إعادة التفكير والتسليح نتيجة العدوان الروسي

تزيد الحرب التي شنها بوتين على أوكرانيا منذ أكثر من سنة معاناة الأوكرانيين ويهرب الملايين من أهوال الحرب تاركين منازلهم بينما يلقى المئات حتفهم. ولا تقتصر حرب بوتين على قتل الأوكرانيين وتدمير منازلهم وحياتهم فحسب بل تشكل تهديدات غير مسبوقة لأوروبا، الأمر الذي لا بد من أخذه في عين الاعتبار عند دراسة آفاق السلام ومستقبل الفضاء الأوروبي. كما تدفع العمليات الجارية في وسط أوروبا والتوسع الروسي الإقليمي الصارح أوروبا إلى إعادة التفكير في جوهرها وحتى إعادة تسلحها.

وخلال القمة البريطانية الفرنسية التي عقدت في باريس قبل أيام قليلة اعترف سوناك وماكرون بروسيا باعتبارها أكبر تهديد للأمنين الأوروبي والعالمي على حد سواء. ولذا تسعى كل من لندن وباريس إلى تعزيز دعمهما العسكري للقوات المسلحة الأوكرانية لتكتسب ميزة حاسمة في ساحة المعركة. كما دعا الزعيمان جميع الدول إلى عدم دعم روسيا عسكرياً تارة وزيادة المساعدة العسكرية لأوكرانيا لوضع حد لهذا الحرب تارة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، علم أن بريطانيا وفرنسا تخططان لصنع أسلحة هجومية عالية الدقة استعداداً لمواجهة العدوان الروسي، كما يعتزم البلدان الحليفان زيادة إنتاج الأسلحة والذخيرة إذ أنهما يشارفان على استنفاد مخزوناتهما من الأسلحة والذخائر بسبب تزويدهما لأوكرانيا بها. وكان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ قد عبر عن عزمه مواصلة تقديم المساعدة إلى أوكرانيا مشدداً على أن التوجيهات الجديدة للخطة الدفاعية لحلف الناتو ستصع أساساً للتغيرات في قدرات الدول الأعضاء وضمان الردع بصورة ناجحة لسنوات قادمة من جهة، وستمكن من مساعدة أوكرانيا وضمان حماية كل شبر من أراضي الحلف من جهة أخرى.

إن الغزو الروسي لأوروبا ليس وهمياً بل حقيقي. ولذلك، يجب أن تكون أوروبا مستعدة لمواجهة التهديدات الروسية المحتملة لأن الحرب على أوكرانيا هي المرحلة الأولى لإعادة تقسيم العالم. كان دكتاتور الكرملين قد أكد مراراً وتكراراً أن الجمهوريات السوفيتية السابقة قامت بصورة اصطناعية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، ووصف ذلك بأنها أكبر كارثة جيوسياسية. والآن، يرى خبراء ومحللون أن الديكتاتور الروسي يطمح إلى إحياء الاتحاد السوفيتي المنهار والمجد الإمبريالي الروسي وهو يمارس السياسة الخارجية العدوانية. في وقت سابق تحدى الكرملين الولايات المتحدة محاولاً إظهار أدوات نفوذه السياسي والعسكري حينئذ طلب عدم وجود الناتو في أوروبا متهماً الغرب بأنه يشكل تهديداً وجودياً له. في المقابل، روسيا نفسها تشكل تهديداً وجودياً للغرب.

لتبرير العدوان والإرهاب تواصل الدعاية الروسية إقناع المواطنين الروس بأنهم يحاربون حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا من جانب وإقناع المجتمعات الغربية بأنها متورطة في هذه الحرب من جانب آخر. في الحقيقة، الناتو لا يتحمل بأي حال من الأحوال المسؤولية عن اندلاع هذه الحرب ولا يرسل قواته إلى أوكرانيا بل بدأ يتوسع رداً على التهديد الروسي حيث تقدمت كل من السويد وفنلندا بطلب العضوية في الحلف تحسباً للهجوم الروسي. بدوره، يقتنع بوتين بأن الغرب وعد بعدم توسع الناتو إلى الشرق عام 1990. وفي هذا الصدد، الجدير بالذكر أن التصريحات المماثلة التي جاءت قبل تفكيك الاتحاد السوفيتي من حين إلى آخر كانت تخص ألمانيا الشرقية حصراً في سياق توحيد ألمانيا، وفي الحقيقة لم تطرح مسألة توسع الناتو للنقاش أبداً. وبالتالي، ما الذي دفع الحلف إلى تقوية جناحه الشرقي هو ضم روسيا غير القانوني لشبه جزيرة القرم عام 2014، والآن الحرب التي يشنها بوتين في قلب أوروبا.

يرى بعض المحللين أن أوكرانيا نفسها ليست هدفاً لموسكو بل نقطة الإنطلاق لإعادة تقسيم الأراضي وبداية التوسع الإقليمي الروسي. ويعتبر الكرملين الحرب على أوكرانيا أنها المرحلة الأولى للتصعيد. ومن غرض إطلاق بوتين العملية الخاصة في أوكرانيا زعزعة استقرار الناتو والاتحاد الأوروبي. ولو نجحت خططه لأدى الابتزاز الروسي بالطاقة والقوة العسكرية إلى اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية كلياً.

ولذا، لا يدافع الشعب الأوكراني عن موطنه فحسب بل يدافع أيضاً عن مستقبل أوروبا. لو انتصرت روسيا لما توقف بوتين بل ذهب أبعد من ذلك، مثلاً، سعى إلى شن حرب هجينة على دول البلطيق وبولندا ورومانيا وزعزعة استقرار المنطقة بأكملها. ولا يمكن لشيء حماية سلامة أراضي أوكرانيا وأوروبا بأكملها من العدوان الروسي إلا انتصار أوكرانيا والدعم الأوروبي والعالمي القوي لها.

ومن الواضح أن بوتين لا يفهم لغة المفاوضات بل لغة القوة. وفي ظل إنشاء التحالف العالمي دعماً لأوكرانيا لا بد من إنشاء تحالف مناهض لبوتين يمكن من تحييد أكبر تهديد للعالم منذ الحرب العالمية الثانية. ولا يمكن الثقة ببوتين لأنه قوض منظومة الأمن الدولي منتهكاً المعاهدات والقوانين الدولية. وأفضل مفاوض وخصم لبوتين هو القوات المسلحة الأوكرانية المدافعة بشجاعة عن سيادة بلادها وأوروبا الموحدة. ويمكن تعزيز القوات الأوكرانية عن طريق مواصلة الدعم لها عسكرياً وسياسياً وتشديد العقوبات ضد روسيا وتعجيل عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. لقد أثبت العدوان الروسي أن نظام بوتين الإجرامي لن يتوقف في أوكرانيا وسينتقل إلى حرب دموية في أوروبا. ولذلك، من المهم مواصلة تسليح الجيش الأوكراني لضمان السلام في القارة الأوروبية.

eupoliticalreport.eu مصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى