لم يشكل ترشيح أمين عام حزب الله حسن نصرالله رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية بعد رئيس مجلس النواب نبيه بري مفاجأة للبنانيين، والمستجد الوحيد الذي طرأ في نظر كثيرين هو أن هذا الترشيح خرج إلى العلن.
غير أن توقيت إعلان الترشيح من قبل الثنائي الشيعي طرح تساؤلات عما إذا كان يهدف إلى فتح باب التفاوض على تسوية أو مقايضة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في ظل المعطيات الخارجية والداخلية، التي لم تتبدّل والتي تحول دون حصول فرنجية على أغلبية 65 صوتاً. وقد عبّرت أوساط مسيحية لـ “القدس العربي” عن “استيائها من تولي الثنائي الشيعي تقديم مرشح لرئاسة الجمهورية التي تمثل المنصب الماروني الأول في الدولة، مخالفاً بذلك نتائج الانتخابات النيابية وتحديداً ما أفرزته الساحة المسيحية ومزاجها العام، وكأن الثنائي يقول إنه مع إمساكه برئاسة مجلس النواب فهو من يقرّر رئيس الجمهورية الماروني خلافاً للإرادة الشعبية، التي ترفض رئيساً ينتمي إلى خط الممانعة ويشكّل انقلاباً على الخط المسيحي التاريخي. ومن شأن هذا الأمر أن يثير عصبية في الشارع المسيحي ولدى بكركي تؤدي إلى قطع الطريق أمام وصول رئيس المردة إلى قصر بعبدا”.
وقد ذهب بعض المحللين حد اعتبار “أن مجاهرة الثنائي الشيعي بترشيح سليمان فرنجية تمّ على قاعدة “قَتَلتَني مرّتين”. فقد قضى حزب الله على حظوظ فرنجية في المرة الأولى في استحقاق 2016 لصالح ميشال عون، ويهدّد بالقضاء عليه في المرة الثانية في غمرة الفيتوات التي تعترض طريقه وأولها من السعودية، إذ كان لافتا جولة السفير السعودي وليد البخاري على عدد من القيادات اللبنانية وفي طليعتها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حيث كان الطبق الرئيسي للبحث موضوع الرئاسة الأولى.
وجاءت جولة البخاري بعد تغريدة معبّرة حول حذف الساكن الأول إذا كان معتلاً والتي فُهم منها أنها حذف لفرنجية من المعادلة الرئاسية.
وفيما غادر البخاري من دون الإدلاء بأي تصريح، قال المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض: “السفير بخاري وضع البطريرك في أجواء لقاء باريس، كما أكد دعم لبنان للخروج من الأزمة والتزامه بدعم خريطة الإنقاذ ومبادرات الدول لخلق شبكة أمان”. وأضاف: “المملكة تؤكد ضرورة الخروج بحل لموضوع رئاسة الجمهورية، لكنها لا تدخل في الأسماء إنما هي مع رئيس إنقاذي غير متورط بقضايا فساد مالي وسياسي، وأن هناك توافقاً بين بكركي والمملكة على المواصفات التي يجب أن يتحلى بها الرئيس”. وأوضح غياض “أن السفير استعمل كلمة متفائل جداً خلال اللقاء، لأن التفاؤل يفتح أبواب الحلول ويخرجنا من أي حال سلبية نعيش فيها”. وتابع “البطريرك رد أن الإنسان يدير الأحداث وليس العكس”.
وعلى الرغم من المعلومات التي تقول إن الثنائي الشيعي استند في ترشيح فرنجية إلى عدم ممانعة أمريكية وفرنسية كما عبّرت السفيرتان دوروثي شيا وآن غريو للرئيس بري، فإن الإعلان لا يعني بالضرورة أن رئاسة فرنجية باتت مضمونة نظراً للألغام التي تعترض طريقه إلى بعبدا، ولا تقتصر فقط على رفض القوات اللبنانية والكتائب والأحرار وحركة “تجدد” وبعض التغييريين والمستقلين لترشيحه، بل تتعداها إلى موقف التيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل، الذي تُطرَح عليه إغراءات في السلطة وفي التعيينات مقابل السير بفرنجية، إضافة إلى محاولة استمالة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لكسب بعض الأصوات من داخل “اللقاء الديمقراطي”، مع العلم أن جنبلاط كان اقترح سلّة أسماء ليس بينها فرنجية ولا ميشال معوض للخروج من الانسداد الرئاسي.
بالموازاة، أكد نائب أمين عام حزب الله نعيم قاسم “أننا حرصاء على كل علاقاتنا في البلد وندعو إلى الحوار من أجل الوصول إلى نقاش الرئاسة”. ولفت إلى أن “البعض يقول لنا كيف نُحاوركم وأنتم طرحتم سليمان فرنجيه كمرشح تؤيّدونه وتدعمونه؟ نقول ما الإشكال؟ يجيبون إذا طرحتم فرنجيه ما نفع النقاش معكم؟”. وأضاف: “اطرحوا ما لديكم من أسماء ونضع كل الأسماء على الطاولة ونناقش مع بعضنا ونُفاضل بين الأسماء، ونرى القواسم المشتركة ونحاول أن نضع خطاً يُقرّب وجهات النظر، عندها من المؤكد أنه سيتقلص عدد الأسماء من عشرة إلى ثلاثة، وبعد ذلك يتقلص إلى اسمين، وقد نصل إلى مكان أن مجموعة من الأفرقاء يريدون هذا الاسم ومجموعة أخرى يريدون الاسم الآخر عندها نذهب إلى الانتخاب وينجح من ينجح ويفشل من يفشل”، سائلاً: “لماذا تخافون من النقاش والحوار؟ بعضهم يقول نحن حاضرون للحوار لكن احذفوا هذا الاسم، هذا ليس حواراً بل اشتراط لتوصلنا إلى ما تريد”.
وفي المواقف، رأى الأمين العام للكتلة الوطنية ميشال حلو أن “كلام حسن نصرالله يوضّح الأمور. وجواباً على كلامه نوضِّح الأمور أيضاً ونكرّر موقفنا: انتخاب سليمان فرنجية مرفوض ويؤدي إلى المزيد من الكوارث في البلد”.
ويلتقي موقف حلو مع ما ذكرته مصادر القوات اللبنانية لـ “القدس العربي” بقولها “إذا أمّن الثنائي الشيعي مع فريقه السياسي 65 صوتاً ونصاب الثلثين المحدّد بـ 86 نائباً لن نكون شركاء في هذه اللعبة، ولن نغطي رئيساً يمدّد 6 سنوات جديدة للأزمة اللبنانية ولعزلة لبنان العربية”.
المصدر: “القدس العربي”