رأى البعض أن ذلك يمنح حفتر فرصاً للعب أدوار مهمة في أي خريطة سياسية جديدة برعاية دولية وإشراف مباشر من الولايات المتحدة.
كثفت الإدارة الأميركية نشاطها الدبلوماسي اللافت خلال الفترة الأخيرة في ليبيا، واستكمل مسؤولون بارزون تابعون لها مباحثات مع أطراف فاعلة في المشهد، تركزت خلال اليومين الماضيين في بنغازي، وبشكل خاص في مقر قيادة الجيش.
وبحسب متابعين، فقد استعادت واشنطن اهتمامها بالملف الليبي منذ استلام الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، مهماته، بعد تراجع ملحوظ لدورها في ليبيا في فترة سلفه الرئيس الجمهوري دونالد ترمب، خصوصاً خلال الأشهر الأخيرة، مع تفاقم أزمة الطاقة التي يشهدها العالم حالياً، والتي أعادت هذا الملف إلى دائرة الضوء.
جسر جوي إلى بنغازي
وشهدت التحركات الأميركية في ليبيا نشاطاً مكثفاً في اتجاه بنغازي خلال الساعات الـ72 الماضية، ولم تغب حركة الطيران عن مواقع الرادار التي كشفت عن وصول خمس طائرات أميركية إلى مطار المدينة يوم الأربعاء فقط.
وبحسب هذه المواقع، وصلت صباح الأربعاء طائرتان أميركيتان إلى بنغازي، واحدة تابعة لوزارة الخارجية الأميركية وأخرى خاصة، برفقة طائرتي مراقبة واستطلاع إحداهما تابعة لسلاح الجو الأميركي والثانية تابعة لـ”الناتو”، قبل وصول الطائرة الخامسة التابعة للقوات الخاصة الأميركية.
كما رصد موقع “إيتاميل رادار” الإيطالي، طائرة أميركية في مهمة مراقبة قبالة السواحل الليبية، وفور دخولها الأجواء الليبية يوم الخميس الماضي تم إيقاف عمل جهاز الإرسال والاستقبال.
وحملت هذه الطائرات على متنها عدداً من المسؤولين الأميركيين السياسيين والعسكريين للقاء قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، أبرزهم نائب قائد القوات الجوية الأميركية في أفريقيا الجنرال جون دي لامونتاني، والقائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة الأميركية بليبيا، ليزلي أوردمان.
ولم تكشف قيادة الجيش الليبي فحوى المفاوضات التي أجريت مع المسؤولين الأميركيين، بينما قال أوردمان، عبر حساب السفارة الأميركية على موقع “تويتر”، إنه “تمت خلال اللقاء مناقشة التنسيق الأمني، بما في ذلك الطيران، وأهمية إعادة توحيد الجيش الليبي تحت قيادة مدنية منتخبة ديمقراطياً”.
تسريبات جديدة
جاءت هذه الزيارة بعد أيام قليلة من زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي أي” ويليام بيرنز، الخاطفة إلى بنغازي، التي التقى خلالها حفتر، قبل التوجه إلى طرابلس للاجتماع بعدد من المسؤولين في حكومة الوحدة التي يقودها عبد الحميد الدبيبة.
وبحسب بعض التسريبات الغربية، بينها تقرير نشرته مجلة “ميدل إيست مونيتور” البريطانية، طلب بيرنز من المشير خليفة حفتر التعاون مع حكومة عبد الحميد الدبيبة وتمكينها من العمل في شرق البلاد، في سياق المحافظة على مبدأ وحدة المؤسسات التنفيذية.
ووفقاً للمجلة البريطانية، نبه بيرنز خلال اللقاء بشدة على ضرورة الاستقرار في القطاع النفطي وعدم تأثر الصادرات، وقالت إن “المسؤول الأميركي طلب من حفتر تشكيل قوة مشتركة لحماية وتأمين الموارد الطبيعية والمياه والحدود الجنوبية، تشكل من الجيش والجهات العسكرية في غرب البلاد”.
غضب الخصوم
وأبدت أطراف معارضة لقائد الجيش في بنغازي خليفة حفتر عدم رضاها عن المباحثات المكثفة التي يجريها دبلوماسيون أميركيون معه، في حين اعتبر آخرون أن هذا قد يمنحه فرصاً للعب أدوار مهمة في أي خريطة سياسية جديدة برعاية دولية وإشراف مباشر من الولايات المتحدة.
واعتبر رئيس ما يعرف بـ”التحالف الليبي – الأميركي”، عصام عميش، وهو من القيادات المعروفة بتيار الإسلام السياسي في ليبيا، أن “إشراك الإدارة الأميركية لخليفة حفتر في سياق حل للوضع المتأزم في ليبيا غير مقبول وليس خياراً قابلاً للتطبيق”.
ورأى عميش أن “نفوذ حفتر في منطقة جغرافية واسعة في ليبيا جاء نتيجة للسياسة التي انتهجتها أطراف دولية فاعلة تجاه الملف الليبي بينها الولايات المتحدة الأميركية”، وتابع “حكم خليفة حفتر في أجزاء من ليبيا، وتأثيره في منطقة جغرافية واسعة، هو نتيجة لسياسات الاسترضاء التي أدت إلى تدهور آفاق السلام والاستقرار في ليبيا، والولايات المتحدة تحديداً تحتاج إلى نهج أكثر صرامة، لمنع حفتر من تقويض قضية الديمقراطية”.
تعامل مع الواقع
من جهته، وصف الإعلامي الليبي عمر الجروشي، انفتاح واشنطن على كل الأطراف القوية والمؤثرة في الساحة الليبية بـ”السياسة العقلانية”.
وقال الجروشي، إن “واشنطن تتعامل مع الملف الليبي والملفات الشائكة المشابهة له في الشرق الأوسط بسياسة تحافظ على مصالحها أولاً، وهي عندما ترسل وفودها بهذه الكثافة إلى بنغازي، من كل المستويات السياسية والعسكرية وحتى الاستخباراتية، فهي ترى في قائد الجيش خليفة حفتر طرفاً إما أنه يشكل تهديداً لمصالحها أو شخصاً يمكنه أن يضمن صون تلك المصالح”.
وتابع “الإدارة الأميركية تتعامل مع أمر واقع، وهي تعرف أن الأطراف القوية عسكرياً هي الأطراف التي تملك مفاتيح الحل والعقد في ليبيا، وهي تحاول أن تتعامل معها بشكل متوازن، لتحقيق غاية باتت ملحة في ظل الظروف الدولية الحالية، وهي أن تكون ليبيا مستقرة سياسياً وأمنياً بما يضمن استمرار تدفق واردات النفط، لأن السوق العالمية لا تحتمل أي هزة لمنتج رئيس في الفترة الحالية”.
حسابات معقدة
وبخصوص التحرك الأميركي الملحوظ في ليبيا أخيراً، يعتبر الباحث والأكاديمي فرج الشطشاط، أن “واشنطن ترى أن عودة الاستقرار في ليبيا من شأنها أن تسهل على الإدارة الجديدة إشراك دول شرق البحر المتوسط بقضايا أكبر بخاصة ما يتعلق باستكشاف الغاز واستغلاله”.
وأشار الشطشاط إلى أنه “من بين الأسباب البارزة الأخرى التي أيقظت اهتمام الولايات المتحدة بالملف الليبي من جديد، دخول أطراف إقليمية ودولية مختلفة على خط الأزمة بما يهدد مصالحها، لا سيما أن من بين المنافسين على الأرض هذه المرة روسيا، وبالنسبة إلى الولايات المتحدة لا يزعجها الدور التركي ولا بقية الدول بقدر ما يستفزها وجود روسيا في الواجهة”.
وأشار إلى أن “الزخم الأميركي بالشأن الليبي لم يبدأ الآن، بل عاد مع مجيء إدارة بايدن، وهو ما تجلى في تسمية السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند سفيراً ومبعوثاً خاصاً للرئيس الأميركي في مايو (أيار) 2021، وجعل الملف الليبي على رأس اهتمامات هذه الإدارة، ودخولها بثقلها في مسارات تسوية الأزمة الليبية، وتركيزها على لعب دور مؤثر ومباشر فيها، يرتكز على تحجيم الدور الروسي البارز في هذا الملف، وهو ما يتضح من النشاط الأميركي من خلال البعثة الأممية للدعم في ليبيا، وقواتها العسكرية في أفريقيا (الأفريكوم)، والنشاط الدبلوماسي الواضح للسفير نورلاند، في ليبيا ومحيطها الإقليمي”.
المصدر: اندبندنت عربية