تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية تطورات حساسة باتجاه توتر صامت، برزت بشأنه معطيات وتطورات عديدة، بينها اتهامات جزائرية للمخابرات الفرنسية بالمشاركة في اجتماع أمني لتدبير خطة تستهدف الاستقرار في الجزائر، وبدء خطوات لتغيير تشريعات كانت تمنح الجزائريين العمال والمقيمين في فرنسا وضعا خاصا. يضاف إلى تجميد مشروع الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس منذ مايو/ أيار الماضي.
وعقد سفير الجزائر في فرنسا سعيد مويسي، مساء الجمعة، اجتماعا مع رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرارد لاريشر، لبحث مسائل تخص العلاقات الثنائية وقضايا التشريع البرلماني، على خلفية تصريحات لاريشر الأربعاء الماضي، التي طالب فيها “بضرورة إعادة النظر في المعاهدة المبرمة مع الجزائر في عام 1968 بشأن قضايا الهجرة”، والمتعلقة بدخول وإقامة الجزائريين في فرنسا، وإنهاء امتيازات خاصة كان يتمتع بها الجزائريون حصرا بموجب تلك الاتفاقية، وهو المقترح نفسه الذي كان طرحه رئيس الحكومة السابق إدوارد فيليب.
ويعدّ اللقاء تنبيها دبلوماسيا جزائريا إزاء محاولة كتلة من نواب اليمين الفرنسي تعديل الاتفاقية الثنائية التي تخص وضع الجزائريين المقيمين في فرنسا من جانب واحد، وتستهدف منع المؤسسات التشريعية الفرنسية من القيام بإدخال أية تشريعات على اتفاقات مشتركة من دون مفاوضات وتوافق بين البلدين، مثل ما تنص عليه الاتفاقية نفسها والأعراف الدبلوماسية ومواثيق العلاقات الدولية، التي تجعل من اتفاقية عام 1968 معاهدة دولية تسمو على القوانين الوطنية، وفقا لما يقرّه أيضا الدستور الفرنسي، ما يجعل مهمة المشرعين الفرنسين صعبة لتغييرها من دون الاتفاق مع الجانب الجزائري.
ووقعت الاتفاقية في 27 ديسمبر/ كانون الأول 1968 بين البلدين، وترسي نظاما قانونيا منفصلا يخضع له الجزائريون المقيميون والعاملون في فرنسا وعائلاتهم، بخلاف مواطني دول أخرى، على صعيد حقوق التنقل والتوظيف والإقامة على التراب الفرنسي.
وكانت الاتفاقية تسمح، بداية، للجزائريين بتقديم جواز سفر على الحدود لدخول فرنسا، من دون الحاجة إلى تأشيرة، وأنشئت بموجب هذه الاتفاقية شهادة الإقامة، وهي تصريح إقامة خاص بالمواطنين الجزائريين، تصل مدته إلى عشر سنوات، إضافة إلى حق التجميع العائلي وجلب أفراد العائلة للإقامة في فرنسا، وحرية تأسيس نشاط تجاري وممارسة مهنة حرة، وحرية التنقل وحق الحماية الاجتماعية.
ولدواع سياسية وأمنية، جرت مراجعة هذه الاتفاقية ثلاث مرات متتالية، أعوام 1986 و1994 و2001، من دون أن يُمسّ بجوهرها والمبادئ الأساسية، أو بالامتيازات الخاصة التي يتمتع بها الجزائريون.
ففي سبتمبر/ أيلول 1986، فرضت فرنسا من جانب واحد شرط التأشيرة على الرعايا الجزائريين، وسمح التعديل الأول للاتفاقية بإمكانية خفض فترة صلاحية تصاريح الإقامة إلى أقل من عشر سنوات إلى حدود سنة واحدة، وفي سبتمبر 1994، أُجري تعديل ثان للاتفاقية، بهدف موائمة شروط دخول وإقامة الجزائريين مع القوانين التي أصدرها وزير الداخلية الفرنسي شارل باسكو، في ظرف استغلت فيه باريس الأزمة الأمنية في الجزائر، حيث أُغلقت القنصليات الفرنسية في الجزائر، ونقلت معالجة طلبات الجزائريين للحصول على التأشيرة إلى مدينة نانت.
وانخفض إجمالي التأشيرات التي صدرت لصالح الجزائريين إلى 80 ألفا في عام 1998، مقابل 800 ألف في عام 1990 قبل التعديل الثالث في يوليو/ تموز 2001، الذي أعاد وضع شروط جديدة للتجميع العائلي وألغى امتيازات بطاقة الإقامة واستخلفها بشهادة إقامة مؤقتة.
وتضيف هذه القضية عاملا آخر ضمن عوامل تؤخر زيارة الرئيس تبون إلى باريس، والتي تقرر تجميد مشروعها في الوقت الحالي، إلى حين توفر شروط تنظيمها، حتى الخريف المقبل، بحسب مصادر جزائرية متطابقة.
وكانت باريس قد اقترحت أن تجرى الزيارة بين الثاني والرابع من يونيو الجاري، لكن الجانب الجزائري لم يوافق على هذا التاريخ المقترح، وفضل إرجاء الزيارة التي كانت مبرمجة أولا في الثاني مايو الماضي، قبل أن يجرى الاتفاق قبل ذلك بموجب مكالمة هاتفية بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون على تأجيلها، بسبب الاضطرابات العمالية في فرنسا احتجاجا على قانون التقاعد في تلك الفترة.
يدخل في السياق عامل آخر له صلة بتحييد الزيارة، وسط توتر صامت بين البلدين، وهو خبر مشاركة المخابرات الفرنسية في ما افترضت الجزائر أنه اجتماع أمني مصغر مع المخابرات الإسرائيلية والمغربية.
وقال الجانب الجزائري إنه ناقش خطة لإثارة قلاقل وتوترات داخلية في الجزائر، وتحديدا في أربع ولايات هي العاصمة ووهران غربي البلاد وبجاية وتيزي وزو (منطقة القبائل).
وإذا كانت الجهات الرسمية الجزائرية لم تتحدث بشكل مباشر عن هذا الاجتماع المفترض، لكن تسريب الخبر إلى صحف مقرّبة من الرئاسة الجزائرية في توقيت واحد، يفسر بأنه رسالة سياسية جزائرية مباشرة إلى باريس، خاصة أنها المرة الثانية التي توجه فيها الجزائر اتهامات إلى المخابرات الفرنسية باستهداف الجزائر، حيث كانت الخارجية الجزائرية قد اتهمت صراحة الجهاز الفرنسي وأطراف في الخارجية الفرنسية بما وصفته، في فبراير الماضي، بـ”تدبير تقويض للعلاقات بين البلدين”.
المصدر: العربي الجديد