بالتزامن مع ذكرى مرور عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، يتحدث المحلل العسكري بمعهد أبحاث السياسة الخارجية ومقره الولايات المتحدة، روب لي، لـ”إذاعة أوروبا الحرة”، عن كيفية تطور أسوأ صراع شهدته في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وتوقعاته لسيناريوهات نهاية الحرب التي أدت لمقتل عشرات الآلاف وخروج ملايين من ديارهم وتضرر الاقتصاد العالمي.
وفي 24 فبراير 2022، أرسل بوتين قواته لغزو أوكرانيا فيما كان يُفترض أن يكون “عملية خاطفة”، لكن الهجوم تحول إلى حرب مدمرة، وبعد عام على اندلاع النزاع لا تلوح أي بوادر في الأفق.
وطرحت “إذاعة أوروبا الحرة” مجموعة من الأسئلة على المحلل العسكري روب لي فيما يخص الغزو الروسي وتوقعاته لمستقبل الحرب:
“إذاعة أوروبا الحرة”: عندما بدأ الغزو قبل عام.. هل كنت تعتقد أنه سيستمر كل هذا الوقت؟
روب لي: اعتقدت أنه من المحتمل أن يكون “أقصر”، واعتقدت أن روسيا كانت تحاول تحقيق المزيد من الأهداف المحدودة، لكن ما اكتشفناه هو أن القادة الروس لم يكونوا مستعدين للخروج من هذه الحرب، ولا يزال لديهم أهداف طموحة للغاية يريدون تحقيقها.
ومن الواضح أن هذه الحرب كانت مدعومة بمجموعة متنوعة من الافتراضات الخاطئة حول “الجيش الروسي، والجيش الأوكراني، والأوكرانيين بشكل عام”.
لذا نعود للسؤال عن سبب استمرار الحرب، أعتقد أن القيادة الروسية عاشت في عالم منفصل لقد كانت بعيدة كل البعد عما كان ممكنا، وبعيدة عن الحقائق على الأرض، واستند اتخاذ قراراتهم إلى معلومات سيئة حقا، وأعتقد أن هذا لا يزال صحيحا على الأرجح.
ولا أعتقد أن الحرب ستنتهي في أي وقت قريب في هذه المرحلة، لقد بذلت روسيا الكثير من أجلها وقد تكبدت خسائر فادحة، إنهم يريدون (الروس) أن يبتعدوا عن نوع ما من الأهداف التي تم تحقيقها.
لكن ليس من الواضح بالنسبة لي ما الذي ستكتفي به روسيا في هذه المرحلة، إذا تحسن الوضع العسكري، فمن الواضح أنهم يريدون المزيد، إنهم يريدون كل دونباس وأكثر من ذلك، يريدون تنازلات كبيرة من أوكرانيا.
وخلال عام من الحرب، سيطرت القوات الروسية على حوالي “خمس الأراضي الأوكرانية” والتي تتضمن مساحات شاسعة من منطقتي خيرسون وزابوريجيا في الجنوب بما يشمل المفاعل النووي هناك كما تسيطر تقريبا على كل لوغانسك وعلى نحو نصف دونيتسك، حسب “رويترز”.
وفي العام الماضي، أعلنت روسيا من جانب واحد ضم المناطق الأربعة في خطوة نددت بها أغلب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بوصفها غير قانونية، ولا تسيطر موسكو بشكل كامل على أي من المناطق الأوكرانية التي أعلنت ضمها.
وتشكل منطقتا لوغانسك ودونيتسك معا إقليم دونباس، المركز الصناعي لأوكرانيا الذي تحتله روسيا الآن جزئيا وتسعى للسيطرة عليه كاملا، وفقا لـ”رويترز”.
“إذاعة أوروبا الحرة”: ماذا عن الوضع العسكري الحالي ولا سيما في دونباس؟
روب لي: منذ البداية، كان لأوكرانيا دائما مواقع دفاعية قوية جدا في دونباس، وكان الأوكرانيون يتوقعون دائما أن يحدث أي نوع من تصعيد الحرب هناك.
لذلك بمجرد أن بدأت الحرب تركز على دونباس، فكرت كييف في كيفية الدفاع عنها، على عكس المناطق الأخرى التي لم يكن لدى أوكرانيا فيها مواقع معدة وخطة للدفاع.
وإذا كنت تحاول مهاجمة خصم دفاعي يدافع بعمق ولديه ما يكفي من القوات والمدفعية والمراقبة فمن الصعب الاختراق.
وإذا نظرت إلى ما حدث في “خيرسون وخاركيف” خلال الهجمات الأوكرانية الناجحة هناك، فإن القوات الروسية كانت ضعيفة للغاية، ولم يكونوا في وضع جيد للدفاع ولم تكن نسب القوة في الخط الأمامي جيدة جدا، لذلك تمكنت أوكرانيا من اختراق تلك الخطوط بعدما وجدت بها ضعف واستغلته.
وفي الثاني من أبريل 2022، أعلنت أوكرانيا تحرير منطقة كييف بأكملها بعد “الانسحاب السريع” للقوات الروسية التي أعادت انتشارها في الشرق والجنوب من أجل “الحفاظ على سيطرتها” على الأراضي التي تحتلها هناك، وفقا لـ”فرانس برس”.
وفي بداية سبتمبر 2022، أعلن الجيش الأوكراني هجوما مضادا في الجنوب قبل أن يحقق اختراقا مفاجئا وخاطفا للخطوط الروسية في الشمال الشرقي، ويرغم الجيش الروسي على الانسحاب من منطقة خاركيف التي كانت مسرحا لمعارك عنيفة.
في الجنوب، هدفت العملية إلى استعادة خيرسون الواقعة على الضفة الغربية لنهر دنيبر والعاصمة الإقليمية الوحيدة التي سقطت في أيدي القوات الروسية في بداية الغزو، حسب “فرانس برس”.
وفي 11 نوفمبر 2022، وبعد يومين من انسحاب القوات الروسية، استعادت كييف السيطرة على خيرسون في “يوم تاريخي” كما وصفه الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.
روب لي: عندما ننظر إلى الخط الأمامي الآن، فهي في حالة يحتاج فيها الجانب المهاجم إلى مزايا معينة للتغلب على مزايا الدفاع، وعادة، يمكن أن يكون هذا التفوق العددي أو التفوق في المدفعية، سواء من حيث الجودة والكمية للمدفعية والذخيرة.
والمشكلة الآن هي أن أيا من الطرفين ليس لديه ما يكفي لتحقيق هذا النوع من التفوق، ولا يمتلك أي من الجانبين ميزة قدرة هجومية كافية لتحقيق تفوق كافٍ على جزء ضيق من الخط الأمامي للاختراق والاستغلال.
والمشكلة الكبيرة الأخرى هي أن كلا الجانبين يعتمد على الكثير من الجنود المحتشدين.
وعلى الجانب الأوكراني، فالجنود حريصون على القتال ولديهم معنويات جيدة، لكن الأمر لا يزال يستغرق وقتا لتدريبهم، لأن تدريب شخصا ما على كيفية الدفاع أسهل من تدريبه على الهجوم.
لذلك، بالنسبة لكلا الجانبين، حتى لو كان لديهما قوة بشرية كافية، فمن الصعب تحويل ذلك إلى قوة هجومية، لأن الأمر يستغرق وقتا لتدريب وتطوير تماسك الوحدة وهذا النوع من الأشياء.
وفي الوقت الحالي، تحاول روسيا شن عددا من الهجمات المكلفة على طول خط المواجهة، وفي باخموت، قاموا بهجوم طاحن منذ شهور، لقد حققوا بعض النجاح في الشهر الماضي لكن الأمور تباطأت، وفي فوليدار، قامت روسيا بهجوم فاشل إلى حد ما.
وفي محاولتها تطويق مدينة باخموت الصغيرة، أحرزت القوات الروسية تقدما لكنها فشلت في اختراق الخطوط الأوكرانية لتصل إلى الشمال بالقرب من كريمينا وإلى الجنوب في فوليدار وتكبدت خسائر فادحة في الهجوم الذي وضعها في مرمى نيران المدفعية الأوكرانية، وفقا لـ”رويترز”.
روب لي: بالنسبة للروس، فإن قوات مثل المشاة البحرية، وفرق المظليين، والقوات الخاصة، وفاغنر، التي يُساء استخدامها الآن كقوات هجومية، أصغر بكثير من القوة الكلية.
وهذه هي الوحدات التي يمكنها القيام بعمليات بشكل فعال كوحدة رائدة، لكن معظم الجيش الروسي لا يمكنه ذلك في هذه المرحلة.
وعلى الجانب الأوكراني، لا يمكنهم تكرار هجوم خيرسون لأنه كان مكلفا إلى حد ما.
“إذاعة أوروبا الحرة”: هل لدى روسيا ميزة القوة البشرية اللامحدودة، وهل يمثل ذلك مشكلة كبيرة لأوكرانيا؟
روب لي: نعم، لقد حشدت روسيا 300 ألف جندي، واستمر الروس في التعبئة منذ ذلك الحين، ويتحدث الناس عن “موجة ثانية”، لكنني أعتقد أنها مجرد تعبئة مستمرة، فهم يحشدون الناس باستمرار لتعويض الخسائر التي تكبدوها.
ولدى روسيا ما يكفي من الرجال للتعبئة، وحتى الآن، لا يبدو أن هناك رد فعل داخل روسيا يكفي لمنع بوتين من القيام بذلك ما يمكنه من مواصلة التعبئة، وهذا يمنح موسكو ميزة من حيث القوة البشرية.
وفي مواجهة سلسلة من الانتكاسات العسكرية، أعلن بوتين تعبئة شملت ما لا يقل عن 300 ألف من جنود الاحتياط منذ سبتمبر ٢٠٢٢، وفقا لـ”فرانس برس”.
“إذاعة أوروبا الحرة”: ما الذي تفتقر إليه أوكرانيا قبل أن تبدأ هجوما جديدا؟
روب لي: أعتقد أن هناك الكثير من الأشياء، والذخيرة جزءا منها، وعلى طول بعض الجبهات، ما زالت روسيا تطلق قذائف مدفعية أكثر بكثير مما تفعله أوكرانيا كل يوم، ومن الصعب دائما تنفيذ هجمات دون تفوق جوي، لذا فهذه مشكلة بالنسبة لأوكرانيا، لكن الهجوم هو عملية أسلحة مشتركة تتطلب هذه العناصر مجتمعة.
وهل تمتلك أوكرانيا ذخيرة مدفعية كافية للعملية؟، هل لديها ما يكفي من الذخائر الموجهة بدقة؟ هل لديها ما يكفي من “المركبات الجوية بدون طيار”، متوسطة المدى لتحديد الأهداف على بعد 20 أو 30 كيلومترا خلف الخط؟ أعتقد أن هذا أمر بالغ الأهمية لم نسمع عنه الكثير.
وتفتقر أوكرانيا إلى القدرة الهجومية بعيدة المدى، وبالنسبة لأي شيء يتجاوز نطاقه 80 كيلومترا، يمكن للروس أن يتكاسلوا نوعا ما، لكنهم لن يفعلوا ذلك إذا كان لدى كييف أسلحة طويلة المدى يمكنها ضربهم.
وأعتقد أن تلقي الدبابات الغربية سيكون مفيدا، لكنه لن يؤدي في حد ذاته إلى كسر الجمود، والذي سيعتمد على مجموعة متنوعة من الأشياء التي يمكن أن تمنح أوكرانيا إمكانات هجومية أكبر.
“إذاعة أوروبا الحرة”: ورد أن واشنطن حذرت أوكرانيا من أنه بسبب أسباب سياسية داخلية، قد يتراجع دعم كييف في الولايات المتحدة في الأشهر المقبلة، فهل تستطيع أوكرانيا الحفاظ على خط المواجهة الحالي إذا حدث ذلك؟
روب لي: هذا يعتمد، أعتقد أن توافر ذخيرة المدفعية قد يكون أكبر عامل حاسم في كيفية اندلاع الحرب هذا العام، تحتاج إلى ذخيرة للدفاع أقل مما تحتاج إليه للهجوم، عندما تهاجم، فأنت بحاجة إلى تلك الذخيرة لقمع النيران المضادة وضرب مجموعة متنوعة من الأشياء لمنح نفسك فرصة أفضل للنجاح.
وفي الربيع وأوائل الصيف كان الروس يطلقون كمية هائلة من ذخائر المدفعية كل يوم في دونباس، والآن لم يعودوا يطلقون النار كثيرا، لكنهم ما زالوا يطلقون النار قليلا.
وكان إطلاق النار الهائل في ذلك الوقت عاملا رئيسيا مساهما في سبب تحقيق الروس للمكاسب التي حققوها في ذلك الوقت، والتي كانت قليلة، لكنها ما زالت مكاسب.
وإذا انخفض عدد طلقات المدفعية التي تتلقاها أوكرانيا كل شهر، فسيحد ذلك من قدرتهم على القيام بعمليات هجومية ومن المحتمل أن يضطروا إلى تبني استراتيجية دفاعية أكثر لبقية الحرب.
وبالنسبة للروس فهم ينتجون ذخيرة مدفعية، ويتلقون طائرات مسيرة وصواريخ من إيران وهذا يساعدهم على تعويض النقص، ويقال إنهم يحصلون على ذخيرة مدفعية من كوريا الشمالية ويمكن أن يعوض ذلك عن بعض المخزونات التي فقدوها بالفعل.
“إذاعة أوروبا الحرة”: قيل الكثير عن أوجه القصور التي أظهرها الجيش الروسي خلال الحرب، ولكن ربما تكون المشكلة الرئيسية تتعلق بعدم قدرة الناس على إخبار رؤسائهم بالأخبار السيئة، فهل تتحسن الأمور؟
روب لي: لقد تحسنت بشكل عام، لكن ليس بما يكفي، ولا أعتقد أن الثقافة قد تغيرت كثيرا، ويبدو واضحا جدا بالنسبة لي أن بوتين لا يريد تلقي أخبار سيئة، وأن الجنرالات الروس يريدون إعطاءه أخبارا جيدة.
وهذا يعني أن الجنرالات الروس يريدون أخبارا جيدة من ضباطهم، وتلك العملية برمتها تسير على طول الخط.
وهذا يعني في بعض الأحيان أن الرجال يكذبون بشأن الأشياء للحفاظ على مواقعهم، لذا فإن بعض المشاكل تأتي من القمة، وما زلت أعتقد أن الكذب مشكلة مستمرة وأشك في أنه سيتم حلها في أي وقت قريب.
“إذاعة أوروبا الحرة”: قال العديد من المحللين، بمن فيهم أنت، إن هذا الصراع قد يستمر إلى ما بعد هذا العام، هل لديك أي فكرة عما تعتبره موسكو فوزا، ومن ناحية أخري ما هو الفوز بالنسبة لكييف؟
روب لي: لا أعرف ما هو الفوز بالنسبة لروسيا، وقد تستمر الحرب وقد يكون لديك خط سيطرة موسع مقارنة بما قبل عام 2022، ولست متأكدًا من استعداد أي من الجانبين للتفاوض في أي وقت قريب.
ولا أعتقد أن روسيا ستكون سعيدة بالرحيل، لقد أعاد الروس التركيز نوعًا ما على أهداف أكثر قابلية للتحقيق، لكن إذا اعتقدوا أن أوكرانيا تواجه صعوبة، فسوف يواصلون الحرب ويحاولون كسب المزيد من الأراضي أو حصد تنازلات أكبر من أوكرانيا.
ومن الواضح أنهم يريدون أكثر بكثير مما لديهم الآن، فهم يريدون احتلال كل أوكرانيا وتغيير النظام وإقامة نظام متوافق.
وحتى لو انسحب الروس دون تحقيق أي أهداف، فلا أعتقد أن هذا يمثل بالضرورة تهديدا لبوتين، وقد يكون قادرا على البقاء في السلطة لمجرد أنه أنشأ نظاما يتم فيه معاقبة المعارضة، ويتم تحفيز الناس على عدم التحدث علانية وتدريبهم على التفكير في أنهم لا يستطيعون إحداث التغيير.
وعلى الجانب الأوكراني، فهم يريدون استعادة كل أراضيهم، بما في ذلك كل من دونباس وشبه جزيرة القرم، أو على الأقل العودة إلى الوضع ما قبل 23 فبراير 2022.
لكن الشيء الرئيسي بالنسبة لأوكرانيا هو أن تظل دولة ذات سيادة وفي هذا الصدد فازوا بالفعل، ولن تستولي روسيا على كييف، الا في حال قطع إمدادات الذخيرة من الغرب تماما.
لا أعرف ما إذا كان بإمكان أوكرانيا استعادة كل الأراضي التي احتلتها روسيا، وقد تضطر كييف بدافع الإرهاق إلى القبول بأنها لا تستطيع استعادة كل الأراضي، لكني لا أعرف كيف يمكن أن يبدو خط المواجهة النهائي.
لكن من الواضح جدا ما فعلته قوات الاحتلال الروسية في أوكرانيا، وهذا يعطي حافزا قويا للغاية للأوكرانيين لمحاولة استعادة أكبر قدر ممكن من الأراضي.
ولا أعتقد أننا سنرى كييف تدفع باتجاه المفاوضات في أي وقت قريب، فقد قالت إن نقطة البداية لذلك هي العودة إلى حدود 24 فبراير.
المصدر: الحرة. نت