منذ تشكيل الحكومة العراقية الأخيرة برئاسة محمد شياع السوداني، برزت أزمات يتعلق بعضها بانخفاض سعر الدينار مقابل الدولار وعمليات الفساد الكبيرة وقانون الانتخابات، لكن في الخلفية، كانت هناك أزمات أخرى تتشكل على وقع قرارات حكومية وبرلمانية يحذر مراقبون من أنها قد “تقود البلاد نحو نموذج ديني متشدد، يشبه النموذج الأفغاني أو الإيراني”.
ويقلق هؤلاء من أن “النهج العام للتضييق” بدا وكأنه جهد منسق بين “البرلمان والحكومة والقضاء” يتجه بالبلاد إلى مزيد من “الأصولية الدينية” مرسخة بقوانين وقرارات حكومية وقضائية وبرلمانية “من دون شرعية دستورية، فضلا عن أنها مكلفة اقتصاديا، ولها تأثيرات اجتماعية سيئة، تمثل خرقا لحقوق الأقليات”، وفقا لجمع من المحللين والقانونيين والبرلمانيين تحدث معهم موقع “الحرة”.
البداية كانت من القضاء
بعد تشكيل الحكومة الحالية بقليل، وهي حكومة مدعومة من أحزاب اسلامية شيعية، بدأ القضاء بملاحقة عدد من المدونين وصناع المحتوى على مواقع التواصل بتهمة “صنع المحتوى الهابط”، وحكمت المحاكم العراقية على عدد منهم بأحكام وصلت إلى السجن عامين.
وأثارت هذه الأحكام جدلا داخل البلاد، لكن المعارضة الشعبية “لم تكن كافية لحمل الحكومة على تغيير نهجها”، كما يقول المحلل السياسي علي المعموري لموقع “الحرة” مضيفا أن “الحكومة وداعميها توسعوا في التضييق على الحريات من خلال فرض حظر على المشروبات الكحولية والمواقع الإلكترونية”.
وبعد الملاحقة القضائية للمدونين بقليل، فرض البرلمان حظرا على استيراد وتصنيع المشروبات الكحولية، في قرار مثّل سابقة في البلاد، وأثار قلق الأقليات الدينية، كما يقول النائب المسيحي، أسوان سالم، لموقع “الحرة”.
ويضيف أسوان أن هناك “جهودا لنقض تلك القوانين ودعاوى مرفوعة ضدها”، حيث إنها “تؤثر على المسيحيين والإيزيديين”.
لكن تلك الجهود غير مضمونة النجاح، بحسب قانونيين شاركوا برفع قضايا لنقض قرار البرلمان الأخير، وقالوا إن “البيئة الحالية قد تدفع بالقضاء إلى رد طعوننا على تشريع مجلس النواب” حيث يبدو المزاج العام متجها نحو التشدد.
وبعد البرلمان والقضاء، فرضت الحكومة ممثلة بوزارة الاتصالات حظرا على “المواقع الإباحية”، وبينما مر هذا القرار من دون اعتراض كبير، عادت وزيرة الاتصالات هيام الياسري لتعلن قبل يومين في حديث لقناة “العهد” التابعة لميليشيا “عصائب أهل الحق” الموالية لإيران، نيتها أيضا “حظر مواقع الإلحاد والمثلية”.
وقالت الوزيرة إنها “تتشرف باتباع الأوامر الدينية”، بما يخص حظر هذه المواقع، لكنها قالت أيضا إنها “تستند إلى القانون وإلى قرارات مجلس النواب”.
ويقول الخبير السياسي علي المعموري إن “الناظر إلى الصورة الكبيرة يرى منهجية واضحة بفرض التشدد، وسياقا مدروسا متدرجا في القرارات، ويعتمد على الرفض العام لعناوين مثل المواقع الإباحية والكحول، لتمرير أجندة متشددة تضيّق على الحريات ومنها الحرية الفكرية”.
الأساس القانوني للقرارات
وكان البرلمان العراقي قد أصدر قرارا عام 2015 يطلب فيه من وزارة الاتصالات حظر المواقع الإباحية، وصادق رئيس الجمهورية آنذاك، فؤاد معصوم، على القرار، ونشر في الجريدة الرسمية.
ويقول الخبير القانوني حيان الخياط إن “النص الذي تستند إليه الوزيرة هو قرار برلماني وليس قانونا نافذا، بمعنى إنه نص غير ملزم”.
ويضيف الحيان لموقع “الحرة” أن “الحظر لا يجوز إلا بقانون، ومادام لا يوجد هناك قانون فإن الجهات التنفيذية لا تستطيع تنفيذ مثل هذه القرارات”.
وفي الحقيقة فإن مجلس النواب ذاته نشر بحثا قانونيا يقول إن القرارات التي يتخذها غير ملزمة قانونا وقابلة للطعن بها وعدم إنفاذها.
ويقول البحث إن “صلاحية واختصاص إصدار قرار نيابي من قبل مجلس النواب في العراق تحتاج إلى نص دستوري […] إن هذا القرار يكون ملزم التنفيذ من قبل السلطة التنفيذية أو الهيئات أو المواطنين إن اقتضى ذلك وبخلاف ذلك فان هذه القرارات التي يصدرها مجلس النواب يمكن الطعن بها وعدم نفاذيتها”.
منهج عام للتضييق
ويقول النائب المستقل في البرلمان العراقي، سجاد سالم، إنه “يمكن ملاحظة منهج عام للدولة في التضييق على الحريات العامة والخاصة والانتقاص من الحقوق”، مضيفا “أفضل ما يعبر عن ذلك هو نهجهم في التشريع والذي يعبر بشكل واضح عن هذا النهج”.
ويضيف لموقع “الحرة” أن قوى الإطار (الشيعي المشكل للحكومة) تتصرف بهذا الشكل الغريب وتستهدف الحياة المدنية بطريقة ممنهجة”.
ويشير سالم إلى قوانين يحاول البرلمان إقرارها “تصادر حرية التظاهر وتضع محددات واسعة على حرية الفرد ويتضمن بعضها عبارات فضفاضة وأحكاما قاسية ضد حرية الرأي والتعبير في وسائل التواصل الاجتماعي وتنتقص من الحريات السياسية للتوجهات المدنية وتعبيراتها السياسية والحزبية”.
وبالإضافة إلى القضايا المرفوعة من قبل المسيحيين والإيزيديين، تطوع محامون عراقيون، مثل حسين السعدون، لمواجهة قرار حظر الكحول في المحكمة.
ويقول السعدون إن قرارات الحظر الأخيرة، بالإضافة إلى كونها قرارات ترسخ التوجه الديني المتشدد، تتشابه في كونها من دون سند قانوني.
ويضيف لموقع “الحرة” إن قرارات مثل حظر الكحول أو حظر مواقع على الإنترنت لمخالفتها التوجه الفكري أو الديني للحكومة هي قرارات غير قانونية، ولا تملك الحكومة فرضها من دون نص قانوني صريح مستند إلى الدستور “حيث إنه لا جريمة ولا عقاب إلا بنص” كما تشير القاعدة القانونية العراقية.
ويقول الخبير السياسي العراقي علي المعموري إن “المشكلة الحقيقية المقلقة وراء كل هذه القرارات هي النهج غير المدروس لها، حيث إنها تتم في بيئة لا تهتم بما يريده المنتمون إلى غير طيف الأحزاب الحاكمة الفكري أو الديني، وتهمش نسبة كبيرة من العراقيين، وتتخذ بشكل غير مدروس قانونيا أو اجتماعيا أو حتى اقتصاديا، مما يثير القلق والمخاوف من نهاية الطريق الذي تسير به الدولة حاليا”.
ويضيف المعموري “الأمر المخيف الأكبر إن التشدد يتم من ثلاثة محاور بوقت متزامن، حيث هاجم القضاء المدونين على مواقع التواصل، فيما حظر البرلمان الكحول، وتتجه الحكومة الآن لإغلاق مواقع إلكترونية بسبب الاختلاف الفكري معها”.
المصدر: الحرة. نت