تتزايد الأحاديث حول اقتراب تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية والنظام السوري، وتحديدًا مع ما نشرته وكالة “رويترز” حول نية الرياض دعوة بشار الأسد لحضور القمة العربية، المزمع عقدها منتصف أيار المقبل.
كما يأتي الموقف السعودي متسقًا مع مواقف عدة دول عربية تدعم عودة النظام السوري إلى مقعده في الجامعة العربية، والذي جُمّد منذ عام 2012، وعلى رأسها تونس ومصر والجزائر.
وتدعو الأخبار المتسارعة في هذا الملف إلى التساؤل حول الموقف الأمريكي من التحركات السعودية، خاصة مع زيارة أحد أبرز وجوه الكونغرس الأمريكي، ليندساي غراهام، إلى جدة ولقائه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أمس 12 من نيسان.
موقف أمريكي من التحركات السعودية.. لماذا؟
بعد تصريحات متعددة من قبل غراهام حول مقاطعته للمملكة العربية السعودية ورفض زيارتها، حطت طائرته في جدة على ساحل البحر الأحمر، للقاء الأمير محمد بن سلمان في ضوء المتغيرات الإقليمية المتسارعة وعلى رأسها الملف السعودي- الإيراني، والذي يتصل بدوره بالملف السوري بسبب نفوذ إيران هناك.
غراهام وصف لقائه بولي العهد السعودي بأنه “مثمر وصريح”، وسط تباين العلاقات بين الطرفين في عدة ملفات، بما في ذلك التحركات السعودية في الملف السوري.
تصريحات أمريكية أم تنسيق؟
من جهة أخرى، نشر المستشار الأول للمثل الأمريكي الخاص إلى سوريا، ويليام بيل تقريرًا مطولًا في معهد دراسات الخليج العربي في واشنطن، شرح من خلاله الموقف الأمريكي الحالي.
وجاء في التقرير “يبدو أن المملكة عازمة على تطبيع علاقاتها مع دمشق وهو ما يثير الأسئلة حول النفوذ الإقليمي لواشنطن، وتشير التقارير الأخيرة أن الرياض على وشك استعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق ويبدو أن هناك استعدادًا لدعوتها إلى القمة العربية”.
ويشير التقرير إلى أن “التقارير الأخيرة التي تتحدث عن قرار سعودي لعودة العلاقات ليست مفاجئة وخاصة مع تحركاتها الأخيرة، بل يسير في نفس الاتجاه على أنه ترسيخ للإجماع العربي والإقليمي”.
وكان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قال في مؤتمر ميونيخ للأمن إن “عزل سوريا لم يكن مجديًا”.
وأعلن البيت الأبيض (مقرّ إقامة الرئيس الأمريكي) الأربعاء، أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان تحدث مع ولي العهد السعودي، الثلاثاء وناقش معه الملف الإيراني، وفق ما نقلته وكالة “رويترز“.
وقالت الوكالة إن “استعادة العلاقات السعودية- الإيرانية عبر الصين تركت الولايات المتحدة الأمريكية خارج نطاق نفوذها”.
اللافت في بيان البيت الأبيض هو الإشارة إلى “نقاش سوليفان والأمير محمد بن سلمان الاتجاهات الأوسع نحو خفض التصعيد في المنطقة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على الردع ضد التهديدات الإيرانية، في إشارة مباشرة إلى الملف اليمني، وربما غير مباشرة إلى الملف السوري، لنفوذ إيران فيه على الأقل.
العلاقات الأمريكية- السعودية والملف السوري
تستمر واشنطن بالتصريح علانية معارضتها للتطبيع العربي مع الأسد مع إشارتها المتكررة للعقوبات الممكن إيقاعها على من يفكر بهذا الأمر، إلا أن تغير شكل العلاقات بين المملكة وأمريكا قد يشي بشيء آخر.
ويرى باحث الدراسات الاستراتيجية والأمنية، اللواء المتقاعد عبد الله غانم القحطاني، في حديث إلى عنب بلدي، أن الولايات المتحدة الأمريكية “لديها موقف غريب وغير مفهوم مع حلفائها، واشنطن تمتلك علاقات جيدة مع الرياض لكن هذه العلاقات تتغير بقواعد جديدة وهو أمر جيد للطرفين”.
وأضاف، “وفي النهاية فإن الولايات المتحدة تؤيد ما توجهت إليه المملكة في ملف اليمن والاتفاق مع إيران”.
ووفق القحطاني فإن المملكة لا تهتم كثيرًا برأي الولايات المتحدة الأمريكية أو أي قوى أخرى بقدر ما تهتم بتنفيذ استراتيجيتها، وهو ما اتبعته سابقًا في ملفات النفط وأوبك والعلاقات الخارجية مع الصين وروسيا، و”ستفعل الأمر نفسه مع أمريكا طالما أنها تحقق مصلحتها”.
وأضاف القحطاني، “على الرغم من أنه من السابق لأوانه القول إلى أين قد يؤدي ذلك، في الوقت الحالي، تواصل السياسة الأمريكية التأكيد على محاسبة النظام السوري على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتأكيد على الحل السياسي بناءً على القرار 2254”.
وتابع، “سيكون من الصعب على إدارة بايدن اتخاذ أي خطوات بشأن التطبيع أو حتى، إذا رأت الحاجة، إقامة اتصال مع نظام الأسد”.
وكان تقرير مركز دراسات الخليج العربي في واشنطن أشار إلى أنه من المتوقع “أن يكون للقرار السعودي تأثير كبير في واشنطن بالنظر إلى نفوذ الرياض في المنطقة، وقد يدفع إلى إعادة تقييم سياسة أمريكا تجاه سوريا”.
ووفق التقرير فإن “الأعضاء المناهضين للأسد موجودون في الكونغرس ولم تتغير سياسة واشنطن تجاه التطبيع لكن الإدارة الأمريكية خففت انتقاداتها تجاه الدول العربية التي تسير في هذا السياق”.
وحول أسباب التطبيع العربي قال التقرير إن “القادة الإقليميين يعتقدون أنه في مصلحتهم وستجد واشنطن طريقة للتغلب على التناقضات في هذا الملف”.
وكانت السفيرة الأمريكية للعدالة الجنائية العالمية، بيث فان شاك، قالت في لقاء مع صحيفة “العربي الجديد” القطرية، إن “سياسة الولايات المتحدة في عدم التشجيع على التطبيع واضحة وتريد أن ترى المساءلة والمحاسبة عن الانتهاكات المدرجة باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وأضافت، “يجب ألا يكون التطبيع هدية مجانية، بل فرصة لانتزاع بعض التنازلات الإنسانية وغيرها من نظام الأسد، كالإفراج عن المعتقلين والمغيبين قسرًا والتواصل مع عائلات الضحايا والسماح بعودة اللاجئين”.
وأشارت فان شاك إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية “تراقب الوضع عن كثب ولا تشجع على التطبيع المجاني”.
مكاسب سعودية استراتيجية؟
ويبدو أن التحركات السعودية لا تتعلق بدمشق نفسها، بل ترتبط باستراتيجية إقليمية تتبعها المملكة منذ فترة ليست بالقصيرة، ويأتي على رأسها محاولة تصفير مشاكلها الإقليمية.
وبدأت السعودية بالفعل بهذا الأمر بعد لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرتين نهاية العام الماضي 2022 في أنقرة وجدة، والاتفاق مع إيران على استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين.
ولفت التقرير الذي نشره معهد دراسات الخليج العربي في واشنطن إلى أن السعودية “تتخذ خطوات من شأنها وضع نفسها كزعيمة للإجماع العربي، وأن تجعل دبلوماسيتها البطيئة تجاه دمشق أمرًا محببًا، بالإضافة إلى تخفيف التوترات الإقليمية من خلال إعادة العلاقات مع إيران”.
وقال الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، عبد الله الغانم القحطاني، إن “السعودية لا تنظر إلى أي مكاسب من خلال إعادة علاقاتها بالنظام السوري، لأن الأخير ببساطة لا يملك شيئًا ليقدمه بل هو بحاجة الجميع”.
وأضاف، “هناك بالتأكيد سعي سعودي لتحقيق استراتيجية معينة ولن تتحقق دون مشاركة حقيقية للآخرين ممن لديهم مصالح معينة”، واصفًا الاستراتيجية بأنها “سعي لنهج جماعي وتعاون أوسع ليكون الجميع في مسارات متوازية تصب في تحقيق أهداف البناء والتنمية ونبذ العنف”.
المصدر: عنب بلدي