بدأ الإسلام في أوكرانيا منذ القرن الخامس عشر حين انشئت ما تعرف بـ “خانات القرم”. قبيل لحظات من وصول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى مدينة جدة غرب السعودية للمشاركة في القمة العربية قال إن من أولوياته التي جاء لمناقشتها هي “حماية مسلمي أوكرانيا” في منطقة القرم التي ضمتها روسيا في2014 .
ويضيف الرئيس الذي يسارع خطاه نحو مقاعد قمم مشارق الأرض ومغاربها باحثاً عن خلاص من محنة بلاده التي تواجه دباً روسياً عتيداً “أن المسلمين في القرم يعانون من الاحتلال الروسي”. وهي لغة يعتبرها مراقبون “استعطافاً” لأمة يفوق تعدادها ملياري مسلم. واستجداء للناطقين بحرف الضاد (العرب) الذي يناهز عددهم الـ450 مليون نسمة من إجمالي سكان العالم.
ولفظ المسلمين على لسان الرئيس الأوكراني منذ مايو (أيار) 2019. ليست المرة الأولى لكنها بدت لافتة منذ الغزو الروسي لبلاده، وهو الغزو الذي اعتبره في كلمته أمام 22 مسؤولا يمثلون بلدان العرب اليوم أنه “حرب وليس مجرد نزاع” معتبراً أن بلاده لم تختبر الحرب ولم تنخرط في أي أعمال عدائية في أراضي دول أخرى.
وعلى رغم غياب الإحصاءات الدقيقة إلا أن تعداد المسلمين في أوكرانيا يتراوح بين مليون إلى مليوني مسلم من بين نحو 43 مليون نسمة من السكان. بحسب تأكيدات الجالية المسلمة هناك.
الرئيس الذي خلع بدلته الرسمية وحذاءه الأنيق منذ فبراير (شباط) 2022 حين بدأت المدافع تطلق نيرانها نحو كييف، بدا لافتاً في حله وترحاله بملبس واحد هو “تيشيرت” من قماش الكاكي الملون بـ”الزيتي العسكري”. وهو ما ارتداه اليوم حين نزل من الطائرة، وحين دلف نحو القمة العربية، وحين ألقى كلمته.
وعن زيّه المثير، ثمة متابعون قالوا إنه يحمل رسالة “الجندي الرئيس”، ومنهم من يقول إنه مظهر يندرج تحت إطار “البروباغندا الحربية”.
الإسلام في أوكرانيا
والإسلام في أوكرانيا، بدأ منذ القرن الخامس عشر حين بدأ إنشاء ما تعرف بـ “خانات القرم” حيث تتواجد الجاليات المسلمة في جنوب وجنوب شرقي كييف. لكنه وبسبب ضم الاتحاد الروسي للقرم عام 2014 والحرب في دونباس، فإنه يعيش اليوم نحو 750 ألف مسلم في الأراضي التي لم تعد تسيطر عليها أوكرانيا.
مشاركته موائد إفطار المسلمين
زيلينسكي الذي يعتبر نفسه “نصير المسلمين” في “جزيرة القرم” وقبل نزوله من الطائرة الفرنسية التي أقلته نحو جدة من بولندا يعتبر أن “المليوني مسلم هم قضيته” التي يجب أن يسارع العرب لنصرتها. بحسب منشور بصفحته على “التليغرام”، وحين وجه حديثه إلى القادة العرب قال “أنا متأكد من أن كل دولكم تفهم ما هي المشاعر التي تختلجنا وواثق مما هو النداء التي سأطلقه هنا من جدة، فهو نداء وواجب لحماية الشعب الأوكراني، بمن فيهم المجتمع الأوكراني المسلم”.
ويظل واحد من المواقف التي كانت لافتة بالنسبة لـ”زيلينسكي مع المسلمين” هو في سبتمبر (أيلول) 2022، حين أثار الرئيس الأوكراني الجدل عندما ظهر في مقطع فيديو وهو يقف بجوار “لوحة كييف” التي أقيمت لإحياء ذكرى رجل دينٍ مسلم قاد المقاومة ضد الإمبراطورية الروسية في القوقاز في القرن التاسع عشر.
حينها خاطب زيلينسكي “شعوب القوقاز وسيبيريا وشعوب روسيا الأصلية الأخرى” قائلاً “أنا أقف الآن في ذلك الجزء من كييف الذي عاش فيه الإمام شامل، بطل داغستان وبطل القوقاز بأكمله في ستينيات القرن التاسع عشر. وكما ترون، تعرف أوكرانيا تمام المعرفة كيف تكرم أبطالكم”.
وأضاف الرجل الذي اعتبره خصومه بالمتاجر بالقضية “يُدفع المواطنون الروس إلى حال الفقر دفعاً كي يذهبوا إلى الحرب، ويقعون في الدين، يرهبهم القمع وتحاصرهم الدعاية بمضايقتها”.
الرئيس الذي بدا صامتاً اليوم وهو يستمع للعرب وقضاياهم تعدى مرحلة الحديث عن الإسلام إلى مشاركة المسلمين طقوسهم وموائدهم. ففي شهر رمضان الماضي ظهر وهو يشارك جنوداً أوكرانيين مسلمين وجبة إفطار حضرها قادة مسلمون أوكرانيون وسفراء من دول إسلامية.
وعقب تناول وجبة الإفطار الذي جاء بعد صيام طويل لساعات بحسب تعاليم الديانة المسلمة قام بتسليم العسكريين المسلمين أوسمة، قال بعدها إن “أوكرانيا ممتنة لمسلمي بلدنا ولجميع المسلمين في العالم الذين يتوقون مثلنا إلى السلام والحماية من الشر”.
حرب الفتاوى
ومنذ اللحظة التي بدأ فيها الصراع الروسي – الأوكراني بدا المسلمين في انقسام يدفعهم للاصطفاف مع “فتاوى” رجال الدين في طرفي الحرب. فمن الجانب الأوكراني يرى مفتي الجالية المسلمة سعيد إسماعيلوف أن الدفاع عن أراضي أوكرانيا “جهاد”.
وفي المقابل يرى مفتي الشيشان التي تقف بجانب موسكو أن مساعدة بوتين “طريق إلى الله”. فيما يرى مفتي روسيا راويل عين الدين أن الجيش الروسي يستند إلى أحكام القرآن، وأن الله سيكافئ الجنود”.
ويعيش في روسيا نحو 25 مليون مسلم من إجمالي عدد السكان البالغ 143 مليون نسمة.
وللمسلمين في الجزء الشرقي من قارة أوروبا تاريخ طويل مع الحروب والنزاعات والترحيل يعود منذ اندلاع الثورة الروسية عام 1917 حين شكل المسلمون آنذاك نحو ثلث سكان القرم. لكنه وفي عام 1944 تعرض مسلمو القرم لترحيل جماعي بعد أن اتهمهم الزعيم الشيوعي ومؤسس الاتحاد السوفياتي ستالين “بالعمالة للنازيين الألمان” وبدأ بعمليات ترحيل كبرى شملت عدة أعراق ومن بينهم نحو 200 ألف تتري من القرم إلى وسط آسيا، بخاصة إلى أوزبكستان وكازاخستان ومناطق أخرى.
ومنذ الغزو الروسي والرئيس الأوكراني لا يكاد يفوّت فرصة لحضور قمة أو ندوة تقام في البلدان الحليفة والمحايدة للمشاركة بها. إذ يعتزم بعد حضور قمة العرب أن يتجه نحو قمة “رؤساء 7 دول من أغنى ديمقراطيات العالم” لمناقشة تشديد الخناق على الاقتصاد الروسي والبحث عن سبل لمواجهته. وبحسب تأكيدات وزارة الخارجية اليابانية فإن الرئيس الأوكراني سيشارك في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع G7 التي ستنعقد بعد غد.
المصدر: اندبندنت عربية