السوداني يؤكد عزمه إجراء تعديل وفق “تقييم أداء” بعد انتهاء مهلة ستة أشهر منحها لأعضاء حكومته بعد التكليف.
تترقب الأوساط السياسية والشعبية أول تغيير وزاري في الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني التي تشكلت بعد مرور أكثر من عام على إجراء الانتخابات المبكرة في العراق عام 2021، إلا أن الجدل مستمر حول آلية هذا التغيير وإمكانية إجرائه في ظل الأوضاع السياسية واستغلال حال الاستقرار السياسي منذ تسمية السوداني رئيساً للوزراء، إذ يطرح هذا التغيير الوزاري المرتقب تساؤلات حول الجدوى منه.
تعديل وزاري
وأكد السوداني عزمه إجراء تعديل وزاري وفق “تقييم أداء” بعد انتهاء مهلة ستة أشهر منحها لأعضاء حكومته بعد التكليف، وذكر في مقابلة تلفزيونية أن “تنفيذ خطة الحكومة يقتضي متابعة وتقييم الفريق، وإلا إذا بقينا بالأدوات نفسها من دون تقدم في التنفيذ فلن نحقق شيئاً”، مبيناً أن من بين الإشكالات المؤشرة إلى الحكومات السابقة “مجاملة” الوزراء غير الأكفاء، كما تعهد السوداني بإجراء تعديل وزاري “وفق معايير مهنية صرفة” وعدم مجاملة “الوزراء المتقاعسين” أو “غير الأكفاء” في الوقت ذاته.
ورأى أن التغيير الوزاري لم يخلّ بـ”الاتفاق السياسي” الذي قاد إلى تشكيل الحكومة، مشيراً إلى أنه يبحث عن “أدوات ناجحة تستطيع تنفيذ الحلول لمشكلات السكن والصناعة والزراعة والتعليم”، وشدد على أن الحلول لا تتحقق بـ”الدعاء أو التمني، ولا بد من خطة وأدوات ناجحة وتنفيذ”، موضحاً أن الوزراء في حكومته تلقوا تنبيهاً مباشراً من قبله لدى التكليف بأن أمامهم “ستة أشهر فقط ثم يخضع أداؤهم إلى تقييم حقيقي وفق معايير مهنية واضحة”، وأكد أيضاً أن مؤشرات هذا التقييم الذي سينتهي بعد ستة أشهر من إقرار البرنامج الحكومي هي ما ستحدد بقاء أو رحيل أعضاء حكومته، ولفت إلى أن تعديلاً وزارياً سيجري بعد انتهاء المهلة، مبيناً أن “التعديل مبني على أسس مهنية صرفة”، وأضاف “أريد أدوات ناجحة، ولن أجامل وزيراً متقاعساً، أو آخر لا يمتلك إمكانية”، لافتاً إلى أن “التقييم يشمل كذلك وكلاء الوزراء والمديرين العامين”، لكن وفق مهلة ثلاثة أشهر.
وكان مجلس الوزراء أقر في الـ12 من ديسمبر (كانون الأول) 2022 البرنامج الحكومي في جلسة استثنائية عقدها حينها، مما يعني أن مهلة الوزراء تنتهي بحلول يونيو (حزيران) المقبل.
ضغوط أميركية
وكشف الباحث السياسي نذير البياتي عن أن روايات تتحدث هنا وهناك، عن ضغوط أميركية لإحداث تغيير وزاري في حكومة السوداني، ووصف في تصريح صحافي التعديل الحكومي الذي يتم تداوله بـ”مغامرة خطرة” بالنسبة إلى حكومة السوداني، مبيناً أن الاقتراب من حصص الكتل والأحزاب في “غنيمة المحاصصة” سيعجل بحدوث الشرخ المتوقع بين السوداني وبينهم، ورأى أن أصدقاء اليوم سيتحولون إلى خصوم، في معركة الخاسر فيها من ليست له كتلة سياسية تحميه.
لا جدوى منها
من جهته رأى المحلل السياسي مجاشع التميمي أن موضوع التعديلات الوزارية في حكومة السوداني لا جدوى منها لأن هناك ثلاثة مستويات لأي وزارة يجب أن نفرق بينها، وهي هل الوزارة تمثل سياسة وزير أم سياسة وزارة؟ والفارق بينهما كبير، أم أنها تمثل رؤية ضمن منظومة لمنهاج وزاري يحدد لها من قبل رئاسة الوزراء؟، وأضاف في مقالة صحافية، “في العراق أحياناً تجد منهاجاً وزارياً متكاملاً فيه بلاغة لغوية لكن في التطبيق يتعذر الأمر”، مبيناً أن التعديلات الوزارية المزمع إجراؤها نتيجة ضغوط داخلية أو خارجية سوف لن تجدي نفعاً.
واستعرض التميمي الأسباب سائلاً “كيف تتم محاسبة الوزراء ولم تقر الموازنة حتى هذه الساعة، ويتم الصرف استناداً إلى المادة 13 من قانون الإدارة المالية الاتحادية رقم (6) لعام 2019، لذلك من الصعوبة بمكان محاسبة الوزير”، مشيراً إلى أنه لغاية الآن لم تحدد المدة المخصصة للمحاسبة، إذ أعلن عن المحاسبة للحكومة بعد ثلاثة أشهر ثم أصبحت ستة، على رغم أن البلد يعيش حتى الساعة استقراراً لكن ليس هذا الاستقرار المنشود، لذا يجب أن تكون هناك مدة محددة بشكل رسمي ويكون الوزراء كافة على علم بها، وتابع “عدم الجدوى من التعديل هو أن الوزراء جاءت بهم كتل وليسوا اختيار رئيس الوزراء، بمعنى أن التكليف لم يكن خيار السوداني الشخصي، والقوى السياسية لم تمنح رئيس الوزراء كامل الحرية بالاختيار وجاءت الترشيحات بحسب التوازنات”، معتبراً ذلك “مربط الفرس” وموضحاً أنه إذا اقتضت الحال ورغب السوداني في إجراء تعديل وزاري فلا بد من إجراء مباحثات مطولة مع الكتلة التي جاءت بهؤلاء الوزراء.
وأوضح التميمي أن المحادثات الثنائية هذه لا تكفي لأن أي وزير عندما يرغب في تغييره يجب أن يتم استحصال موافقة مجلس النواب، وعلى رغم أن الكتلة التي تسيطر على مجلس النواب الآن هي كتلة “الإطار”، فالسؤال إذا تحقق هذا الشرط فما المغزى من التعديل الوزاري؟، ويجب ألا ينحصر الأمر في إطار الشائعات وهذا خلل في أداء الحكومة.
وتساءل أيضاً “أنه لو نجح التعديل الوزاري وتغير بعض الوزراء، فأنا اعتقد بأنه سوف لن يتبدل شيء لأن المنظومة الحاكمة التي تسيطر، أي عمل الوزارات، لا تتيح للوزير أن ينفرد بقراراته وهو محكوم بمنظومة، وسياسة الوزارة أو الوزير تتحكم بها منظومة، وهنا أتحدث عن الوزارة في الجانب الفني وأيضاً السياسي والإداري”، وتابع “معظم المراقبين لم يعرفوا لغاية الآن كيف يتم تقييم الوزير، ومن الذي يقيمه؟ وهل يترك الموضوع لأعضاء مجلس النواب؟ وأين دور مجلس النواب في الاستجواب والرقابة؟، لأنه حتى اللحظة لم يتم استجواب أو استضافة أي وزير من قبل مجلس النواب، وفي السياق الطبيعي حينما يشعر رئيس الوزراء بأن هناك خطراً من الاستجواب، أو تحقيقاً على بعض الوزراء، يوعز بعملية التعديل، لكن أن يبادر رئيس الوزراء بالتعديل من دون أي استجواب أو تحقيق، فهذا يثير الدهشة لأن رئيس الحكومة هو من كلف هذا الوزير”.
وختم التميمي أن تقييم الوزير (بصورة عامة) بعد ستة أشهر لا يجدي نفعاً لأن برنامج الحكومة معد لأربعة أعوام، ولربما الوزير لديه خطط تستمر لأربع سنوات على مستوى التخطيط، وعمله سيظهر بعد عام ونصف مثلاً، فلماذا هذا التكليف والتسقيط السياسي؟، باعتبار أن عزل الوزير أو استبداله أشبه بانتحار سياسي إلا إذا كان الوزير هو من قدم استقالته.
سلاح ذو حدين
في الأثناء وصف الباحث السياسي علي البيدر التعديل الوزاري المرتقب بـ”سلاح ذي حدين” ورأى أنه ربما يربك أحياناً حال الاستقرار السياسي التي تعيشها البلاد ويسهم في خلق أزمة حكومية وحتى نيابية وسياسية وربما تمتد إلى أزمة شعبية في حال قدمت بعض الأسماء، وتابع “هناك وزارات لم تكن بالصورة المطلوبة لها وأداء وزرائها غير مثالي، في حين الواقع العراقي يحتاج إلى وزير سوبر يتجاوز الديمقراطية يكون أكثر ابتكاراً وإبداعاً في أداء مهماته ومواجهة التحديات وإقناع الشارع والبرلمان بقدرته على الوقوف أمام المهمات الممكنة إليه متجاوزاً الأزمات”.
أضاف “اليوم ما ينقصنا أو ما نحتاج إليه متابعة نيابية أكثر ومتابعة السوداني لكثير من الوزراء وتشخيص ما كان من الخلل، ونحتاج من الفريق الحكومي الذي يعمل مع رئيس الحكومة إلى التركيز أكثر على بعض الإخفاقات وتصويبها أو تقويمها”، وتابع “نحتاج إلى زيادة بعض الإمكانات والقدرات لدى كوادر الوزارات أكثر من حاجتنا للتعديل الوزاري”، مبيناً أن الحكومة تجاوزت تنفيذ ربع أو أكثر من ربع المنهاج الوزاري في هذه الفترة، فإذا ما استمرت في هذا النهج فقد تصل إلى مستويات متقدمة.
ورجح البيدر أن يعوق هذا التعديل تنفيذ المنهاج الوزاري للحكومة ويعوق بعض الخطط والرغبات الإصلاحية لرئيس الوزراء وتكون أحوال المواطنين أفضل من الفترات التي عاشوها، وتابع “إذا كان التعديل حتمي أو ضروري من قبل رئيس الوزراء كما يرى لأجل الإصلاح، فمرحباً به، أما إذا كان لأجل التغيير فقط أو إطاحة عناوين على حساب أخرى، فأكيد أن هذا سيخلق أزمة حقيقية داخل البلاد”.
المصدر: اندبندنت عربية