يحار الشعب السوري المهجر قسريًا، من قبل نظام المقتلة الأسدية إلى جنوب تركيا، إلى أين يذهب بعيدًا عن الزلازل المدمرة التي ضربت ومازالت الجنوب التركي والشمال السوري، كما يعيش الشعب التركي في ولايات الجنوب حالة من الخوف والذعر لم يسبق لها أي مثيل. ولسان حال الجميع يقول إلى أين الذهاب وإلى أين المستقر؟ والأرض تمور تحت أقدامنا وعديد الضحايا تجاوز الخمسين ألفًا لكلا الشعبين.
ولعل هذه الزلازل المتتابعة وهزاتها الارتدادية التي لم تتوقف فصولاً بعد، قد ساهمت حثييثًا في زيادة الجراح للسوريين، ووضعتهم في حالات من القهر والألم تتراكم إثر بعضها البعض، لكن القضية أيضًا وهي محل تساؤلات متواصلة ماالذي ستتركه هذه الزلازل من تداعيات على مجمل الواقع السوري المر والمتلبد بالغيوم، حيث لاآفاق مستقبلية ترجى من متغيرات تجري على الأرض قد لاتؤدي إلى انفراجات، كان يأمل بها الشعب السوري المكلوم، وهو يكمل عامه الثاني عشر في ثورته الظافرة، ويستمر في معاناته التي لايبدو أنها سوف تنتهي. تداعيات الزلزال أو الزلازل ستترك آثارها السلبية إلى زمن قادم، وسوف تكون تداعيات يحاول أن يستفيد منها نظام العسف الأسدي، وهو ما لاحظناه خلال الايام التي تلت الزلازال المدمرة، عبر استغلال واضح من قبل النظام للحالة الإغاثية، وصولًا إلى العمل على فتح العلاقات البينية مع الأنظمة العربية، والتوجه تسللاً إلى بعض الدول العربية، في وقت كان هناك استحالة في إنجاز ذلك قبل كارثة الزلازل،
حيث تدخل بعض الدول إلى دمشق ضمن ذريعة التجاوز ورسم ملامح جديدة لمرحلة تعتبر أنها مختلفة لإنقاذ نظام الإجرام الأسدي ضمن واقع اقتصادي/ معيشي كان قد أوصل به شعبه إلى حافة الموت جوعًا، بعد أن أوصله إلى الموت قهرًا، والموت قتلاً ومن ثم الموت سياسيًا.
هي محاولة من بعض النظم إلى إعادة تأهيل النظام واستيعابه في الجامعة العربية، بينما مايزال هذا المجرم يصر على عدم الولوج في الحل السياسي، ورفض كل المبادرات الدولية لإنجاز أي تحرك جدي في العملية السياسية، ويشهد من حضر اجتماعات مايسمى( اللجنة الدستورية) المعطلة أنها لم تتقدم ولا سنتمتر واحد عبر جولاتها الثمانية المنصرمة. وهو ومعه روسيا وإيران من عطلوا قبل ذلك مسار جنيف المتعلق بالوضع السوري، وهم أيضًا من ساهموا في اللعب في القضية السورية عبر مسار أستانا سيء الذكر، والذي ساهم في قضم المزيد من الأراضي السورية لصالح النظام وداعميه من ميليشيات إيرانية وسواها.
التداعيات على الشعب السوري من هذا الزلزال وما بعده، سيستثمرها النظام السوري ويستغلها بقدر مايستطيع في محاولته العودة إلى التعاطي معه، وكأنه لم يفعل شيئًا، بل وكأنه لم يقتل من السوريين أكثر من مليون إنسان سوري، وتدمير ماينوف عن 65 بالمئة من البنية التحتية السورية، وتهجير نصف السوريين بين نازحين ولا جئين، وزج مايزيد عن 900 ألف إنسان في غياهب السجون، حيث لايعرف أحد مصائرهم.
كما أن هذا الزلزال/ الكارثة سيترك آثاره طويلة الأمد على الشعب التركي سياسيًا وانتخابيًا، حيث تحاول المعارضة استغلال ذلك واستثماره لصالحها في محاولة منها للحصول على مزيد من التقدم في صندوق الانتخابات القادمة، رغم الجهود التي يراها القاصي والداني من حيث تبذل لأجل لملمة الجراح وإنقاذ مايمكن إنقاذه، في ورشة عمل متواصلة لحماية ماتبقى من الناس ومساعدة المتضررين.
ومع ذلك فإن ماجرى من اهتمام وعمل واضحي من مؤسسات الدولة التركية سيترك (إن شاء الله) آثاره الإيجابية لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة للاشتغال المتميز الذي لحظه كل صاحب ضمير من قبل الأجهزة والهيئات المعنية في تركيا.
إن مجمل هذه التداعيات على الشعبين التركي والسوري، سوف تعيد إنتاج الواقع من خلال معطيات جديدة متجددة، والأمل بالله أن تكون إيجابية في واقعها المتحرك، رغم الواقع السوري المر الذي لايخفى على أحد.
المصدر: إشراق