ما تزال قضية ترحيل اللاجئين السوريين في لبنان تتصدّر المشهد المحلي، مع تحركات وحملات على أكثر من خط يقوم بها الفرقاء السياسيون والمجتمعات المحلية للدفع باتجاه ترحيلهم.
في حين، تحذر جمعيات ومنظمات محلية ودولية من هذه “العودة غير الطوعية” باعتبار أن ظروف عودتهم غير متوفرة.
وتترافق حملات التضييق على اللاجئين السوريين مع إطلاق مسميات جديدة رسمية عليهم من قبيل “المهاجر الاقتصادي” في محاولة للتهرب من تبعات حقوق “اللاجئ السياسي” أو اللجوء لأسباب إنسانية.
ويبدو من الواضح، أن التوجه اللبناني يتخذ منحى التصعيد في حملة الترحيل، في ظلّ مناخ إقليمي يضغط من أجل “عودة” اللاجئين إلى بلدهم بعد “المصالحات” الإقليمية، خاصة القمة العربية التي عقدت يوم الجمعة الماضي في مدينة جدة، والتي شارك فيها رأس النظام السوري لأول مرة باجتماعات القمة منذ أكثر من 12 عاماً.
استحداث تسمية “المهاجر الاقتصادي”
وبالتزامن مع حملة الترحيل “القسري” التي شملت مئات العائلات في الأسابيع الأخيرة إضافة للانتهاكات المعنوية وخطاب الكراهية التي تعرض لها اللاجئون في لبنان، ظهر مصطلح جديد “استحدثته” السلطة اللبنانية عبر وصف اللاجئ السوري بـ “المهاجر الاقتصادي”.
ويأتي ذلك في سياق تحميل اللاجئ وزر الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تضرب البلاد منذ عام 2019 في محاولة لتبرير حملة الكراهية والترحيل “القسري”.
وأعلن وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب، أن السوريين في لبنان لا تنطبق عليهم صفة اللاجئين السياسيين حيث معظمهم موجودون في لبنان لأسباب اقتصادية.
وأشار إلى أن اللاجئ السوري يعتبر الآن لاجئًا اقتصاديًا والوضع الداخلي في لبنان لا يحتمل ذلك على الإطلاق، والأموال التي يتم دفعها لدعمهم في لبنان يجب أن تدفع لهم في سوريا وفقًا للشروط نفسها.
تحميل اللاجئ السوري مسؤولية الأزمة الاقتصادية
يرتكز الخطاب المعادي للاجئين السوريين المهيمن في لبنان على نشر سردية تحميل اللاجئ السوري مسؤولية الأزمة الاقتصادية، وتصويره على أنه يعيش على حساب اللبناني، ويأخذ من أمامه الرواتب، أو يتقاضى أكثر منه.
وما يعزز هذه الأجواء المعادية نشر أرقام غير دقيقة عن أعداد اللاجئين والمساعدات التي يتلقونها، الأمر الذي يؤجج شعور الكراهية لدى المواطنين، وحملهم على المطالبة بترحيل اللاجئين.
أمام هذا الواقع، يجد تيار رسمي في الدولة اللبنانية ضرورة التمييز والفرز في تصنيف اللاجئين، بين اللاجئ الاقتصادي الذي لم تعد تنطبق عليه صفة لاجئ وضرورة عودته إلى سوريا، وبين اللاجئ السياسي الذي يجب استثناؤه نظراً لما قد يتعرض له من تعذيب واضطهاد من قبل نظام الأسد.
وأكد رئيس حزب “الكتائب اللبنانية”، النائب سامي الجميل، أن لبنان لم يعد يحتمل وجود اللاجئين، داعياً لتغيير طريقة تعاطي لبنان مع هذا الملف.
وميّز الجميل بين “النازحين المعارضين” ومن وصفهم بـ “المهاجرين الاقتصاديين”، بقوله: بعض الناشطين في المعارضة السورية مطلوبون للعدالة في سوريا، ولكن أكثريتهم غير معرّضين للخطر في حال عودتهم، وهم يعتبرون أن الوضع في لبنان أفضل من سوريا، وبالتالي باتوا (مهاجرين اقتصاديين) لا لاجئين بالمعنى القانوني الدولي. من هنا لم يعد بإمكاننا التعاطي مع هذا الملف كما كنا نتعاطى في السابق.
هذا الجدل الحاصل في لبنان عززه إعلان وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم بأنّ ٣٧ ألف سوري دخلوا سوريا خلال فترة عيد الفطر ثم عادوا إلى لبنان بعد انقضاء عطلة الأعياد، وبذلك رأى بيرم أنّ الدخول إلى سوريا والخروج منها ينفي عن هؤلاء صفة النازح.
التهرب من المسؤولية
المدير العام لمركز “سيدار” للدراسات القانونية والمدافع عن حقوق الإنسان، المحامي محمد صبلوح، يقول في حديثه لـ “تلفزيون سوريا”، إن لبنان في حال اعترف بالسوريين الموجودين على أراضيه كلاجئين فهو ملزم بتطبيق الاتفاقيات الدولية وحقوق اللاجئين.
ويضيف صبلوح، من الواضح بأن السلطة اللبنانية تحاول بشتى الطرق التهرب من التزاماتها أمام المجتمع الدولي عبر إطلاق العديد من التسميات كالنازحين وليس لاجئين تارة، وتارة أخرى وصفهم بمهاجرين اقتصاديين.
وبحسب مدير مركز “سيدرا”، فإن السلطة اللبنانية تتجنب استخدام وصف لاجئين معارضين في محاولة للتهرب من اتفاقية مناهضة التعذيب الدولية، الملزم بتطبيقها وخصوصا المادة الثالثة التي تنص على عدم ترحيل أي لاجئ قد يتعرض للتعذيب في بلده، ليبرر بذلك حملات الترحيل “القسرية” التي يجريها، على حد تعبيره.
ويرى صبلوح أن الحكومة اللبنانية تدير ملف اللاجئين بطريقة “عنصرية” وكأنها تودّ أن تحملهم أمام الرأي العام اللبناني مسؤولية الأزمة الاقتصادية للالتفاف على فسادها الذي أوصل البلاد إلى ما هي عليه.
بحسب رأي مدير مركز “سيدرا”، اللاجئ السوري كانت له مساهمات واضحة بالاقتصاد اللبناني.
ويقول صبلوح، إن الواقع وجميع الدارسات تشير إلى العكس تماما، فمن ساعد لبنان على الصمود في أزمته المالية هي تحويلات المغتربين اللبنانيين إلى ذويهم من جهة، واللاجئين الذين يتقاضون مساعدات مالية بالدولار الأميركي من جهة ثانية.
وعن التمييز بين لاجئ سياسي واقتصادي، قال إن “هناك سوريين موجودين في لبنان منذ بداية الحرب، ولكنهم يدخلون الأراضي السورية ويعودون إلى لبنان بشكل رسمي دون وجود أي عواقب أمنية وغيرها، فهؤلاء يمكن فرزهم طالما لا وجود خطر على حياتهم”.
ولكن في الوقت نفسه نبّه صبلوح، على “ضرورة تقدير إن كانت بيوت هؤلاء مهدمة وصالحة للسكن وغيرها من الأمور فإذا كانت كل الظروف ملاءمة لعودتهم، فنحن مع فرزهم وعودتهم إلى سوريا، أما المعارض الموجود في لبنان منذ 12 سنة في لبنان ولا يستطيع الدخول إلى سوريا وممكن تعريضه للإعدام والاعتقال من قبل النظام، فيجب الوقوف أمام الحكومة والدولة اللبنانية منعا لترحيله.”
الحل باجتماع رباعي
في المقابل، يرى النائب ملحم خلف ونقيب المحامين السابق ضرورة مقاربة ملف اللاجئين على أنه في لبنان هناك حالة اختناق يجب مقاربتها بجدية ومسؤولية.
ويقول خلف، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، ملف اللاجئين يجب أن يعالج أولا بهدوء مع أربع جهات إقليمية ودولية، عليها أن تكون على طاولة واحدة، وهي: الدولة اللبنانية وسوريا والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والبلدان المضيفة المصادقة على اتفاقية الـ 51.
ويضيف النائب اللبناني، على الأطراف الأربعة أن تأخذ بعين الاعتبار حالة الاختناق في لبنان بصورة جدية وعدم الاكتفاء بأن تكون معالجة الملف عبر تقديم بعض الحقوق من خيم وحليب وطبابة وتعليم وغيرها.
ويوضح خلف قوله، اليوم لا تستطيع البلاد المضيفة للاجئين أن تقفل حدودها باعتبار أنه تم الاكتفاء بهذا القدر، كما لا يمكن أن يكون وجود اللاجئين السوريين مرتبطاً ضمن إطار تقديم مقابل مالي فقط لبقائهم في لبنان.
بحسب النائب اللبناني، المعادلة هو بلد يختنق وهناك حقوق إنسان يجب مراعاتها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا