في البحث عن بديل للنظام السوري أو بصورة أدق للنظام – الدولة حيث ابتلع النظام السياسي الدولة منذ السبعينات من القرن الماضي، نشهد اليوم مراجعة للأسس التي ينبغي أن تبنى عليها الدولة السورية البديلة، وبمقدار ما تصبح الصورة واضحة وقادرة على جمع السوريين بمختلف انتماءاتهم بمقدار ما يصبح الإنتقال السياسي أكثر أمنًا وأقل خطرًا.
من أجل ذلك لاتكفي الشعارات الغامضة والتي يمكن تأويلها يمينًا ويسارًا، لكن لابد من الغوص في الخلافات التي بدأت تظهر في فهم تلك الشعارات ومحاولة حل تلك الخلافات بالحوار الفكري بدل تركها لتصبح مستقبلاً أدوات للإنقسام السياسي والفئوي لتنفجر كألغام في طريق التغيير القادم.
فردًا على التطرف الإسلامي الذي ظهر مع فكر وممارسة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ( داعش) وانتشار الفكر السلفي المتشدد، وتجربة تنظيم النصرة في المناطق التي وقعت تحت سيطرته، والمخاوف من تعميم تلك التجربة حال تفكك النظام السياسي، نشأ في المقابل تطرف عَلماني لدى بعض النخب السورية، ومن ذلك الإصرار على وضع العَلمانية كأساس من الأسس التي يبنى عليها أي دستور بديل لسورية.
فإذا وافقنا جدلاً على ذلك الطلب فهل هناك من يعتقد أن الشعب السوري في غالبيته يمكن أن يوافق على هكذا دستور؟
وما معنى الديمقراطية السياسية حين يفرض على الشعب بالغصب والإكراه دستور لاينبع من توافق وطني؟
هل نحن بصدد التأسيس لخلاف فكري يمكن أن يتطور لانقسام سياسي واسع بين عَلمانيين وإسلاميين مثلًا؟ ومن أجل ماذا؟
هل كان لدى دستور 1950 الذي أسس للدولة السورية الحديثة ونظامها البرلماني الديمقراطي والتي كانت واقعيًا دولة عَلمانية بدون ادعاءات مثل ذلك التوصيف؟
وفي حين يحمل مفهوم العَلمانية أكثرمن وجه وتفسير بما في ذلك العًلمانية الأتاتوركية الإستبدادية المعادية للإسلام والعَلمانية السوفييتية المعادية للدين، بينما لدينا في المقابل العَلمانية التي تعني أن تقف الدولة موقفًا محايدًا تجاه كل الأديان في تعريف المواطنة كعلاقة بين الفرد والدولة فهي دولة كل المواطنين بالتساوي في الحقوق والواجبات بما في ذلك الحقوق السياسية بغض النظر عن دياناتهم، وهي لاتتدخل في المعتقدات وحرية التدين والعبادة ولا تعادي الأديان. فأي عَلمانية يريدها العَلمانيون السوريون؟
ليس مقبولًا التخفي وراء مفهوم يحتمل أكثر من تفسير في حين أن الجمهور الواسع في سورية مازال ينظر للعَلمانية باعتبارها مطابقة للعَلمانية الأتاتوركية.
الطريق الوحيدة لفرض عَلمانية أتاتوركية في سورية هي الديكتاتورية العسكرية والعنف، فهل ذلك هو ما يريده العَلمانيون السوريون؟
قام الشعب السوري كله في العام 2011 من أجل الحرية والكرامة، وبدون الديمقراطية السياسية لاوجود للحرية ولا للكرامة، وبدون احترام إرادة الغالبية الساحقة من الشعب السوري لايمكن تأسيس نظام ديمقراطي.
لاينفع التطرف العَلماني سوى في تدعيم تطرف إسلامي مقابل، وخلق المناخ السياسي لانقسام يهدد مستقبل التغيير الديمقراطي في سورية.