العنصر البشري كان ولا يزال العماد الأول لاستراتيجية جمع المعلومات وزادت مبتكرات الذكاء الاصطناعي من فعاليته. في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أصدرت الحكومة الفيدرالية الأميركية قراراً مهماً، يرتبط بحظر برامج ما يعرف بـ”تيك توك” من على جميع الأجهزة الحكومية تقريباً، بسبب المخاوف المتصاعدة من احتمالات التجسس الصيني على المستخدمين واستخدام بياناتهم.
التشريع الأميركي الجديد، الذي سيجد طريقه بشكل رسمي منتصف شهر فبراير (شباط) المقبل، يفتح الباب واسعاً أمام علامة استفهام، تتجاوز بكثير قضية اعتبار “تيك توك” حصان طروادة الصيني في القلب الأميركي والأوروبي، وتعود بنا إلى واحدة من أهم قضايا الساعة، أي قضية اعتماد الصين على الجاسوسية كركيزة أساسية في بناء دولتها المركزية.
ترى هل هي ظاهرة حديثة ترتبط بصعود الصين كقوة قطبية تسعى إلى منافسة الولايات المتحدة على تسنم قمة العالم عسكرياً واقتصادياً، أم أن رؤية التجسس ومناهجه قائمة في الروح الصينية منذ آلاف عدة من السنين وحتى اليوم؟
صن تزو وأول شبكة جاسوسية
تأتي الصين في المرتبة التالية من عمر تأسيس الدولة النظامية بعد مصر القديمة، ويرجع المؤرخون عصور التنظيم فيها إلى خمسة آلاف عام، ولهذا فقد عرفت في غالب الأمر أشكالاً من الجاسوسية لحماية أراضيها الشاسعة، بشكل أو بآخر.
غير أن نسج خيوط شبكة جاسوسية بمفهومها المتقدم ربما لم يبدأ في الداخل الصيني قبل ظهور المفكر العسكري الصيني الأشهر صن تزو، صاحب المؤلف العمدة “فن الحرب” بحدود عام 510 ق م.
كتب صن تزو في القرن الرابع قبل الميلاد يقول “إن الذين يعرفون أعداءهم كما يعرفون أنفسهم لن يعانوا أبداً من الهزيمة”. وأضاف “إن المعلومات المسبقة مكنت الملوك والقادة من أن يهاجموا ويحتلوا ويحققوا إنجازات فوق متناول الناس العاديين”.
أثبت عظماء القادة عبر التاريخ أن كلمات صن تزو كانت في محلها، فعلى سبيل المثال نجح الغزو القرطاجي لروما بقيادة هانيبال، من خلال اختراق جبال الألب عام 218 قبل الميلاد، فيما خلد التاريخ الفيلة التي رافقت الحملة.
ولعل الأكثر إثارة في أعمال الجاسوسية الصينية المعاصرة هي أنها تسعى وراء توجهات صن تزو الاقتصادية، بالتساوق مع نظيرتها العسكرية، فقد اعتقد تزو أن شن حرب بطريقة اقتصادية، مع الدفاع عن البلاد ضد الآخرين، هو أمر يتطلب تجسساً دائماً، ويرصد أنشطة الأعداء والجيران على السواء.
يكاد يكون صن تزو هو أول من بلور فكرة أقسام أجهزة التجسس، لا سيما الخارجية منها، معتبراً أن هناك فريقاً من الجواسيس المحليين، أولئك الذين يتقاضون أجراً وراء ما يقدمونه من معلومات، وبجانبهم هناك طبقة من الجواسيس الذين يتم انتقاؤهم من داخل صفوف العدو، وهؤلاء غالباً ما يكونون أشد خطورة لعلمهم بدقائق الأمور، أما النوع الثالث فيعرف باسم العميل الهالك، وعادة ما يكون عميلاً مزدوجاً هدفه دس معلومات خاطئة، ومصيره غالباً القتل.
أما الفئة التي وصفها صن تزو، وجعلتها الصين المعاصرة قاعدتها الرئيسة في أعمال التجسس على الولايات المتحدة الأميركية بنوع خاص، وعلى أوروبا بشكل عام، فهو الجاسوس النائم، وقد يتطلب زرعه 10 أو 20 سنة، ولا يطلب منه أي أمر، حتى يكاد يكون جاسوساً منسياً، لكنه باق ومدرب، وعادة ما تتم عودته إلى داخل الصين من جديد.
لم تفت صن تزو الآليات والأدوات التي يمكن بها شراء الجواسيس، لا سيما من يطلق عليه الجاسوس المتحول، والمعروف اليوم بالعميل المرتد، ويوصي بحسن معاملته، وإغداق المنح والهدايا عليه، بل وإغرائه باستمالة زملائه ورؤسائه السابقين، وبخاصة الذين يضعفون أمام الضغوط المالية.
كياو شي… عصر جديد من الجاسوسية
يكاد يكون اسم كياو شي غير معروف في كثير من الأوساط الفكرية أو الإعلامية، ولو لم يأت على ذكره المؤلف الإنجليزي الشهير توماس غوردن، في كتابه الشهير “جواسيس جدعون”، ربما ما عرفه أحد.
باختصار غير مخل يمكن اعتبار كياو شي أحد أهم أركان الجاسوسية الصينية المعاصرة، والرئيس السابق للاستخبارات الصينية، ويبلغ طول الرجل أكثر من ستة أقدام، وهو شيء غير معتاد بالنسبة إلى صيني.
عرف كياو شي بظهره المقوس، وتقول الروايات الصينية إن الأمر مرده مرض أصابه في طفولته أبقاه طريح الفراش لفترات طويلة، تعلم خلالها اللغة الصينية المكتوبة، عطفاً على لغات غربية متعددة.
عند بلوغه سن السادسة أتقن جذور لغة بلاده وإعرابها ونظامها الصوتي والإنشائي. وكان انضباطه في التعليم تدريباً جيداً لمستقبله كرئيس للاستخبارات الصينية.
تمتلك الاستخبارات الصينية CSIS مبانيها الخاصة في قلب العاصمة الصينية بكين، ويقع مركز مكافحة التجسس في مبنى من أربع طبقات على شارع “كيانانمين” الغربي، فيما تعمل الاستخبارات الخارجية ضمن بناء حديث قرب محطة السكك الحديدية الرئيسة في المدينة.
ومع ذلك يتم تنسيق النشاطات الرئيسة لمئات عدة من الرجال والنساء الذين تستخدمهم الـ”سي أس آي أس” من داخل مبنى في ضاحية زهونغناناهي، حيث تقيم وتعمل القيادة الصينية.
ويقع إلى جانب مكتب رئيس الوزراء بناء مربع مع سقف تقليدي من الآجر الأحمر ومنطقة مرصوفة تحتوي على مهبط مروحية ومرأب للسيارات.
تكثر أجهزة الهوائي على سطح المبنى، وقد كشفت صورة لأحد الأقمار الاصطناعية الأميركية عن أن للمبنى ساحة داخلية يوجد فيها بركة مزخرفة وحديقة مصغرة.
كان مكتب كياو شي الخاص الوحيد الذي يمكن الخروج منه مباشرة إلى الساحة الداخلية.
من هناك كان يدير شبكات الاستخبارات التي تمتد عبر المحيط الهادئ إلى الولايات المتحدة، وإلى الشرق الأوسط وآسيا وأستراليا واليابان، متمتعاً بسطوة وقوة سمحت له بقيادة جيش من الجواسيس والمخبرين وميزانية منقطعة النظير لتحريكهم.
جاسوسية تراهن على البشر لا الحجر
البحث بعمق في جذور الجاسوسية الصينية يميط اللثام عن العديد من المفاجآت، وفي المقدمة منها أن عملية التجسس بدأت داخلية أول الأمر، وذلك عبر ما كان يعرف بمنظمات الخدمات السرية التابعة للإمبراطور نفسه، وهدفها الرئيس هو القيام بمراقبة رعاياه، مراقبة تعد عليهم أنفاسهم، وتقطع الطريق على الجماعات المعارضة للحكم.
هنا كان “خصيان البلاط”، من يقومون على مساعدة الإمبراطور وإدارة أمر تلك الجماعات.
وضع الصينيون، وغالباً يمتد الأمر إلى الآن، العنصر البشري فوق عناصر التكنولوجيا في تجسسهم على الآخرين، وربما من هنا نشأت رؤية أجهزة الاستخبارات الأميركية لنظيرتها الصينية، أول الأمر، وهو ما سيتغير لاحقاً.
يقول الأميركيون إنهم يراقبون الشواطئ من خلال أقمارهم الاصطناعية، بينما الروس يرسلون غواصاتهم وضفادعهم البشرية في ظلام الليل للحصول على رمال من الشاطئ والعودة بها إلى موسكو… فما الذي تفعله الصين لمعرفة ما هو كائن على الشاطئ؟
الأمر يسير للغاية، إذ تقوم بإرسال ألف عنصر بشري، مهمة كل واحد منهم الحصول على حفنة رمل والعودة بها إلى بكين، الأمر الذي سينتهي بهم لمعرفة المزيد من الرمال أكثر من أي جهة أخرى.
تعتمد الاستخبارات الصينية في واقع الأمر أساليب عدة في الحصول على ما تريده من معلومات لا سيما الخارجية منها، وقد استفاض في شرحها بتفصيل واسع ولفغانغ كريكر، المؤرخ الألماني المتخصص في التاريخ الحديث، لا سيما تاريخ الأجهزة الأمنية، وذلك في كتابه المعنون “تاريخ الاستخبارات/ من الفراعنة حتى وكالة الأمن القومي الأميركي”.
الأسلوب الأول يبدو الرهان فيه على تسخير الأعداد البشرية الهائلة، من أجل تجميع أجزاء صغيرة جداً عن هدف محدد، قد يوجد غالباً بعيداً من الأراضي الصينية، تلك الأجزاء حين يتم إضافتها جنباً إلى جنب يحصل الصينيون على صورة كبيرة واضحة المعالم للهدف المنشود.
بينما الأسلوب الثاني يراهن على تفعيل كل صيني يعيش خارج البلاد، ويعتبر نفسه جندياً مجنداً لصالح الأمن القومي لبلاده.
أما الأسلوب الثالث فهو تقليدي، ويعتمد على تجنيد العملاء الأجانب، الذين يرضخون إما للضغوط وتحت تهديد الفضائح أو جراء الإغراء بالأموال والصفقات، مما يعني أن فلسفة ذهب المعز وسيفه لا تزال قاعدة ناجحة في عالم الاستخبارات العالمية عامة، والصينية بنوع خاص.
المواقع الصينية مراكز جاسوسية متقدمة
لم تعد الصين مكتفية بتعزيز مواقعها ومواضعها العسكرية حول العالم، لا سيما في مياه المحيط الهادئ، حيث يفترض أن تكون هناك معارك القرن المقبل مع الولايات المتحدة وأستراليا، بل باتت تسعى في تعزيز مشهد آخر صار يزعج القوى الغربية إزعاجاً منقطع النظير، وبخاصة في الداخل الأميركي… ما القصة؟
في الأسبوع الأول من يناير (كانون الثاني) الحالي لفتت صحيفة “نيويورك تايمز” الانتباه إلى قصة “المراكز البشرية الصينية”، التي تقوم بدور الشرطة التي تلاحق مواطني الصين في الخارج، حيث يعمل هؤلاء على إنجاز مهام لحكومة الصين بشكل غير قانوني، ومن دون علم سلطات البلاد التي تجري فيها تلك الأنشطة… هل هذا شكل جديد من أشكال الجاسوسية الصينية؟ وهل هو مقصود بذاته أم أنه يأتي كتغطية على أنشطة أخرى أشد هولاً؟
في الخريف الماضي داهمت المباحث الاتحادية الأميركية أحد تلك المواقع في الحي الصيني في مدينة نيويورك، ضمن تحقيق جنائي موسع لمعرفة أبعاد تلك المواقع التي تثير قلق الدبلوماسيين ورجال الاستخبارات.
كان الموقع واحداً من نحو مئة موقع في كندا وهولندا وأستراليا، وكذا في العديد من الدول الأوروبية، والتي يحوم الشك حول دورها المتقدم في خدمة الصعود الصيني القطبي.
المثير هو أن الصين لم تنكر وجود تلك المواقع، غير أنها قدمت تفسيراً يعتبره البعض مغايراً، ويقطع البعض الآخر بأنه مراوغ، حيث قالت إنها أماكن لمتطوعين يساعدون المواطنين الصينيين على أداء مهام روتينية مثل تجديد رخص القيادة.
لكن هذا التفسير الذي قدمته السفارة الصينية في واشنطن لم ينطل على الأجهزة المعنية التي تعتبر أن تلك المواقع هدفها “جمع المعلومات الاستخباراتية”، من خلال أسلوب لوحة الفسيفساء، أي الحصول على أصغر التفاصيل، والتي لا يمكن اعتبارها أعمالاً جاسوسية، وتتخذ منطلق المساعدة في حل الجرائم والتعاون مع المسؤولين المحليين كغطاء لإنشاء أجهزة “عقول طروادية” قادرة على اختراق الداخل الوطني أميركياً كان أم أوروبياً.
هل هذه المواقع جزء من التخطيط الجديد للرئيس الصيني شي جينبينغ يعزز من خلاله الإمبراطورية الصينية التي تسعى، حتى وإن لم تفصح عن ذلك مباشرة، لإزاحة الولايات المتحدة من فوق سلم القطبية عبر تأكيد وحدة الداخل، ومن غير إتاحة أي فرصة للمعارضين الصينيين، لا سيما أن هناك بين كبار الحزب الشيوعي الصيني من لا يرغب في أن تمضي الدولة في طريق المزيد من الشمولية التي يبشر بها حكم جينبينغ بعد رئاسته الدائمة، وفي محاولة لتأسيس صين جديد مغايرة لعهد ماو تسي تونغ؟
من “لوس آلاموس” إلى الذكاء الاصطناعي
يكاد كثير من المحللين الاستخباريين يقتربون من التفسير التآمري للتاريخ، في ما يخص الجاسوسية الصينية في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، بمعنى أنهم يرون عمليات تمويه تقوم بها الصين، هدفها الواضح هو إلهاء أجهزة مكافحة التجسس الغربية عن متابعتها، من خلال نسج خيوط لشبكات بشرية، مما يثير كثيراً من الغبار حول ما تتطلع إليه الصين بالفعل من عمليات تجسس حقيقية وأهداف ماورائية.
في عام 1999 تم القبض على عالم أميركي صيني الأصل، يعمل في مختبر “لوس آلاموس” الوطني للطاقة في ولاية نيومكسيكو، وهو واحد من أكبر المؤسسات العلمية والتقنية في العالم، وفيه من أسرار أميركا الكثير والمثير، سواء تعلق الأمر بالأبحاث النووية أو الفضاء أو الطب أو تقنية الحواسيب الفائقة. كانت التهمة التي تم الإقرار بها هي سرقة بيانات نووية وتزويد الصين بها.
وربما، بل من المؤكد، أن الكثير من الحوادث المشابهة جرت بها المقادير في الداخل الأميركي، ولم يتم الكشف عنها لأسباب متباينة، فمنها ما هو خطر الحديث عنه من جهة مستقبل الأمن القومي، والبعض الآخر يتم تسويته سراً، والثالث تحدث فيه عمليات مقايضة أو مقاصة.
غير أنه من الواضح أن الصين أخيراً لم تعد تراهن كثيراً على التجسس البشري في المستويات الكبيرة والخطيرة، مدنية كانت أو عسكرية، وإنما تستبدل بها وسائل عصرانية من اقتحامات الذكاء الاصطناعي، وبعض الاختراقات لا يمكن إثبات من وراءه، ولا ضحايا من البشر يقعون من جرائه… هل من مزيد؟
خلال جلسة أخيرة قبل أيام معدودات، وفي إحدى الحلقات النقاشية ضمن منتدى دافوس، تحدث مدير مكتب التحقيقات الاتحادية الأميركي كريستوفر راي، معبراً عن قلقه البالغ من برامج الذكاء الاصطناعي الصينية، التي وصفها بأنها غير مقيدة بسيادة القانون.
كريستوفر راي أشار إلى أن “طموحات بكين للذكاء الاصطناعي بنيت على جذور وأسس من مجموعة ضخمة من الملكية الفكرية والبيانات الحساسة التي تمت سرقتها على مر السنين”.
وفي رأيه أيضاً “أنه إذا تركت الصين من دون رادع فيمكنها استخدام مبتكرات الذكاء الاصطناعي لتعزيز عمليات القرصنة وسرقة الملكية الفكرية وقمع المعارضين داخل البلاد وخارجها”. ويضيف “هذا شيء نشعر بقلق عميق بشأنه، وأعتقد أن كل شخص هنا يجب أن يشعر بالقلق”.
هل سيضحى الذكاء الاصطناعي الصيني “حصان طروادة” المعاصر للوصول إلى القطبية العالمية في العقود المقبلة؟
فلسفة كونفوشيوس وخطط الصين الجديدة
من الواضح أن الصين القطبية الجديدة قد تعلمت دروساً مهمة من الصراعات الأممية السابقة، لا سيما خلال فترة الحرب الباردة، وما جرى خلالها من سباق تسلح بين “الناتو” و”وارسو”، وإن شئنا الدقة نقول بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي السابق، والأمر نفسه ينطبق على الصراع الاستخباري الخفي.
أدرك الصينيون أن المعركة ليست مجرد صراع أسلحة لن يتم استخدامها في ميادين الوغى، لا سيما الأسلحة النووية، ولهذا رسموا خططهم بالدرجة الأولى للتجسس الاقتصادي، أما الشأن العسكري فباتت لهم معه قصة أخرى.
قبل فترة تحدث آلان شويه، رئيس الإدارة العامة للأمن الفرنسي الخارجي، لوكالة الصحافة الفرنسية بالقول “حتى قبل عشرين عاماً كان الصينيون يركزون عمليات تجسسهم على المعلومات الاقتصادية والتقنية، ويسعون إلى نهب ما يستطيعون من التكنولوجيا الغربية”.
وأضاف “بعد ذلك انتقلوا إلى ساحة الكبار: أخذوا كغيرهم من القوى يعملون في التجسس السياسي، محاولين معرفة نوايا الآخرين في مجالات السياسة والدبلوماسية وغيرها، مع مواصلة أبحاثهم للاستخبارات الاقتصادية بالتأكيد”.
أما فيليب مارفالان، الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون الاستخبارات الصينية، فيرى أن “استراتيجية الصين التي تقضي بأن تصبح قوة عالمية من الصف الأول تستند إلى حد كبير إلى أجهزة استخباراتها”، مشيراً إلى أن “مهمة وزارة أمن الدولة التجسس الخارجي ومكافحة التجسس الداخلي، عطفاً على التنكيل بالمعارضين السياسيين”.
من هنا يمكن فهم ما صرح به الرئيس التنفيذي السابق لشركة “غوغل” إريك شميت، من أنه على الولايات المتحدة تعزيز مهارات الذكاء الاصطناعي لمواجهة الصين، بما في ذلك السعي وراء أسلحة “ممكنة للذكاء الاصطناعي عينه”.
ما دخل كونفوشيوس حكيم الصين الكبير والأهم في هذا الحديث؟
باختصار غير مخل، إنه العقل الذي يوجه الصينيين بالتوازي مع صن تزو، فإذا كان الأخير هو من شرح طريقة التجسس، فإن الأول هو من بلور خطط المواجهات الطويلة المدى، وفيها نصح بالهدوء وعدم الانسياق وراء العدو، بل التروي حتى تأتي جثته طافية.
كان سباق التسلح في زمن الحرب الباردة الطريق الذي تسبب في انهيار الاتحاد السوفياتي من الداخل، ولهذا فإن الصينيين وعوا الدرس واختصروا الطريق.
البداية من عند اختراق المنافسين اقتصادياً، وهذا هو الأهم، أما عسكرياً فليس هناك ما يستدعي السباق المسلح عينه، بل يكفي التفكير خارج الصندوق لإبطال مفاعيل قوة العدو.
على سبيل المثال لا الحصر، حين تمضي واشنطن في إنشاء أحدث حاملة طائرات تكلفها عناء إنفاق مليارات الدولارات، فإن الصينيين لا يفكرون في بناء واحدة مثلها، وإنما يبتكرون طوربيداً لا يتجاوز ثمنه عدة آلاف من الدولارات، بحيث يضحى قادراً على اختراق جسم الحاملة الأميركية وإغراقها.
وفي الخلاصة إلى أين تمضي مسيرة الجاسوسية الصينية؟
يبدو أن عليها أن تقطع مسيرة طويلة وشاقة، فهي تلاحق كل تطورات المشهد الجيوسياسي الغربي، من مياه المحيط الهادئ شرقاً إلى الأطلنطي غرباً، سياسياً وعسكرياً، في البر والبحر، عطفاً على معركة تسليح الفضاء.
في هذا السياق، يعمل مجمع الاستخبارات الأميركية، المعروف منه للعوام، والمجهول منه إلا للخواص، على إعداد استراتيجية جديدة لمجابهة الصين.
هل من أهداف بعينها يسعى أحفاد صن تزو من أجل الوصول إليها؟
بلا شك هناك اختراعات يشرف عليها الجيش الأميركي قد تحول الخيال العلمي إلى حقائق، ولعل في مقدمتها حديث “جيش الأشباح” الذي تسعى واشنطن إلى إحيائه.
المصدر: اندبندنت عربية