إثيوبيا بعد الحرب

ميشيل غافين

  كيف ينبغي أن يتغير النهج الذي تعتمده أميركا تجاه هذا البلد.                                                      يبدو أن اتفاق السلام المبدئي بين الحكومة الإثيوبية  وقادة منطقة تيغراي الشمالية في البلاد لا يزال صامداً بعد مرور حوالى ثلاثة أشهر على توقيعه. فقد بدأت قوات تيغراي تلقي سلاحها. واستؤنفت الخدمات الأساسية كالبنوك والاتصالات السلكية واللاسلكية. وكذلك شقّت الإغاثة الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، طريقها إلى المدنيين التيغراويين.

في المقابل، تستمر الأسئلة الشائكة حول وجود القوات الإريترية في إثيوبيا، ووضع الأراضي المتنازع عليها، والمساءلة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي اتسم بها الصراع المستمر منذ عامين، إلا أن الزخم بات يتجه نحو الحد من العنف. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، تتمثّل الأولوية القصوى في دعم تنفيذ الاتفاق وإنهاء معاناة المدنيين الذين حُرموا من الغذاء والرعاية الطبية في معظم فترات الصراع.

لكن حتى في أفضل السيناريوهات، التي تتحرك فيها الأطراف نحو سلام دائم من دون النظر إلى الوراء، ينبغي أن تقاوم إدارة بايدن الرغبة في تسيير الأمور بالنهج الذي اعتادت استخدامه في علاقتها مع الحكومة الإثيوبية. إذ تعمل الدول الأوروبية على تحسين العلاقات مع أديس أبابا بسرعة، وتستمر الصين في تقديم نفسها كصديق مخلص للبلاد.

بالتالي، قد تشعر واشنطن بأنها مضطرة إلى ركوب الموجة خوفاً من استبعادها، بيد أنّ الحذر واجب. وقد حطمت الحرب بوحشية كل الآمال في أن يميل رئيس الوزراء آبي أحمد إلى تبني رؤية عن إثيوبيا أكثر عدلاً وحرية. ولم يعد من الواضح إذا كانت إثيوبيا والولايات المتحدة تتشاركان النظرة نفسها بشأن قضايا السلام والأمن الصعبة التي تواجه القرن الأفريقي. ومن المتوقع في المستقبل أن تتوافق المصالح والأهداف الأميركية والإثيوبية بشكل أقل.

في الواقع، تُعتبر إثيوبيا بلداً معقداً إلى ما لا نهاية. ولطالما كان لديها نفور وحساسية تجاه الجهات الخارجية التي توحي سياساتها بالتنمر أو التحقير. في المقابل، إن الدور الذي تؤديه في مسار المنطقة المستقبلي يبقى فائق الأهمية، والمسائل السياسية الراسخة باستمرار فيها تتطلّب اهتماماً بالغاً من واشنطن. ويشمل ذلك كيفية تجنب الصراع بين الدول المعتمِدة على نهر النيل من أجل الحصول على المياه العذبة، والخائفة من أن مشروع الطاقة الكهرومائية العملاق في إثيوبيا، “سد النهضة الإثيوبي العظيم”، قد يقلل إمداداتها من المياه.

وعلى غرار الحال دائماً، ستظل الولايات المتحدة ملتزمة بضمان سلامة الدولة الإثيوبية وقدرتها على البقاء. إذ سيترتب على انهيار بلد يبلغ عدد سكانه 110 ملايين نسمة عواقب مزعزعة للاستقرار تمتدّ إلى خارج حدود منطقة القرن الأفريقي.

ورغم أن المصالح الأميركية لا تزال ثابتة، إلا أنه ثمة تراجع أحياناً في الرغبة أو المنطق السليم اللذين يقضيان بضرورة التعاون مع الحكومة الإثيوبية من أجل تحقيق تلك المصالح. وفي الواقع، ستتطلب الطريقة التي تتعامل فيها الولايات المتحدة مع الدولة الإثيوبية إصلاحاً شاملاً.

الأمر ليس شخصياً

على مدى سنوات، شجب منتقدو السياسة الأميركية في إثيوبيا إضفاء الطابع الشخصي على العلاقات الثنائية. وإلى حد كبير، نجح رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي الذي نسج علاقات قوية مع كبار المسؤولين الأميركيين حتى وفاته في عام 2012، في إخفاء الموضوعات الحساسة، على غرار احترام الحقوق المدنية والسياسية، موضحاً أن مناقشة مثل هذه الأمور محظورة.

ومن أجل الحفاظ على إمكانية التواصل مع زيناوي القوي الذي يستطيع المساعدة في تعزيز أهداف الولايات المتحدة في مجالي الأمن والتنمية، تجنب الدبلوماسيون في كثير من الأحيان المحادثات العسيرة. وحينما وصل آبي إلى السلطة في 2018، تابعت الولايات المتحدة اعتماد هذا النهج. بدا أن آبي، بعنفوان شبابه، وأجندته الإصلاحية الشاملة الأولية، وخطابه المؤيد للغرب، يجسد كثيراً من الآمال الأميركية في نهوض مجتمع إثيوبي أكثر انفتاحاً مع إرساء علاقة ثنائية أقل توتراً.

وفي الواقع، لقد صح رأي النقاد في عهد زيناوي، ولا يزال تحليلهم سارياً حتى اليوم. يجب ألا تتمحور العلاقة الثنائية حول شخصية كاريزمية واحدة. من البديهي أن نرغب في العودة إلى الأيام التي كان يمكن فيها لزعيم قوي في أديس أبابا تعزيز الأهداف الأمنية والدبلوماسية الأميركية، شرط أن تتطابق مع الأهداف الإثيوبية.

في تلك الآونة، تطلّب هذا النوع من العلاقة بين الولايات المتحدة وإثيوبيا في بعض الأحيان، غض النظر عمداً عن الأساليب القمعية المستخدمة للحفاظ على النظام داخل حدود إثيوبيا. وقد تكفّل العامان الماضيان من الصراع بإظهار التكلفة الكبيرة المترتبة على نهج مماثل [لذلك الذي اتّبع أيام زيناوي]. وشجّع آبي التعبير عن المظالم التاريخية ضد “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” (TPLF) المهيمنة منذ فترة طويلة والغاشمة في كثير من الأحيان.

ووظف آبي تلك المظالم من أجل شنّ حملة عسكرية مروعة استهدفت شعب تيغراي وأعادت إحياء شبح المجاعة التي يفتعلها الإنسان كي يستعملها كسلاح حرب. كذلك، استخدم آبي الاستياء من الدعم الأميركي لحكومة “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” في الماضي، من أجل تقويض مصداقية واشنطن وتجاهل المخاوف الأميركية الحالية.

واستطراداً، لمّح آبي ومؤيدوه إلى أن واشنطن مملوءة بأنصار “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، واستخدموا مزيجاً من منطق “وماذا عن” ومؤامرات متخيلة عن الاستعمارية الجديدة، في الرد على دعوات الولايات المتحدة إلى فتح طرق لمرور المساعدات الإنسانية، والقلق الأميركي بشأن التنميط العرقي. وحرص عدد من المغتربين الإثيوبيين الذين غادر بعضهم البلاد بسبب قمع “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، على نشر هذه الفكرة والترويج لها.

في الحقيقة، إنّ نزع الطابع الشخصي عن العلاقة بين واشنطن وأديس أبابا يمثل درساً مستفاداً، ويعترف أيضاً بواقع سياسي. لطالما نُظر إلى آبي على أنه المصلح الديناميكي والمؤيد المنشود للمصالح الأفريقية. في الأيام الأولى لوباء كورونا، قاد آبي إلى جانب رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا الدعوة إلى إغاثة اقتصادية في المنطقة، وحققا نتائج ملموسة في “مجموعة العشرين”.

لكنّ مكانة آبي تراجعت اليوم. فثمة وحشية رافقت حملة آبي في التيغراي، وهنالك تعتيم مارسته حكومته على مدى العامين الماضيين حول شتى الأمور، من الضحايا المدنيين إلى القوات الأجنبية والاعتقالات الجماعية. ومن المستحيل أن تتماشى تلك الأمور مع رواية “نفحة الإنعاش والتجديد” التي منحت آبي شعبيته في البداية.

واستكمالاً، لقد أدى اعتماده على إريتريا وقوات “ميليشيات فانو الوحدوية” [المؤيدة للمبادئ التحررية الوحدوية الجغرافية] التي تسعى إلى منح مزيد من الأراضي والنفوذ للقوميين في “أمهرة”، إلى ترك المراقبين يتساءلون عمن هو المسؤول حقاً.

والجدير بالذكر أن تلك الشراكات تحدّ من الحيّز المتاح لآبي في المناورة السياسية. فقد يهجره أنصاره المحليون في زمن الحرب إذا فشل زمن السلم في تحقيق المكاسب التي يسعون إليها. إذ استمرّ آبي في مقاطعته للشيوخ الأفارقة وتهميشه الكبير لجهود الاتحاد الأفريقي الرامية إلى وقف صراع تيغراي المدمر، إلى أن ألحق الحصار ضرراً كافياً يضمن راحة أديس أبابا. بالتالي، لقد أصبح آبي الآن واجهة غير مرغوب فيها للمصالح الأفريقية.

تباعد تدريجي

في الواقع، على رغم أهمية مسار إثيوبيا بالنسبة إلى مستقبل منطقة القرن الأفريقي التي تُعتبر حيوية من الناحية الاستراتيجية، إلا أن هنالك فكرة مفادها بأن القيادة الإثيوبية يمكن أن تمارس الآن نوع النفوذ الإقليمي أو حتى القاري الذي مارسته في السابق. تبدو تلك الفكرة كأنها أحلام يقظة.

لم تعد إثيوبيا تملك نفس القوة التي كانت تملكها في السابق، وما عاد جيشها يتمتع بالقدرات نفسها التي كانت لديه في الماضي. حتى عام 2020، اعتُبرت عالمياً أكبر مساهم بالجنود في بعثات حفظ السلام الدولية، بيد أنّها قلصت التزاماتها بالعمليات الأمنية في الخارج كي تركّز قواتها على أزمة تيغراي. وحتى بعد إبقاء عدد أكبر من جنودها داخل البلاد، احتاجت إلى تدخل كبير من جارتها إريتريا وقوات إضافية من الميليشيات المحلية من أجل تحقيق أهدافها العسكرية على أراضيها.

وتشير التقارير إلى أن صراع تيغراي أدى أيضاً إلى لجوء إثيوبيا إلى إيران، من بين جهات أخرى، للحصول على الدعم العسكري. وينبغي لذلك الأمر أن يدفع بأي صانع للسياسة إلى التمهل والتفكير بعمق قبل أن يتخّيل حلول يومٍ تكون فيه أديس أبابا [عاصمة إثيوبيا] مهتمة بدعم نظام دولي مستند إلى القواعد في أي وقت قريب.

وتجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد الإثيوبي يعاني أيضاً. إذ شكّل ذات يوم أحد أسرع الاقتصادات نمواً في أفريقيا، وقدّم فرصة مغرية للمستثمرين المهتمين بالخطط الرامية إلى تخفيف القيود عن القطاعات التي كانت تسيطر عليها الدولة سابقاً كالاتصالات السلكية واللاسلكية والبنوك.

في المقابل، تحتاج إثيوبيا اليوم إلى إعادة هيكلة 30 مليار دولار من الديون، وكبح جماح التضخم. وبسبب الحرب في تيغراي، تفاقمت الصدمات الخارجية على غرار وباء كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا. وبعد سنوات من العناوين الرئيسة المروّعة التي تصدّرت الأخبار والرغبة الواضحة للدولة في قطع الخدمات المصرفية والخدمات العامة والاتصالات في أجزاء كبيرة من البلاد، أصبح المستثمرون المتحمسون لنشوء سوق أفريقية مهمة أقل تفاؤلاً.

ومن أجل المضي قدماً، سيكون من المهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن تدعم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها جميع الأطراف في نزاع تيغراي. ويبدو ذلك الجهد صعباً بالتأكيد بالنظر إلى عداء الحكومة الإثيوبية تجاه اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان بشأن إثيوبيا.

ويُعدّ التمسّك بدعم المساءلة عنصراً أساسياً في أي سلام دائم، على رغم أنه سيعقّد بلا شك العلاقة بين الولايات المتحدة وإثيوبيا. لكن ينبغي ألا يكون التوجه العام لسياسة الولايات المتحدة تجاه إثيوبيا هو معاقبة الدولة على الانتهاكات المرتكبة باسمها، أو الإشارة ببساطة إلى الرفض الأميركي للتكتيكات المروعة المستخدمة في الصراع [في تيغراي]. إذ سيُعتبر أي نهج مماثل مضللاً على نحوٍ مساوٍ مع النهج الذي ينادي بالعودة إلى الوضع السابق. لا يمكن للولايات المتحدة أن تغيّر الماضي. وسيؤدي الموقف العقابي إلى روايات كاذبة وهدّامة تشير إلى أن واشنطن لا تريد لإثيوبيا أن تنجح، بالإضافة إلى أن ذلك الموقف يشتت في الوقت نفسه انتباه صانعي السياسة عن التركيز على مستقبل إثيوبيا.

عوضاً عن ذلك، ستحتاج الولايات المتحدة إلى تقييم مدى تحوّل إثيوبيا إلى أداة لأجندة إريتريا في المنطقة، وهو أمر يتعارض بشكل أساسي مع المصالح الأميركية المتمثلة في أن تكون منطقة القرن الأفريقي أقوى وأكثر حرية واستقراراً.

 [تتحكم منطقة القرن الأفريقي بالملاحة في باب المندب وقناة السويس (على البحر الأحمر) وخليج عدن، وتؤثر في خطوط الملاحة الآتية من مضيق هرمز وتلك التي تعبر المحيط الهندي. وتضم الجغرافيا السياسية لتلك المنطقة الصومال وجيبوتي وإريتريا، وكلها تجاور إثيوبيا التي تشكّل دولة داخلية لا منفذ لها على البحر الأحمر أو المحيط الهندي].

في الواقع، ترتكز استراتيجية إريتريا على فكرة القوة التي تتطلب أن يكون الآخرون في حالة ضعف، خصوصاً جيرانها كإثيوبيا وجيبوتي والصومال، إضافة إلى مفهوم الاستبداد الذي تعتمده سلطة سيادية مقاومة لأي ضغط مؤسسي أو قائم على الأعراف. حتى لو انسحبت القوات الإريترية بالكامل من المدن والبلدات في تيغراي، فلن يعني ذلك نهاية النفوذ الإريتري. إذ ستستمر إمكانية التدخل العسكري الإريتري في المستقبل، وكذلك علاقة إريتريا مع القادة والميليشيات من منطقة أمهرة الإثيوبية الذين قاتلوا جنباً إلى جنب مع قوات أسمرة [عاصمة إريتريا] في الصراع، إضافة إلى الاختراق الإريتري لمؤسسة الأمن القومي الإثيوبي.

بالتالي، سيؤدي استمرار تلك المعطيات إلى منح إريتريا درجة خطيرة من التأثير على إثيوبيا. واستطراداً، فقد تصبح إريتريا القوة المحركة التي تقود سياسات السلام والأمن الإثيوبية، وتعزز الجهود الرامية إلى إبقاء المنطقة هشة ومملوءة بالمخرّبين المحتملين الذين لا ينتظرون سوى أن يُطلَق العنان لهم. وفي تلك الحالة، ستجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة مع السياسة الإثيوبية بدلاً من التعاون معها.

واستكمالاً، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تواصل المساعدة في انتشال الإثيوبيين من براثن الفقر والسماح للبلاد بتجنب الانهيار الاقتصادي. وهذا يعني دعم عملية “الإطار المشترك” التي أقرتها “مجموعة العشرين” من أجل معالجة الديون غير المستدامة للبلاد، والنهوض باستثمارات ذكية في المساعدة الإنمائية، وتشجيع التجارة والاستثمار حيثما وجدت الفرص.

وكذلك يجب إبداء مرونة تتجاوب مع الظروف الموجودة على الأرض، أثناء تنفيذ واشنطن قراراتها بشأن إعادة أهلية إثيوبيا للوصول إلى الأسواق الأميركية من دون رسوم جمركية بموجب “قانون النمو والفرص الأفريقية” AGOA. على أي حال، مع توقع انتهاء النسخة الجديدة من “قانون النمو والفرص الأفريقية” في عام 2025، سيعاد تشكيل معالم العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة وإثيوبيا في السنوات المقبلة.

وأثناء متابعة كل هذه القضايا، يجب على صانعي السياسات ألا يتوانوا عن استخدام كل ما لديهم من نفوذ من أجل إبقاء عملية السلام في مسارها الصحيح، بما في ذلك المساءلة بشأن الانتهاكات. ويتوجب عليهم أيضاً أن يدركوا أن تعزيز الاستقرار على المدى الطويل في إثيوبيا لا يعني دعم جميع سياسات الحكومة الفيدرالية.

ومثلاً، يجب على واشنطن أن تراقب عن كثب العلاقة بين السياسة الاقتصادية في البلاد، والجهود المبذولة لتسديد الديون السياسية التي تكبدتها حكومة آبي بسبب دوائر انتخابية إثنية معينة. وبعد ما حدث في تيغراي، وفي ضوء العنف المستمر في أوروميا، أكبر منطقة في إثيوبيا [وتضم العاصمة أديس أبابا]، وفي أي مكان آخر؛ لم يعد من الممكن أن نأخذ على محمل الجد ادعاءات الحكومة بأنها مهتمة في خلق الفرص لجميع مواطنيها على قدم المساواة. وستؤدي زيادة الاستبعاد الانتقائي [بمعنى حدوث إبعاد متعمد وانتقائي لهويات دينية أو إثنية أو قبائلية] من دوائر النفوذ السياسي والاقتصادي، إلى تقويض الاستقرار الإثيوبي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه.

أخيراً، تحتاج الولايات المتحدة إلى تطوير استراتيجية مستقبلية تهدف إلى فهم أفضل لتنوع القوى والمصالح التي ستؤثر في توجه إثيوبيا. إن أصحاب النفوذ الذين تجمّعوا حول آبي في عام 2018 ليسوا متجانسين، وبعضهم يساوره قلق شديد بشأن استقرار البلاد ومدى تغلغل إريتريا في الدولة الإثيوبية.

في الواقع، ثمة قلة ممن يعتقدون بأن عملية تبلور الحوار الوطني الطويلة الأمد، التي يُقصد بها ظاهرياً مناقشة كيف ينبغي أن يجري التعبير عن التنوع في البلاد في مؤسساتها الحاكمة، ستحل التوترات التي تهدد بتمزيق إثيوبيا. لقد أضعفت السلطات الفيدرالية سلطة تيغراي بشدة، بتكلفة باهظة على الإثيوبيين. لكن هذا لا يعني أن المركز [الفيدرالي] قوي. في الحقيقة، تنتشر خيبة أمل محلية من القيادة في أديس أبابا، بيد أنّ السياسات المتشرذمة والمجزأة قد تمنع هذا السخط من توحيد الشعب في مواجهة الوضع الراهن.

كخلاصة، إن مستقبل إثيوبيا بين أيدي مواطنيها. وبينما يعمل الدبلوماسيون الأميركيون بعناية من أجل منع تفكك دولة إثيوبيا وتحديد المجالات التي يمكن أن يثمر التعاون الثنائي فيها، يجب عليهم في الوقت نفسه توسيع اتصالاتهم بعيداً من آبي ودائرته، ومضاعفة جهودهم كي يفهموا بشكل أفضل السيناريوهات المستقبلية الأكثر ترجيحاً.

لن يكون الحوار الوطني الرسمي المجال الوحيد الذي يعبّر فيه الإثيوبيون عن تطلعاتهم وإحباطاتهم. وفي حين أن أي تغيير في الاتجاه السياسي العام للبلد قد يتطلب على الأرجح عملية بناء تحالفات جديدة تستغرق وقتاً طويلاً، فإن نهج التبادلات والصفقات الحالي القصير الأجل المعتمد في حكم البلد، لا بد أن تكون له مدة صلاحية محدودة.

* ميشيل غافين هي زميلة رفيعة الشأن بالدراسات الأفريقية في “مجلس العلاقات الخارجية”. شغلت منصب المديرة الأولى للشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي من 2009 إلى 2011، وعملت سفيرة للولايات المتحدة في بوتسوانا من 2011 إلى 2014.

المصدر:فورين أفيرز اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى