حزب التحرير الاسلامي||  تحت الضوء

أحمد العربي

أولًا. الحديث عن حزب التحرير الاسلامي هو استكمال من حيث المبدأ لصورة العمل السياسي السوري والعربي نسبيا. الذي غطيناة في اكثر من دراسه.. وايضا لان هناك اعادة احياء للحزب في اكثر من بلد وخاصة بلاد الربيع العربي. بعد ان كان قد اضمحل سابقا ودخل النسيان تقريبا…

ثانيا. حزب التحرير نشأ في فلسطين والاردن وامتد بعد ذلك لاغلب البلاد العربيه والاسلاميه.. كانت نشأته مقترنة مع اللجوء الفلسطيني في 1948 .وكرد من بعض الشخصيات الفلسطينيه.. على احتلال فلسطين والدعوة المباشرة للتحرير.. ومنهم مؤسسه الاول القاضي تقي الدين النبهاني (الذي ستطبع شخصيته وكتاباته وكونه قاض اغلب كتابات الحزب وافكارة للان تقريبا). ومنهم ايضا خالد الحسن ونمر المصري وغيرهم.. التقت هذه المجموعة بعد النكبه .وهي تحمل هاجس ماالعمل.؟. من اجل تحرير فلسطين.؟.. وكانت اجابتهم تتمحور حول :ان ازمة المسلمين عموما بدأت منذ سقطت الخلافة الاسلاميه (وهم يعتبروا ان الخلافه كانت قائمه وصحيحه وتعبر عن الاسلام الحق منذ الرسول حتى سقوط الخلافه العثمانيه.ويروا ان كل ما مر بالخلافه من انقطاعات واخطاء وانتكسات وحروب وضياع ..الخ لا يلغي من شرعيتها وانها تعبر عن ارادة الله في الارض كدولة للمسلمين…). ويوم سقطت الدولة العثمانيه وتوقف العمل بشرع الله اصبح لزاما شرعيا علينا اعادة العمل لاعادة الخلافه الاسلاميه.وهي الحل للتحرير ولبناء الحياة التي يرضى عنها الله وتبني الحياة الافضل…

ثالثا. وعند الحديث في البنية الفكريه السياسيه للحزب .فهم ميزوا انفسهم عن غيرهم .بما فيها حركة الاخوان المسلمين.التي سبقتهم بعشرات السنين وكانت ممتده في فلسطين والاردن . فهم يعتبروا الاسلام كقرآن وسنه شرع الله الناجز .وان مسؤولية المسلم ان يلتزم شرع الله في كل شؤون الحياة. سياسة واقتصاد واجتماع وحكم وكل شيئ. وعندهم ان كل سلوك البشر يجب ان يتصف بالشرعيه .يعني وفق شرع الله. وان مساحة الاباحة معدومه الا بنص وحدود الحلال والحرام عندهم تطال كل شيئ. ولا يوجد اي سلوك عام او خاص الا ويجب ان يكون مضبوطا بشرع الله.. و لديهم جواب (شرعي) على كل شيئ تقريبا.!!. فالحكم يجب ان يكون اسلاميا بوجود خليفة مطلق الصلاحية .مع اهل حل وعقد للمشورة غير الملزمه. اما كيف يصلون للحكم ؟. فهم يرون انهم كحزب عليهم ان يفرشوا الارض بافكارهم ويتوسعوا بانصارهم .وينصب عملهم على طلب النصرة من بعض اهل الحكم (السلطه القائمه في اي بلد) .ليقوم بانقلاب لصالح الحزب ويعمل بامره .ويؤسس لدولة الخلافه. فهم لا يؤمنون بالعنف. ويعتمدوا على التجهيز وطلب النصرة للوصول للحكم. ويؤمنون ان الحكم يحصل كخلافة ترفع راية الاسلام والخليفة مفوض وحوله اجهزة حل وعقد وقضاء وغيره. ويرون ان اي طرح خارج رؤيتهم يعتبر غير اسلامي وغير شرعي وبالتالي كافر .فهم يكفرون الديمقراطية والاشتراكية والقومية ويعتبرونها دعوات لا شرعيه ( لا اسلاميه وحربها فرض). كما يختلفون مع كل الاجتهادات الاسلاميه الاخرى .وموقفهم منها بين تكفير وتفسيق.وهي مستويات في حكم الشرع عندهم .وحسب كل حكم يكون الرد (الشرعي) المناسب….

رابعا .اعتمد الحزب على مجموعة كبيرة من الكتب للمؤسس النبهاني. وبعض الكتب التي كتبها غيره ولاحقة بالزمن. تنصب على البنية الفكريه العقليه للعضو .وتصنع عنده بنية فكريه قويه ومتماسكه منطقيا . ولديهم اجوبة على كل الاسئله تقريبا. فلديهم كتب حول المنهج الفكري والدوله والدستور والنظام الاقتصادي وكل شؤون الحياة. ولديهم دراسات فرعية متابعه لكل المستجدات السياسيه. وعندهم (في السياسة) نظرية الاستقطاب الدولي وان اعداء الاسلام يكيدون له وللمسلمين وان رأس النظام العالمي متآمر على المسلمين وهم الانكليز والامريكان . وان تحاليلهم السياسيه تنصب دوما حول هذا الثنائي المتصارع والحاكم للعالم ايضا.. وهم يؤجلوا كل الحلول للوصول لدولة الخلافه .فهم رفضوا ان ينخرطوا بأي عمل مباشر ضد (اسرائيل) او الانظمه سوى طلب النصرة والتجهيز للخلافه عبر الامتداد الافقي لانصارهم.. مما جعلهم خارج الحدث السياسي العربي عموما. وجعلهم قليلي العدد والامتداد .فهم لم يقبلوا بالعمل الفدائي لا داخل فلسطين ولا خارجه . ولم ينخرطوا به ابدا كحزب..

خامسا.وعن الحديث عن الجانب العملي وعبر تاريخهم. فهم في مناطق امتدادهم في فلسطين والاردن وسوريا وغيرهم لهم مسارات مختلفه  حسب الحاله لكنها مضبوطه بطلب النصرة وعدم المشاركة السياسيه المباشرة بأي نشاط سياسي عام سوى الدعوة السريه..

.ففي فلسطين هم حزب يحاول الامتداد لينتصر لفكرة الخلافه كمخلص وانها ستحل كل المشاكل كتحرير فلسطين وتوحيد المسلمين وحل كل مشاكلهم الاجتماعيه. وكأنها حل سحري..المهم في فلسطين كان موقفهم سلبي من العمل الفدائي. (لانه مباشرة حرب العدو دون اعداد العدة له وخاصة وجود الطرف الشرعي الذي يعلن الحرب ويخوضها وهو الخليفة والخلافه.)؟!. ولذلك كانوا قلة ومنبوذين وسكت عنهم العدو الصهيوني.. وعبر ستين عاما من تفاعلات القضيه الفلسطينيه بقوا وراء موقفهم هذا وظهروا كحجر على جانب طريق الثورة الفلسطينيه .ليس له اي حضور واي معنى..

سادسا. في الاردن كان وجودهم الاكبر ولسنوات حيث مؤسسهم وصحبه . وحيث ان بنية الحكم الاردني اعتمدت على الرافعه الاسلاميه كحكم ملكي في مواجهة الدعوة القوميه او الشيوعيه. وفتحوا مجالا قويا لحضور الاسلاميين .وحصل توافق سري وعلني بين الحكم الاردني والاخوان المسلمين عبر اكثر من نصف قرن.استثمر حزب التحرير هذه الميزة وانتشر في الاردن وعمل لطلب النصرة لاكثر من مرة .من خلال التقرب من بعض ضباط الحكم ليصنعوا انقلابا يوصلهم للحكم ويؤسسوا لدولة الخلافه.رغم اعتبارهم الاردن دولة صغيرة هامشيه في استعادة الخلافة الاسلاميه.والاولويه عندهم على سوريا ومصر والعراق وغيرهم. وكان نصيبهم دائما الاعتقال . ولفترات طويله.وكان النظام يتعامل معهم بمنطق المراقبة اليقظه .وضربهم وخاصة جهاز طلب النصرة.عند الحاجة الامنيه .وتركهم كبنية فكريه مغلقه تجتر افكارها واحلامها.. وهي في مجال الحالة السياسيه الاردنيه .وتفاعلاتها الفلسطينيه تكاد تكون بحضورها صفرا..

سابعا. في سوريا تواجد الحزب في سوريا مبكرا وعبر اعداد قليلة من الشباب. وكان مجال النشاط الاسلامي في سوريا صعب عموما .فالاعتقال والتنكيل حاضر وفي اي وقت.. وكانت اعدادهم قليله. وكان موقفهم ان يعملوا لطلب النصرة مع بعض الضباط السنه في الجيش ليصنعوا انقلابا لصالحهم كحزب وليؤسسوا لدولة الخلافه. دون وعي ودرايه لظروف التشكيل الامني والطائفي للسلطه. وهامشية وجود ودور وفاعلية هؤلاء الضباط .وكان مصيرهم الاعتقال كجهاز طلب النصرة .ولعدة مرات عبر سنوات عده.. وكان النظام مطلع عليهم ويعتبرهم حالة مؤثرة على المدى البعيد.. ففي احداث السبعينات وبداية الثمانينات بالصراع بين الاخوان المسلمين والنظام السوري. لم يتم الاقتراب من حزب التحرير الا ما ندر.. (وكان موقف الحزب ضد حركة الاخوان وما فعلته لانها عنفيه .ولانها باشرت بالعمل لمواجهة نظام الكفر دون وجود خلافة وخليفة يعطي الشرعيه وهذا ايضا غير شرعي.) ؟!. كان الحزب واقعيا عبارة عن بنية مغلقه ممتلئه فكريا برؤيتهم فقط. تسجن شبابها بافكارهم وببنيتهم التنظيميه .وتمنعهم عن اي دور وفعل سياسي واقعي. لذلك صمت النظام عنهم الا ما ندر من اعتقالات لجهاز طلب النصرة. الى بداية تسعينات القرن الماضي .حيث حصل نشاط له علاقة بامكانية انشقاق داخلي واختلاف على الموقف من النظام وضرورة التحرك لمواجهته .وكان النظام حاضرا ووجه ضربة امنية لهم طالت اغلب البنية التنظيميه (بالمئات).ومن بقي هرب خارج البلد او انتقل للصمت المطبق كخلايا نائمه… وكان للسجن الذي امتد من سنه لعشر سنوات حسب الموقع التنظيمي والدور. فرصة لمراجعة ذاتيه لشباب الحزب .لقد اكتشفوا ان ما يطرحة الحزب ليس شرع الله بل هو رأي حول شرع الله يخطئ ويصيب.. وراجعوا فكرة الخلافه والدولة الاسلاميه.والبنية الغير ديمقراطيه وشورويه للحزب ولدولة الخلافه الموعوده.. وبالمختصر يعتبر حزب التحرير في سوريا حالة منتهية كبنية تنظيميه الا ما ندر وبشكل رمزي.. حتى جاء الربيع السوري. الذي اعاد اشراك كل الشباب في حراكة السياسي والعسكري .وكان شبابه جزء من الحراك .ليس بصفتهم الحزبيه بل كناشطين في الثورة .وممن يتحرك طالبا للحرية والكرامة والعداله.. ومع امتداد الثورة والتدخلات التي عملت لمساعدة وجود الفعل الثوري السوري بثوب طائفي او اسلامي.. عاد بعض الشباب لاحياء حزب التحرير ودعوته.. وللان ما زالت حالته هامشيه وضيقه.. وهو بتوسعه كامتداد في المناطق المحررة شمال سوريا، اصطدم مع قوى الأمر الواقع ممثلة بهيئة تحرير الشام التي قررت أن تحد من وجودهم ونفوذهم رغم كونهم لا عنفيين ولا يؤمنون بالعمل المسلح. ما زالوا يعيشون داخل قوقعتهم التنظيمية بسبب بنيتهم الفكرية المغلقة والغير صحيحه وسلوكهم التنظيمي الاستبدادي بنيويا… وعدم انخراطهم كحزب بالثورة بالمباشر…

ثامنا .كان وجود الحزب في البلاد العربيه الاخرى رمزيا وبدور داعم مادي للحزب .ويعمل لخلق بنية تنظيميه تنتظر دولة الخلافه وجهاز طلب النصرة وفعله في الدول المركزيه.. ففي مصر عمل صالح سريه الفلسطيني من حزب التحرير في سبعينات القرن الماضي ليستلم السلطة من خلال السطرة على الكليه الفنيه والتي تعامل معها النظام المصري بوحشيه .وصفى كل من قام بها .رغم محدوديتها وقلة فاعليتها ومراهقتها السياسيه والعسكريه.. وغير ذلك كانت تنتقل فكرة الحزب مع من يحملها من بلاد المشرق العربي لكل مكان عبر الطلاب فوصلت لدول شرق آسيا والمغرب العربي والخليج العربي واروبا..واصابه كغيره اختلافات وانشقاقات واتهامات بالذمه الماليه والعمالة لبعض الانظمة او استخباراتها.  وبقي وجودها رمزيا وامدادا للحزب بالمال والانصار ولكن بشكل محدود…

تاسعا. وعلى إيقاع الربيع العربي وجد الحزب له مناخا من الحرية والديمقراطية في تونس بشكل اساسي .فمصر حصلت الردة على الثورة واصبحت الأسلمة تساوي الارهاب والسجن والموت احيانا. وليبيا دخلت في دوامة العنف المراد دوليا ضد الشعب الليبي بأدوات ليبيه.. أما تونس ففيها مناخ ديمقراطي مقبول .واستفاد كوادر الحزب من بنيتهم الفكرية المتماسكة ومن حضور فكرة الخلافة الاستيهامي حيث يطرحوا ما عندهم .لكنهم يقفوا عند حدود الدعوة والصوت العالي لأنهم لا يمتلكون حلولا الا اجتهاداتهم التي تختلف مع جوهر الدين وجوهر العصر.. لذلك لن يتجاوزوا حالتهم كزوبعة في فنجان

.اخيرا. مطلوب منا موقف نقدي تقويمي .وهذا حديث طويل ..وبالمختصر . ان كل رأي يرى ان للاسلام جانب سياسي مطلق مفروض من الله كحكم وعبر بشر سواء مختارين من انفسهم او من (الله باعتقادهم) .هو رأي خارج العلم وخارج التاريخ وغير ممكن التحقق.. وان اي دعوة بأي عقيده كانت.. يجب ان تنصب على الحرية والكرامة الانسانيه والعدالة والديمقراطيه (الشورويه ) كدوله وحياة .. ولذلك كل حالة حزبيه اسلاميه او غيرها بمقدار ما تقترب من هذه المفاهيم ومن الديمقراطيه فكرا وسلوكا اجتماعيا وكدوله. بمقدار ما يكون لها نصيب من الحياة والاستمراريه .وتساعد على التطور الاجتماعي وليس ارضية لصراع اجتماعي بخلفيات عقائديه مختلفه.. نحن مع المصالحه والتوافق بين يقينات العلم بالسياسة والاجتماع والاقتصاد وكل شؤون الحياة .مع مقاصد الشريعة الاسلاميه. ونرى ان السياسة شأن بشري بالكامل تحكمه مطلقات مصلحة البشر التي تقررها الجماعة البشرية في كل زمان ومكان . وهي ليست متناقضه بالمطلق مع الاسلام ومقاصديته..وهذا حديث آخر..

.كل ما يعبر عن حرية الانسان وحقه بالعدالة والكرامة  والدولة الديمقراطيه..له نصيب بالحياة وغير ذلك سيكون من حجارة الطريق .. والبشر لمستقبلهم الافضل عابرون دوما…

زر الذهاب إلى الأعلى