الوضع الإقليمي بشأن سورية، والوضع على الأرض، والجهود المبذولة نحو تسوية شاملة في سورية، ومكافحة الإرهاب.
وذكرت الوزارة في بيان أن اليوم الأول سيتضمن إجراء “مشاورات رباعية لنواب وزراء خارجية سورية روسيا وإيران وتركيا، لبحث العمل على مشروع خريطة طريق لتطبيع العلاقات السورية التركية، بالإضافة إلى المشاورات الثنائية والثلاثية بين الدول الضامنة لمسار أستانة”.
وأشار البيان إلى أنه “من المقرر ضمن المحادثات عقد اجتماع دوري لمجموعة العمل للإفراج عن المعتقلين والرهائن وتسليم جثث القتلى والكشف عن مصير المفقودين، بمشاركة الدول الضامنة والأمم المتحدة ومجلس الأمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر”.
وتعقد الجولة بمشاركة النظام السوري، وروسيا وإيران وتركيا والمعارضة السورية ومراقبين من الأمم المتحدة والأردن ولبنان والعراق. ويرأس عضو الائتلاف الوطني السوري أحمد طعمة وفد المعارضة السورية، الذي يضم عدداً من العسكريين في فصائل المعارضة السورية. وكانت الجولة السابقة لمسار أستانة عُقدت يومي 22 و23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وثبّتت اتفاق تهدئة في شمال غربي سورية، والذي تعرض للعديد من التجاوزات من الروس والنظام.
عودة اللجنة الدستورية
وفي حديث مع “العربي الجديد”، أشار رئيس وفد المعارضة إلى أنه يسود منظور إيجابي لهذه الجولة: “ربما يسفر عن نتائج إيجابية حيال العديد من القضايا التي تطرح في المباحثات”.
وبيّن طعمة أن وفد المعارضة السورية سيعاود طرح ملف المعتقلين في سجون النظام السوري، موضحاً أن مسألة عودة التفاوض حول الدستور من خلال اللجنة الدستورية التي شكلتها الأمم المتحدة المتوقفة منذ منتصف العام الماضي، على جدول أعمال الجولة الـ20 من أستانة، متوقعاً إحداث إنفراجة على هذا الصعيد.
وكشف أن الجولة ستناقش موضوع المساعدات الإنسانية الدولية، مضيفاً: سنطالب بتدفق هذه المساعدات إلى الشمال السوري عبر معبري باب الهوى وباب السلامة.
وأشار طعمة إلى أن “التهدئة في الشمال السوري لم تتعرض لتهديد خلال الفترة بين الجولة الماضية والجولة الحالية، وهذا شيء إيجابي”، معتبراً أن اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين موسكو وأنقرة في مارس/آذار 2020 لا يزال يحكم الشمال الغربي من سورية. ورجح أن تقرّ هذه الجولة من أستانة استمرار التهدئة في الشمال السوري.
إلى ذلك، يحضر ملف التقارب التركي مع النظام السوري، الذي بدأ في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي بقوة على جدول أعمال هذه الجولة، وذلك بعد مرور ست سنوات على انطلاق مسار أستانة لم ينجح فيها بعد في استنباط حلول يمكن أن تفضي إلى انتهاء الصراع في سورية والتوصل لحل سياسي.
تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق
وقال الممثل الخاص للرئيس الروسي لمنطقة الشرق الأوسط والدول الأفريقية، ميخائيل بوغدانوف، الأربعاء الماضي، إن نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا والنظام السوري وإيران سيجتمعون في العاصمة الكازاخستانية أثناء محادثات أستانة.
وأوضح في تصريحات صحافية، أن الاجتماع سيُخصص لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. وأكد أن “مشروع روسيا بشأن خريطة الطريق جاهز. مهمتنا هي التشاور مع شركائنا والمضي قدماً في هذا العمل (التطبيع بين تركيا والنظام السوري)”، مبدياً أمله في أن “نحرز تقدماً جاداً في محادثات أستانة”.
وكانت تركيا شرعت في ديسمبر الماضي بتقارب مع النظام السوري بدفع من الجانب الروسي، الذي استطاع جمع وزيري دفاع تركيا السابق خلوصي أكار، والنظام علي محمود عباس، أكثر من مرة في العاصمة الروسية موسكو.
كما شهد شهر مايو/أيار الماضي اجتماعاً رباعياً ضمّ وزراء خارجية روسيا سيرغي لافروف، وتركيا السابق مولود جاووش أوغلو، وإيران حسين أمير عبد اللهيان، والنظام السوري فيصل المقداد، انتهى إلى “تكليف نواب وزراء الخارجية بإعداد خريطة طريق لتطوير العلاقات بين تركيا وسورية، بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربع”.
غير أن الطريق بين دمشق وأنقرة يبدو غير معبّد حتى اللحظة، فهناك العديد من القضايا التي ربما تقف حجر عثرة أمام تقارب في حال حدوثه سيغيّر الكثير من معادلات الصراع والسيطرة في سورية.
وتعد مواجهة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتأمين الحدود الجنوبية، أولوية لدى الجانب التركي، في حين يريد النظام انسحاباً تركياً من الشمال السوري يبدو أن أنقرة ترفضه، وتعتبره شرطاً غير قابل للتنفيذ في الوقت الراهن كونه غير واقعي.
ويأمل النظام أن يدفع تقارب العرب معه، تركيا لتقديم تنازلات له تحديداً لجهة الانسحاب من الشمال السوري وتحجيم دور فصائل المعارضة السورية. في المقابل، يبدو الموقف التركي قوياً بعد إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان لولاية رئاسية جديدة، خصوصاً أن التقارب مع النظام السوري كان دافعه اعتبارات انتخابية لم تعد ضاغطة على الحكومة التركية.
ورأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الجولة الـ20 من مسار أستانة تأتي بناء على تفاهمات سابقة بين تركيا وروسيا وإيران”. وتابع: تم تشكيل لجنة رباعية للتعاطي مع ملف التقارب بين دمشق وأنقرة، وتشكيل هذه اللجنة يعني العمل على هذا الصعيد بات منهجياً. تشكيل اللجنة يعني أن العمل يتجه نحو الأمام.
ويُعدّ الشمال السوري في غرب نهر الفرات، بدءاً من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، إلى منطقة جرابلس شمال شرقي حلب على ضفاف الفرات الغربية، منطقة نفوذ تركية، نشر فيها الجيش التركي آلاف الجنود، وأقام قواعد ونقاط تمركز له أبرزها قاعدة “المسطومة” التي لا تبعد كثيراً عن خطوط التماس مع قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي.
وفي شرق نهر الفرات يسيطر الجيش التركي على مساحة تقدر بـ 1500 كيلومتر مربع ما بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، وبعمق يكاد يصل إلى نحو 30 كيلومتراً على طول نحو 100 كيلومتر من الحدود السورية ـ التركية في شرق الفرات، البالغة نحو 444 كيلومتراً.
طريق “أم 4” في الجولة الـ20 من أستانة
وفي السياق، أعرب المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات في حديث مع “العربي الجديد” عن اعتقاده أن “مسألة تبادل المناطق بين الروس والأتراك في ريفي حلب وإدلب من أجل إعادة فتح الطريق الدولي أم 4 (طريق حلب ـ اللاذقية) ليست واردة في الوقت الراهن”.
وتابع أن سيطرة النظام على الطريق “أم 4” مقدمة لنهاية الشمال السوري، لأن إدلب ستكون في مرمى النيران. هناك مصلحة تركية بعدم التخلي عن هذا الطريق لاعتبارات تخص أمنها القومي.
في السياق، من المتوقع حضور ملف اللاجئين السوريين في تركيا المقدّر عددهم بنحو 4 ملايين، في جولة أستانة الحالية، خصوصاً أنه يدخل في صلب مسألة التقارب بين دمشق وأنقرة التي تريد عودة طوعية لهم إلى بلادهم، أو على الأقل العدد الأكبر منهم.
وفي حين يربط النظام عودة اللاجئين إلى مناطق سيطرته بـ “إعادة الإعمار”، وضخ أموال في شرايين اقتصاده من خلال مشروعات التعافي المبكر، وهو ما لا يقبل به الغرب بسبب رفض النظام التعاطي الجاد مع العملية السياسية.
وفشل مسار أستانة في إحداث انفراج في القضايا التي نشأ من أجلها، خصوصاً ملف المعتقلين لدى النظام السوري، الذي يرى أن هذا الملف غير قابل للطرح من الأساس.
ولكن جرت عدة عمليات تبادل أسرى بين النظام والمعارضة السورية عبر معبر أبو الزندين في شمال سورية، في إطار “مجموعة العمل” المعنية بإطلاق سراح المحتجزين/ المختطفين قسرياً وتبادل الجثامين والكشف عن مصير المفقودين التي تمخض عنها مسار أستانة. ولا تتحدث وسائل إعلام النظام عن “تبادل أسرى”، بل تشير إلى “تحرير مختطفين كانوا لدى المجموعات الإرهابية بريف حلب الشمالي”.
المصدر: العربي الجديد