كارثة الزلزال… الحقيقة والأوهام

د. مخلص الصيادي

قدم فجر يوم الإثنين الماضي مشهدًا من مشاهد يوم القيامة، هكذا وصف كثيرون ممن نجوا من محنة الزلزال المزدوج ما عايشوه في صباح ذلك اليوم الذي لن ينسى، وصدقت مراكز الرصد والمتابعة هذا التوصيف، حينما أشارت إلى أنه واحد من أكبر الزلازل التي شهدها العالم، وأقوى زلزال تشهده المنطقة منذ الزلزال التركي الذي وقع في أغسطس من عام 1822  والذي بلغت شدته 7،4 ، وأنه غير جغرافية المنطقة عند التقاء الصفيحة العربية مع صفيحة الأناضول ، “الفالق العربي والتركي”، وكسر الزلزال المزدوج الذي وصلت قوته الى 7،8 ـ 7،6 الأرض على امتداد مسافة  350 كليو مترا ، وحرك اليابسة التركية” لوحة الاناضول”  ثلاثة أمتار نحو الغرب، وقدرت إدارة الكوارث التركية الطاقة التي أطلقها “الزلزال المزدوج” بما يعادل طاقة 500 قنبلة ذرية، وفي مركز هذه المنطقة كان نصيب “كهرمان مرعش” في تركيا، و “جنديرس”  في سوريا نصيب الأسد في الضحايا والدمار والإصابات.

غطى الزلزال في تركيا ولايات أضنة وأديمان وديار بكر وغازي عنتاب وهطاي “لواء اسكندرونة” وقهرمان مرعش وكيليس وملاطيه وعثمانية وشانلي أورفه، كما أصاب في سوريا محافظة حلب وإدلب وحماة والساحل السوري.

وحتى كتابة هذه الكلمات يكون قد مضى على الكارثة التي وقعت فجر يوم الاثنين 5/ 2 / 2023وصاحبتها عاصفة ثلجية قاسية ستة أيام، وقد تجاوز عدد الضحايا ست وعشرين ألف ضحية، والرقم إلى ازدياد، وتضاءلت فرص وجود أحياء تحت الأنقاض، وبات خبر الوصول إلى طفل، أو فتاة، أو رجل، أو امرأة، أحياء هو الخبر المفرح الذي تتناقله وكالات الأنباء بالصوت والصورة.

ومن بين هذا الرقم من الضحايا فإن نحو 15% من إجمال الضحايا وقع على الجانب السوري، (وفق بيانات رسمية هناك 22327 ضحية في الجانب التركي، وكذلك 4487 في الجانب السوري)، واقترب عدد المصابين من تسعين ألف مصاب في تركيا ونحو 7400 في سوريا، ولا شك أن هناك الكثير من القتلى والمصابين في الجانب التركي هم من السوريين اللاجئين المقيمين في تلك الولايات. وقد استقبلت الأراضي السورية جثامين مئات من السوريين الذين قضوا في الجانب التركي.

وقالت السلطات التركية إنها أجلت 93 ألف شخص من المتضررين في جنوب البلاد، وتم توزيع هؤلاء على عدد من المدن والبلدات المجاورة للمنطقة المصابة. وقدر عدد المتضررين بالزلزال بأكثر من عشرين مليون نسمة، منهم حسب مصادر أممية ستة ملايين في سوريا.

لقد وضع الزلزال الأتراك والسوريين في البوتقة نفسها، ليقدم عاملا جديدا من العوامل التي تجمع البلدين، عاملا له درجة من الثبات والموضوعية تفرض النظر إلى مستقبليهما نظرة التعاون والتكاتف والنصرة.

الزلزال الذي بلغت قوته 7،8 على مقياس ريختر، وبلغ عدد هزاته الارتدادية 1400 هزة ـ كان آخرها في غازي عنتاب اليوم ـ بشدته وآثاره غيًر المنطقة، وسيكون له تأثير أكبر في قادم الأيام.

ومنذ الساعات الأولى لهذه الكارثة لم تتوقف وسائط التواصل الاجتماعي عن بث المقالات، والموضوعات، والمقابلات، والتحليلات التي تتخذ من الحدث المفجع تكئة لها في الوصول إلى ما تبغيه، ومعظمها لا يريد أن يقف على حقائق ما حدث، وإنما يريد أن يوظف الحدث لصالح رؤيته تبريرا أو تفسيرا أو ترويجا.

ولا يقوم بهذا الجهد والتدفق أفراد، يغني كل على ليلاه، وإنما تقوم به جهات منظمة، ودول، وأحزاب، وجماعات، لها فيما تقوم به أهداف وغايات، ثم يتولى العامة من مستخدمي هذه الوسائط نشر وتعميم هذه الرؤى والنظريات والتطلعات، بفعل حب المشاركة، وبدافع إظهار المعرفة، والمشاركة في ترويج الغريب والمختلف من هذه الآراء، أي أنهم يقومون بوعي أو بدون وعي في الترويج لمستهدفات تلك القوى، ولعله من المفيد أن ننظر بتؤدة إلى تلك التدفقات لنقف على ما هو حقيق وما هو زائف منها:

1ـ هناك من ذهب إلى أن الزلزال نتاج مؤامرة دولية تستهدف تركيا والمنطقة، نتجت عن أفعال قامت بها أجهزة مخابرات أمريكية أو ناتوية أو روسية، وإن توقع البعض مسبقا بحدوث زلزال، يدل على أن الأمر مبيت، بل إن البعض شكك مشيرا إلى أن الزلزال قد يكون نتاج “تفجير نووي سري”…. الخ.

وهذا منهج في التعامل مع الأحداث قائم على فكرة التآمر، والعمل بالخفاء، وترتيب الأحداث والوقائع في الليل البهيم، ومن قبل قوى خفية لا تُدرك على حقيقتها، تجمع بين القوى المتناقضة والمتصارعة في المجتمع الدولي، وقد رأينا هذا المنهج في كل حدث مرت به البشرية، من واقعة الصعود إلى القمر حتى جائحة كورونا، وصولا إلى الكارثة الزلزالية الراهنة، وهذا المنهج يستهدف فيما يستهدف تغييب عقل المتلقي عن إدراك الحقائق، وعن اتباع المنهج الصحيح في تمحيصها، وذلك من أجل إيقاع الفوضى بين الناس، وزرع عدم الثقة في عموم المصادر، واللعب على فكرة الغموض والسرية التي تستهوي بطبيعتها الانسان، وتحرك مشاعر الخيال عنده.

2ـ وهناك من ذهب إلى أن الزلزال يمثل  رسالة غضب من الله على المسلمين الذين انحرفوا عن منهج الله، وعقاب منه جل وعلا، لعلهم يعودون عما هم فيه من غي وفجر وفسوق.

وإذا كانت أهواء سياسية وأوهام تقف وراء ذلك التشويش على هذا الحدث الخطير، فإن التفسير الذي يتلطى بأثواب الدين، يعتبر نوع من أنواع التألي على الله وعلى أفعاله سبحانه وتعالى، ويمثل في جوهره عدوانا على كل مسلم، لأنه يحاول أن يتلاعب بالقاعدة الدينية المكينة في عقل كل مسلم.

فمما لا شك فيه أن الله يمتحن الإنسان في هذه الحياة، بل إن الحياة كلها امتحان، فالله يمتحننا بالخير والشر، بالثروة والصحة والولد، بالأمن والسلام والحرب والفجيعة، بالزلازل والفيضانات والبراكين والأمراض، ومثل هذا الامتحان هو جزء من سنن الله في الكون، يستوي فيه المؤمن وغيره، ألم نر الطاعون يصيب مجتمع المسلمين زمن الصحابة، ألم نر بلادا فيها من الظلم والفجور والطغيان تعيش سالمة من مثل هذه الابتلاءات، وبلادا أخرى فيها القليل من هذه الظاهر وتصاب وتبتلى. ألم يقل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء هم الأشد بلاء، ثم الأمثل فالأمثل.

إن الحكم على حادثة محددة بأنها عقاب من الله، حكم نقبله ونسلم به، بشرط أن يأتي من نبي يوحى إليه، أما أن يأتي الكلام من غير بني معصوم، ومن غير وحي معتمد ـ وهو ما بات منقطعا منذ وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام ـ فهو يصبح حيئذ من قبيل العدوان على الله، والتألي على أفعاله. ويصبح إطلاق مثل هذه الأحكام عدوان على الدين الإسلامي، وعلى إيمان كل مسلم، عدوان يجب التصدي له بحسم، ووضوح.

3ـ وهناك من ذهب إلى أن الزلزال نتيجة لمشاريع الري التي قامت بها تركيا، والسدود التي حجزت مياه الأنهار الجارية في بحيرات ضخمة، وما ولده ذلك من ضغوط على قشرة الأرض، وبالتالي هو أثر من آثار السياسية التنموية التي ينهجها حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، ومثل هذا الطرح يتضمن الإدانة لمشروع شق “قناة إستانبول” الذي يعتبره الرئيس رجب طيب أردوغان مشروع القرن، ووفق هذا المنطق فإن الرئيس أردوغان يصبح هو المسؤول، وهو الذي سيدفع أو يجب أن يدفع ثمن ذلك في انتخابات الرئاسة في 14 مايو القادم.

وبهذا المنطق تتحول الكارثة إلى كرة في ملعب السياسية، لا يراد بها وجه الحقيقة، وإنما قطف المكاسب السياسية على وقع أجساد آلاف الضحايا. وهذا منطق معيب، يجبُ التوقف أمامه مليا، والوعيُ بأخطاره، ولا يمكن التصدي لهذا المنطق إلا من خلال العمل السياسي الديموقراطي، الذي يتيح محاسبة الجميع على قواعد المسؤولية التي يحددها الدستور، وتقر تفاصيلها القوانين.

ومن المؤكد أن طريقة تعامل السلطات التركية مع هذه الكارثة ستترك أثرها على الموقف الشعبي ليس من الرئيس التركي فحسب وإنما أيضا من حزبه، وواضح من الإجراءات والتصريحات والقرارات التي بدأ الرئيس باتخاذها إدراكه لهذه الحقيقة، والتزامه بالمعالجة الجذرية لنتائج هذه الكارثة على حياة المواطن التركي، وعلى استقراره، وأمانه، ومستقبله.

4 ـ لا شك أن محنة سوريا والسوريين في هذه الكارثة أعمق وأشد من محنة تركيا والمجتمع التركي، رغم أن ما أصاب تركيا نسبيا أشد وأقسى.

والسبب في ذلك أن في تركيا دولة وسلطة قائمة بمسؤولياتها، ومنظمات مجتمع مدني إغاثية واجتماعية، واجهت الكارثة بالإمكانات المتوفرة، ولأن الكارثة أكبر من طاقة الدولة فإن تركيا فتحت أبوابها لكل المساعدات الدولية، واستقبلت فرق الإنقاذ، ورحبت بكل أنواع الإغاثة، ووضعت إمكانات المجتمع التركي في مسار التصدي لهذه الكارثة، وقد أظهر هذا المجتمع التركي “الناس”، ومنظماته المدنية، أشكالا من التضامن مؤثرة، وتدل على نضج اجتماعي يعتز به، ونحن هنا لا نتحدث عن وجود نقص أو قصور في تصدي أجهزة الدولة لهذه الكارثة، فإن السلطات المسؤولة، الحاكمة والمعارضة لديها القدرة على التصدي لهذا الأمر، وقد تحدث الرئيس أردوغان عن هذا القصور، لكننا نتحدث هنا عن روح الجماعة والمسؤولية التي تبدت في موقف الشعب التركي، تضامنا وبذلا وعطاء وعملا تطوعيا.

5 ـ وما قد تحقق لتركيا على مستوى السلطة والدولة، وعلى مستوى منظمات المجتمع المدني، افتقدته سوريا بشكل كامل، فواجهت سوريا الكارثة وهي عارية عريا كاملا، فيما يقف على رأسها نظام صادر لمصلحته، ومصلحة القائمين عليه، مؤسسات الدولة والمجتمع، كل مؤسسات الدولة والمجتمع الرسمية والمدنية دون أي استثناء، ليقيم نظام فسادٍ واستبدادٍ وقتلٍ لا مثيل له، نظاما ربط كل شيء في المجتمع به، وبزبانيته، وبتركيبته الطائفية، وحين قام الناس يطالبون بالخروج من مثل هذه الأسر لم ير حرجا باستخدام أقصى أشكال العنف والدموية، فضحى بأكثر من مليون قتيل ومفقود قتلا بالرصاص والصواريخ والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية في ساحات المدن والبلدات، وتصفية في السجون والمعتقلات، ودمر من البلاد ما لم يسجله أي نظام لا في بلدنا، ولا حتى في أي بلد آخر، وأدخل سوريا في دوامة احتلالات لدول وقوى أجنبية طائفية تقسيمية.

ويبدو أن هذه الطبيعة للنظام القائم في سوريا التي تجلت في أبشع صورها عبر سنوات الحراك الثوري منذ العام 2011 هي التي جعلته يتعامل مع كارثة الزلزال على النحو الذي رأيناه، تعاملا ينم عن استهتار، وعن تعمد إذلال الشعب السوري، وعن افتقاد لأي إحساس بهول ما جرى. وعن عبث بمواد الإغاثة التي باتت تصل الى سوريا لمواجهة هذا الظرف العصيب.

وكشفت فيديوهات نشرها مؤيدون للنظام، ومن مناطق سيطرته، فظاعة ما يجري، من منع لوصول الإغاثة إلا عن طريق أجهزة الأمن، ومن بيع لمواد الإغاثة في الأسواق، ومن ملاحقة الناس الذين يسعون لجمع وتقديم العون للمصابين.

 ووصل الأمر في بعض ناشري هذه الفيديوهات من فنانين وإعلاميين ـ وجميعهم من مناطق سيطرة النظام ومن مؤيديه، أن اعترفوا بأن العطب في رأس النظام، وأنه يجب أن يتغير، وأنه لا توجد أي فرصة لتغيير هذا الوضع إن لم نبدأ برأس النظام. وأن أحدا في مناطق النظام لم يعد يثق فيه ولا في في أجهزته.

المتحدثون يعترفون بوصول مساعدات بمئات الملايين وأن طائرات الإغاثة وخصوصا العربية منها وصلت تحمل الاف الأطنان من مواد الإغاثة لكن شيئا لم يصل للمنكوبين، أين ذهبت؟ ومن يتكسب منها؟

وكشفت الصور التي بثتها وسائل إعلام النظام لزيارة رأس النظام إلى حلب المنكوبة روح الاستهانة والاستخفاف بالناس وبمصيبتهم وباحتياجاتهم، وقد كانت الابتسامة التي تنم عن السرور والغبطة لا تفارق وجهه وهو يتنقل محفوفا بحرسه أو في القاعات المغلقة التي أعدت له للقاء مجموعة محددة من الناس، فظهر وكأنه يحتفل بنصر له في حلب، أو كأنه يزف بشرى لأهالي هذه المدينة المنكوبة.

لم يطلق رأس النظام السوري أي وعد، لم يلزم نفسه بأي موقف، لم يأمر بفتح أي مؤسسة أو مركز عام ” مسجد، مدرسة، ناد، صالة عامة، ثكنة عسكرية”، لإيواء المشردين، لم يُعز أحدا، لم يعلن الحداد الوطني العام، لم يوجه أي دعوة للسوريين للاتحاد في مواجهة هذه الكارثة.

باختصار وقف النظام يتكسب من المأساة التي خلفها الزلزال، وهو يتوقع أن تفتح له هذه المأساة الأبواب المغلقة، وأن يكون بوابة لتدفق الإغاثة الدولية علها تغيث نظامه، فيتكسب منها، ويَمنح من خلالها أجهزته وميليشياته فرص جديدة للنهب والسرقة وممارسة القهر.

وخاب ظن أولئك الذي توقعوا أن تغير المأساة شيئا من طبيعة هذه النظام، وأن تدفعه إلى إعادة النظر بموقفه وخياراته، أو أن يفتح ولو بوابة صغيرة يمر من خلالها أمل للسوريين ولسوريا في مستقبل مختلف، لكن مثل هذا الأمل ـ الذي غر البعض ـ كان مجرد وهم ليس إلا.

6 ـ  وإذا كان مما يثلج الصدر أن نرى تدفق فرق الإغاثة، والإعانات الدولية على تركيا، وتقاطر الطائرات من كل حدب وصوب، وهي تحمل ما تستطيع لتخفف عن الشعب التركي من هول الكارثة، ولتساعد السلطات التركية على القيام بواجباتها، فإننا نسجل هنا عجز وتقاعس المجتمع الدولي عن تلبية ولو الحد الأدنى من احتياجات الشعب السوري،  ونسجل أيضا أن النظام الروسي يقف بسلاحه ” الفيتو ” في مجلس الأمن ليعيق دخول أي إغاثة أو معونات للشعب السوري مباشرة،  مشترطا أن يكون ذلك عبر النظام أو عبر معبر واحد  محدد وبالشروط المتفق عليها لهذا المعبر.

رغم اعتراف الجميع أن السوريين في منطقة الزلزال يواجهون حالة طارئة، ويتعرضون لظروف غير طبيعية، ولا يملكون أي قدرات على مواجهة هذه الكارثة، وأن نتيجة هذه الإعاقة وهذا التلكؤ يفقد الكثير من العالقين تحت الأنقاض حياتهم، وكذلك المتروكين في العراء في ظل البرد القارس والعواصف العاتية.

قدرات المواطنين السوريين على مواجهة هذه الحالة محدودة جدا في ظل فظاعة ما حدث، وفي ظل انهيار الوضع الاقتصادي وانهيار العملة الوطنية، وبالتالي انهيار قيمة الدخل الفردي الذي بات لا يتجاوز العشر دولارات شهريا، ومع ذلك فقد أظهر هؤلاء المواطنون بتضامنهم، وبجهودهم الفردية التي تتخطى حواجز وعوائق السلطات، وتتخطى مؤسسات الدولة المرهونة للنظام، تكاتفا يذكر بالروح الاصيلة لهذا الشعب، لكن الاحتياجات أكبر بكثير من الإمكانات.

وهنا أيضا يجب أن نعترف بأن آلية النظام الدولي في التصدي للكوارث وقفت عاجزة أمام وضع نظام كالذي يهيمن على الدولة في سوريا، وعاجزة أمام تحالف مؤيد لهذا النظام يحميه من كل حراك دولي مهما كانت الضرورات الإنسانية لهذا الحراك، وهذه الحقيقة تمثل وصمة عار في وجه هذه الآليات الأممية، وهي تخيب آمال كل من عقد عليها الأمل في الاستجابة الإنسانية لكارثة الزلزال. وليس هذا العجز الدولي بجديد، لقد عايناه على طول مسار الكارثة السورية المستمرة.

7 ـ  ولعله مما يجب التوقف عنده أن قوى المعارضة السورية المسلحة وغير المسلحة في مناطق الكارثة، لم تستطع أن تقدم استجابة مقبولة للتحدي الذي طرحه الزلزال، وبقيت أسيرة الدول أو القوى الدولية الداعمة لها، وإذا كنا نتفهم محدودية عمل أي جهة غير رسمية في مواجهة مثل هذه الكوارث، فإنه كان منتظرا أن تحرض هذه الكارثة تلك القوى على مراجعة نفسها، والتطلع إلى توحيد صفوف المعارضة بمختلف أنواعها وأشكالها، لتظهر أمام الجميع بموقف واحد، وبرؤية واحدة، وأن تبدأ حراكا فيما بينها، ومع مؤسسات المجتمع المدني السورية المنتشرة بأشكال مختلفة في مختلف المواقع، ومع السوريين المهجرين واللاجئين في أصقاع الأرض، ومع معارضة الداخل المكبلة بقيود النظام وإرهابه، وذلك بهدف فتح أقنية تفاعل وعمل مشترك وصولا إلى جسم موحد للمعارضة، يغير الصورة المهتزة وغير الإيجابية التي التصقت بها منذ فترة طويلة، لكن هذا المنتظر والمأمول لما يحدث بعد.

أمد كارثة الزلزال طويل، وآثاره مستمرة، والاستجابة لدواعيه مطلوبة في كل حين، وبالتالي فإن دعوتنا للمعارضة لاتخاذ هذا السبيل تبقى دعوة مفتوحة، تنتظر من يستجيب إليها، ولعل في مقدور أصحاب “الفكر والعقل والدين” أن يجردوا أنفسهم لتحقيق هذا الهدف، ولدفع الجميع باتجاهه، وقد يساعد على ذلك، بل ويستدعيها بقوة، تلك الأجواء المريبة العربية والدولية التي تعمل على إعادة تعويم النظام، وتأهيله، وهي محاولات لا يمكن أن تنجح في تحقيق الاستقرار المطلوب في سوريا، لكنها إذا استمرت ستنجح في إعاقة أي محاولة توحيد وتفعيل للمعارضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى