نشرت مجلة “بوليتيكو” تقريراً قالت فيه إن إيران تدير محادثات سرية مع الصين وروسيا للحصول على وقود صواريخ محظور عليها استيراده.
وفي التقرير الذي أعده ماثيو كارنيتسشنغ، قال إن الصين وروسيا، تديران محادثات سرية متقدمة مع إيران للمساعدة في تجديد مخزونها من مركّب كيماوي ضروري لتشغيل الصواريخ الباليستية، حسبما يقول دبلوماسيون على معرفة بالأمر. وهو تحرك سيكون بمثابة خرق واضح لعقوبات الأمم المتحدة، وسيساعد في تجديد المخزون المستنفد من الصواريخ في روسيا.
وعقدت إيران محادثات متزامنة مع المسؤولين والكيانات المتعلقة في الحكومتين، ومنها شركة تصنيع كيماوي روسية هي “أف كي بي أنوزيت” من أجل الحصول على كميات كبيرة من “أمونيوم بيركلوريت” أو “إي بي”، وهو المكون الرئيسي للوقود الصلب المستخدم في تشغيل الصواريخ، وذلك بحسب دبلوماسيين امتنعوا عن ذكر أسمائهم لحساسية الموضوع.
وقالت المجلة إن سجاد أحدزادة، الذي يعمل في بكين بمنصب القنصل التكنولوجي لإيران والمنطقة، قاد المحادثات للحصول على مكوّن “إي بي”. وقال الدبلوماسيون إنهم لا يعرفون اسم الشركات الصينية المشاركة. كذلك لا يُعرف حجم الكمية التي تريد إيران شراءها، إلا أن دبلوماسيين مطلعين على الخطط، قدروها بأنها كافية لبناء آلاف الصواريخ، بما فيها صاروخ “ذو الفقار” الذي يصل مداه إلى 700 كيلومتر، واستخدمته إيران وجماعاتها الوكيلة في الشرق الأوسط.
وقال الدبلوماسيون إنه لو عُقدت الصفقة، فإن بعض الصواريخ ستُنشر في النهاية ضد أوكرانيا. وكانت إيران قد زودت روسيا بمسيّرات انتحارية استُخدمت لضرب أهداف مدنية في أوكرانيا، ونصحت موسكو بشأن التحايل على العقوبات الدولية التي فُرضت عليها بسبب غزو أوكرانيا العام الماضي.
ولم يرد ممثلو روسيا والصين وإيران على أسئلة المجلة، فيما حوّلت وزارة الخارجية الإيرانية الأسئلة بشأن أحدزادة إلى سفارتها في ألمانيا والتي لم ترد، وكذا سفارة إيران في بكين.
وطلب الشخص الذي رد على هاتف “أف كي بي أنوزيت” إرسال الأسئلة عبر البريد الإلكتروني، ولكن الرسالة ارتدت، وقطع نفس الشخص الهاتف عندما اتصلت بوليتيكو لطرح الإسئلة. ولا يبدو أن الشركة لديها تعاملات تجارية واسعة، مع أن “أف كي بي” هو مختصر “شركة دولة فدرالية”. ويحيل موقعها على الإنترنت الأسئلة إلى موقع صناعي اسمه “تيكميكا”. وبالبحث في “غوغل ماب” عن عنوان الشركة في بلدة كوبشييف في سيبريا، لم يظهر سوى شارع موحل، ومحل لإصلاح الأحذية، وحافلة مدرسية ومحل لبيع قطع غيار السيارات، وعلى الجانب الآخر من الشارع، بناية تجارية غير مكتملة.
وتعلق المجلة أن المحادثات للحصول على مكون “إي بي” تأتي بعد توثق العلاقات مع روسيا والصين، اللتين تقدمان نفسيهما كحاجز ضد التأثير الأمريكي بعد الحرب الشاملة التي شنتها موسكو ضد أوكرانيا. ورغم تردد الرئيس الصيني شي جين بينغ في تقديم الدعم الكامل للغزو الروسي أثناء زيارته لموسكو الشهر الماضي، إلا أنه لم يترك مجالا للشك عن موقف بكين وولائها.
وقدمت الصين قبل فترة خطة سلام قال النقاد إنها تجبر أوكرانيا على التخلي عن المناطق التي احتلتها روسيا، وتؤكد على عدم خسارة الكرملين الحرب، وسط مخاوف من أن الهزيمة قد تؤدي إلى انهيار جارتها الكبرى، وتؤدي لحالة من عدم الاستقرار.
وطالما حذرت الولايات المتحدة وأوروبا، الصين من تقديم الدعم العسكري لروسيا، لكن لا يعرف ما هي التداعيات لو قررت بكين تجاهل التحذيرات. ورغم الدعم المتواضع الذي قدمته الصين في الأشهر الأخيرة، وهو عبارة عن معدات عسكرية، إلا أن بكين قلقة من إغضاب شركائها التجاريين في الولايات المتحدة وأوروبا.
ويقول الدبلوماسيون إن تزويد الصين لإيران بمركّب “إي بي” هي الطريقة الوحيدة التي تدعم فيها بكين الكرملين سرا. ويرى الدبلوماسيون إن تفكير الصين التلاعب بالعقوبات التي وقّعتها من أجل مساعدة روسيا، ينم عن مخاوف من نتائج الحرب. وبحسب قرار مجلس الأمن رقم 2231، يحظر على الدول تزويد إيران بمركب “إي بي” بدون موافقة مجلس الأمن الدولي.
ويعتبر “أمونيوم بيركلوريت” من المواد المهمة في إنتاج الوقود الصلب المستخدم في الجيوش نظرا لصلاحية استخدامه الطويلة. وتعتمد معظم الصواريخ الإيرانية الموجهة بدقة، والصواريخ الباليستية قصيرة المدى على محركات تشغيل بوقود صلب. وتستخدم إيران الوقود من أجل تطوير صواريخ طويلة المدى تحت ستار برامج الفضاء.
ويقول بهنام بن طاليبو، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية: “تقوم إيران بتعميق اعتمادها على المشغّل الصلب للصواريخ الباليستية في استراتيجيتها الأمنية”، و”لهذا، فالمكونات التي تستخدم في الوقود الصلب للصواريخ مثل إي بي وأكسيدزر، تعتبر مهمة للنظام”.
ويقول إن حجم الشحنات المزعومة من الصين وروسيا “دليل على ضرورة الحصول على هذه المواد” بالنسبة لإيران. واستنفدت روسيا كميات كبيرة من صواريخها أثناء حربها في أوكرانيا، ومع أنها تنتج الصواريخ، إلا أن حجم الإنتاج لا يتناسب مع حاجة الجيش. وعليه، فإنتاج إيران كميات من الصواريخ يسد الحاجة.
ومثل روسيا، تعتمد إيران على نفسها عندما يتعلق الأمر بإنتاج الصواريخ، ولكن العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، حدّت من قدراتها الإنتاجية. وتريد إيران زيادة حجم الإنتاج من الصواريخ كي تواصل استعراض عضلاتها بالمنطقة. ففي 2020 أطلقت صواريخ ضد قاعدة عين الأسد في العراق، ردا على اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، مما أدى لإصابة 100 جندي أمريكي.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، اكتشفت البحرية الأمريكية 70 طنا من مادة “إي بي” على متن سفينة في خليج عُمان كانت في طريقها إلى اليمن من إيران. واعتقد المسؤولون الأمريكيون أن الحمولة كانت للمتمردين الحوثيين الذين تدعمهم طهران، ولهذا أغرقت البحرية السفينة.
المصدر: “القدس العربي”