تحاول إيران جاهدة وعبر استغلالها لكارثة الزلزال الكبرى، التي ضربت الشمال السوري وكذلك الجنوب التركي، أن تدخل من بوابة هذه الكارثة، مستفيدة من الوضع الصعب الذي حاق بالسوريين لإنجاز ماعجزت عن إنجازه في فترة زمنية سلفت، أي منذ أن وطئت قواتها وميليشياتها أرض وجغرافيا سورية. مع أنها (بالأصل) لم تتوقف مطلقًا من اقتناص الفرص، كل الفرص، من أجل تحقيق وإنفاذ مشروعها الفارسي/ الطائفي، التي طالما حلمت بتحقيقه ومد استطالاته، من طهران إلى بغداد، إلى دمشق وصولًا إلى بيروت، وهي اليوم تحاول مااستطاعت تحقيق الهيمنة والإبتزاز داخل سورية، في ظل وجود نظام/ عصابة، لم يعد يملك من أمره شيئًا، بعد أن سلم سيادة الوطن إلى روسيا وإيران، وراح يعبث بأرواح السوريين، بينما إسرائيل تنال منه، ومن إيرانه، صبحًا ومساء .
الكارثة الزلزالية التي فاق عديد ضحاياها من السوريين ٧٠٠٠ آلاف سوري، وجدت من يستغلها ويتكيء إليها، ولوجًا أكثر وأكثر في الهيمنة والاستغلال الإقتصادي والمعيشي، والعوز الذي أوصل به النظام ومن معه كل السوريين إلى أن يكون ما ينوف عن ٩٠ بالمئة من الشعب السوري تحت خط الفقر، وأكثر من ٦٥ بالمئة منه تحت خط الفقر المدقع. فقد وجد الإيرانيون كارثة الزلزال فرصة سانحة لإعادة التموضع والهيمنة، وانتهاك الحرمات، بل وانتهاك الأوضاع الصعبة للسوريين، فراحوا يمارسون شتى أنواع الاستغلال، عبر الترهيب تارة، والترغيب تارة أخرى، ففي حلب مثلًا تعلن الميليشيات الإيرانية ومن يتبعها عن استعدادها لتسليم السوريين المتضررين، من الزلزال، أو بعضًا منهم، شققًا ىسكنية بديلاً عن التي كانت قد تشققت أو تهدمت جراء الزلزال.
وقد أكد موقع “ماكور ريشون” الإسرائيلي إرسال مئات من الشاحنات الإيرانية تحت صفة معونات إنسانية إلى سورية بعد كارثة الزلزال، لكن الواقع يؤكد أنها تحمل أسلحة حديثة، وأشار إلى أن هناك منظمات (مدنية إيرانية) تتبع الحرس الثوري الإيراني، بدأت العمل شمال سورية وخاصة في مدينة حلب، لشراء منازل متضررة بأسعار زهيدة، وإن إيران/ الملالي تستغل الزلزال الذي ضرب سورية (كما قال ماكور ريشون) لإرسال عدد من الشاحنات المحملة بمساعدات إنسانية، تشمل معدات طبية وغذائية، لكنها أيضاً تحمل أسلحة وذخيرة.
وبحسب تقرير استخباراتي أعده معهد “ألما” الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية، ” إنه خلال فبراير (شباط) الماضي، دخلت أكثر من ألف قافلة إيرانية إلى سورية، وكانت أكبر بعدة مرات من القوافل التي أرسلتها دول أخرى، ما يثير الشكوك حول وجود “جهد منظم للتهريب”.
وتجدر الاشارة إلى أنه “قد غادرت معظم بعثات الإغاثة شمال سورية بعد أيام قليلة، عندما تراجع الأمل في العثور على ناجين تحت الأنقاض، لكن هناك من جاء ولم يغادر مطلقًا من الحرس الثوري”.
وبحسب الموقع، وصل العميد إسماعيل قآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إلى مدينة حلب السورية فور وقوع الزلزال، للإشراف على تقديم المساعدات ، وقد أشرف على استلام أسلحة وذخائر كانت مخبأة داخل شحنات المساعدات.
بتاريخ 25 شباط/ فبراير (كما قال تقرير المعهد الإسرائيلي)، كان هناك نحو ألف قافلة غادرت إيران أو القواعد الإيرانية ووصلت إلى سورية، ففي 24 فبراير (شباط) وصلت قافلة إيرانية مؤلفة من 80 شاحنة من مدينة كربلاء العراقية، إلى اللاذقية. ووصلت في اليوم نفسه قافلة من 233 شاحنة من إيران إلى منطقة حلب، وفي 20 فبراير (شباط)، انطلقت قافلة من 150 شاحنة من قاعدة اللواء 42 التابع للحشد الشعبي العراقي التي تعمل تحت إشراف الحرس الثوري نحو حلب، معلقاً: “لم يتضح حجم الأسلحة والذخائر التي تم نقلها في هذه القوافل”.
وتؤكد مصادر مطلعة أن القوافل معدة لتهريب الأسلحة والذخائر من منطلق أن القوافل الإيرانية غير عادية من حيث الحجم وهي تناسب حمل أسلحة ومعدات كبيرة الحجم.
وبحسب تقرير (ألما)، فإن الحجم الهائل للقوافل الإيرانية يوحي بأن هذه محاولة لنقل معدات وأسلحة إيرانية إلى سورية ومن هناك إلى لبنان. ومن الواضح أنها تُستخدم لتعزيز المؤسسة الإيرانية في سورية بشكل عام وفي حلب بشكل خاص.
الباحث (تال باري) من معهد (ألما) ، قال: إن “فيضان” الشاحنات مستمر حتى الآن، بعد ثلاثة أسابيع من الكارثة، مشيراً إلى أن القليل فقط من المساعدات جاءت من إيران جواً، عبر مطارات دمشق وحلب واللاذقية. ويوضح (باري): “في الأسبوعين التاليين للزلزال، هبطت 7 طائرات إيرانية في المطارات السورية، من أصل 100 طائرة”. وقال الموقع إن الإيرانيين لا يستخدمون الأسلحة فقط لتعزيز قبضتهم على سورية حيث يوضح باري: “إنهم يستغلون أيضاً الوضع الإنساني الصعب” في مدينة حلب أيضاً، حيث يسيطر نظام الأسد منذ احتلها عام 2016، يبدو المستقبل بعيداً عن أن يكون لامعاً. فبينما أعلنت روسيا وإيران وسلسلة أخرى من الدول عن أنها سترسل مساعدات إنسانية، فإن سكان مدينة حلب إحدى النقاط التي تضررت بالشكل الأشد في الهزة الأرضية، يشككون في جاهزية النظام للمساعدة.
والإيرانيون يمارسون هذه الانتهاكات، ويرون أنها قد تكون فرصة لزيادة القبضة والتواجد والهيمنة على سورية. وكانت قد استخدمت إيران في الماضي المطار العسكري في حلب لنقل السلاح لجماعاتها في سورية، وادعت مصادر أجنبية أن إسرائيل هاجمت المكان بهدف وقف الإرساليات. أما الآن فيمكن لإيران أن تتموضع في المنطقة بشكل عادي تحت مظلة حماسة المساعدة الإنسانية. يقول دوغ باندو، كبير الباحثين في معهد كانو الأميركي :” إن زيادة في السلع والمساعدات طبيعي أن يمنح الفرصة لتهريب الأسلحة إلى سورية من قبل إيران”. ويشير الباحث إلى أنه ليس هناك خيار آخر غير زيادة المساعدة في ظل الكارثة الكبيرة للزلزال.”
كما يعتقد خبير الاستخبارات والأمن الإسرائيلي، العميد (يوسي كوبرفاسر)، وهو باحث في منتدى أمن (الدفاع الإسرائيلي)،أن “إيران استغلت في السابق مثل هذه المآسي لنقل الأسلحة، لذلك فإنها قد تحاول أن تقوم ذلك مجددًا وتنقل أسلحة متقدمة إلى سورية. ثم يقول الخبير الإسرائيلي (كوبرفاسر): “تواصل إيران استغلال الضعف السوري والاعتماد على المساعدات الخارجية لتعزيز الاستراتيجية الإيرانية للهيمنة الإقليمية ونشر الأسلحة “.
وفي حلب فقد فتح الزلزال فرصة كبيرة أمام ميليشيا “الحشد الشعبي” للعمل بشكل علني في سورية من جهة، وأمام إيران من جهة أخرى، لنقل الأسلحة إلى سورية ولبنان داخل قوافل المساعدات.
كما سارعت “قوات الحشد الشعبي”، بقيادة كلٍّ من فالح الفياض، المدرج على قائمة انتهاكات حقوق الإنسان الأميركية، ورئيس أركان “الحشد الشعبي” عبد العزيز المحمداوي /أبو فدك، المصنّف على قائمة الإرهاب الأميركية، إلى إطلاق حملة مساعدات إنسانية لسورية تحت تسميات مختلفة، منها “سيدة الشام زينب” و”بعثة الإغاثة العراقية”. وفي حين يتولى أبو فدك إدارة عمليات المساعدة، حيث تم إرساله إلى سورية للإشراف المباشر على جهود الإغاثة، يعمل على تسهيل القوافل على الجانب العراقي من الحدود قاسم مصلح، قائد عمليات الأنبار في “الحشد الشعبي”، الذي أوقفه العراقيون في عام 2021 فيما يتعلق بمقتل ناشط على يد عناصر من الارهابيين عام 2020.
كما عمد المسؤولون في “الحشد الشعبي” على استغلال الكارثة للتأثير على الحملات الدعائية في وسائل الإعلام العراقية والإيرانية على حدٍّ سواء، ففي حلب، عُثر على لافتة تشكر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني و”الحشد الشعبي” وأبو فدك “على دعمهم الشجاع للشعب السوري”. كما قيل، وقد نشر “الحشد الشعبي” المئات من عناصره الذين أنشأوا مستشفيات ميدانية ومطابخ ومراكز للتبرع بالدم على الأرض، مع الإشارة إلى أن مركبات المساعدة غالباً ما حملت مزيجاً من أعلام “الحشد الشعبي” وجمهورية العراق. وعملت وسائل الإعلام الإيرانية على التعظيم من شأن مساعدات “الحشد الشعبي” من خلال الإشادة بجهوده، في دلالة وثيقة على احتمال وجود تنسيق على مستوى الإعلام والرسائل بين طهران و”الحشد الشعبي” ، ومن جهتها، وصفت وسائل الإعلام التابعة لـ “الحشد الشعبي” جهودها بأنها واجب ديني من السلطات في النجف لدعم جيرانها السوريين، مستمدةً الشرعية من المؤسسة الدينية الشيعية “.
في 10 شباط/فبراير، التقى مايسمى أبو فدك مع بشار الأسد وسط الأنقاض في حلب (التي نتج بعضها عن الزلزال وبعضها الآخر نتيجة تدمير الأسد للمدينة في السنوات السابقة). ثم سافر إلى اللاذقية حيث التقى بالمحافظ وأبلغه بآخر المستجدات حول جهود الإغاثة التي تبذلها “قوات الحشد الشعبي”، ولاحقاً التقى أبو فدك بوزير الإدارة المحلية حسين مخلوف، الذي قدم لأبو فدك كتاب شكر ودرعاً فخرياً، تقديراً للمساعدات التي قدمها “الحشد الشعبي” لسورية، وعكست زيارات أبو فدك تلك التي قام بها قائد “فيلق القدس” التابع لـ «الحرس الثوري الإيراني» إسماعيل قاآني، الذي أرسلته حكومته أيضاً للإشراف على جهود الإغاثة المُدَّعاة، والتي جاءت برسائل سياسية وأيضًا للتغطية على حجم السلاح الكبير والنوعي الذي تم استغلال كارثة الزلزال لنقله إلى سورية ولبنان منتهكًا بذلك حرمة الشعب السوري، والقوانين الدولية.
المصدر: وكالة ثقة