إيران وأزمة التفاوض والدور الروسي

حسن فحص

موسكو سعت إلى تعزيز موقعها في حل النزاع الدولي مع طهران حول برنامجها النووي. تزامن الإعلان الروسي عن “العملية العسكرية”، الاسم الذي اختاره للحرب على أوكرانيا في فبراير (شباط) من عام 2022، والحديث عن إجراءات عقابية أوروبية وأميركية ضد روسيا وفرض مجموعة من العقوبات السريعة، مع ارتفاع نسبة الأمل الدولية بإمكانية التوصل إلى تفاهم مع النظام الإيراني لإعادة إحياء الاتفاق النووي، بخاصة أن كل الأطراف المعنية بالاتفاق أجمعت على أن الحوارات والمفاوضات التي كانت تجرى في فيينا قد وصلت إلى نهاياتها بعد أن تم حسم الخلافات والنقاشات حول أكثر من 90 في المئة من البنود التي تضمنتها الورقة الإيرانية، والنقاط المتبقية تتطلب من الطرفين الأميركي والإيراني قراراً سياسياً لإنهائها.

ولا شك أن المندوب الروسي الدائم في المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة ميخائيل أوليانوف قد لعب دوراً مفصلياً ومحورياً في نقل الرسائل بين الطرفين الإيراني والأميركي الذي كان مشاركاً بشكل غير مباشر في المفاوضات، نتيجة رفض الإيراني جلوسه إلى طاولة التفاوض بعد قرار انسحاب واشنطن من اتفاق عام 2015. وهذا الدور لأوليانوف كان السبب في ارتفاع الأصوات داخل طهران ضد الفريق المفاوض الإيراني واتهامه بالضعف وتسليم الملف والقرار الإيراني للجانب الروسي.

موسكو ومن خلال الدور الذي لعبته عبر مندوبها في المفاوضات سعت إلى تعزيز موقعها في حل النزاع الدولي مع إيران حول برنامجها النووي. وهو الدور الذي تحول مع الحرب على أوكرانيا إلى سلبي، عمل على مصادرة المفاوضات وتحويلها إلى ورقة ابتزاز للقوى الدولية، بخاصة واشنطن وعواصم الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) للمساومة على أوكرانيا ومحاولة الحصول على نقاط سياسية واستراتيجية. إلا أن اللعبة الروسية لم تصل إلى النتيجة المطلوبة، أو أنها اصطدمت بحائط الموقف المتشدد لدول حلف “الناتو”، مما دفعها إلى الانتقال إلى الخطة البديلة، ومحاولة الالتفاف على تداعيات أي عقوبات وحصار قد يفرض عليها نتيجة الموقف الغربي المتشدد.

وأمام ما لمسته موسكو من إمكانية مضي واشنطن والترويكا الأوروبية في بلورة تفاهم مع طهران حول إحياء الاتفاق النووي، وفشلها في المقابل في عرقلة هذا المسار، بعد أن عمدت واشنطن إلى محاصرة دور المندوب الروسي أوليانوف ومحاولة الفريق الإيراني المفاوض الخروج من العباءة الروسية، جاء تحرك وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي كان واضحاً في التعبير عن موقف بلاده، بضرورة موافقة الدول الغربية على إعفاء روسيا من أي عقوبات في تعاملاتها التجارية والاقتصادية والمالية مع طهران بعد رفع العقوبات عنها، وقد استطاع لافروف الحصول على تطمينات أميركية في هذا الإطار، مما سمح لموسكو بالتقاط بعض الأنفاس، وإعادة ترتيب أوراقها وتعميق علاقاتها مع طهران من خلال تمديد العمل باتفاق التعاون الاقتصادي ونقلها إلى مستويات استراتيجية في الزيارة التي قام بها لافروف إلى طهران والتوقيع على هذه الاتفاقية مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف المشكك دائماً في النوايا الروسية.

الموقف الإيراني وجد في الحاجة الروسية والحرب التي بدأتها على أوكرانيا إمكانية تحسين موقعه التفاوضي مع الدول الغربية أو حتى فرض الشروط التي يريدها على هذه الدول في المفاوضات، من هنا جاء موقفه المراهن على أزمة الطاقة التي ستنتج عن المقاطعة الغربية لمصادرها الروسية من نفط وغاز، ورفعت من مستوى هذه الرهانات بالاعتماد على “جنرال الصقيع أو البرد والثلج” الذي سيدفع الدول الغربية إلى الاستجابة لشروطه تحت وطأة حاجتها إلى ما يملكه من مصادر هذه الطاقة وإمكانية وصولها بسهولة إلى المناطق والدول التي تحتاج إليها.

جائزة الترضية التي حصل عليها النظام الإيراني من حليفه الروسي كانت الموافقة على قبول عضوية إيران الكاملة في منظمة شنغهاي في سبتمبر (أيلول) 2022 والوعود والآمال التي ترافقت مع هذه العضوية بإمكانية فتح أفق اقتصادية وتجارية كبيرة وواسعة تتيح لإيران الالتفاف على العقوبات الغربية والتمسك بشروطها رفض أي تنازلات أو تسويات في الملف النووي، إلا أن هذه العضوية لم توفر لإيران والنظام ما كان يطمح إليه من أهداف في الجانب الاقتصادي مما يساعده على معالجة أزماته الاقتصادية والمعيشية في الداخل، بخاصة أن الدول الأعضاء في هذه المنظمة غير قادرة على تجاوز حاجز العقوبات الأميركية على التعاملات المالية مع طهران، بالتالي لم يكن أمامها سوى الانغماس أكثر في تعميق علاقاتها مع روسيا، والسعي إلى بناء تحالف ثلاثي للدول المتضررة من العقوبات الغربية إلى جانب الصين، لا سيما بعد التوقيع المشترك بين طهران وبكين على اتفاق التعاون الاقتصادي الاستراتيجي.

أمام الحائط المسدود الذي اصطدم به النظام الإيراني وعدم قدرته على تحقيق التفاف حقيقي على العقوبات الاقتصادية، وجد في الوساطة التي بدأها منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ونقل الرسائل بين طهران وواشنطن فرصة لدى النظام لإعادة إحياء المسار التفاوضي حول الاتفاق النووي، وكانت الاستضافة القطرية لحوار ثنائي بين الطرفين النقلة الأبرز على هذا المسار، وكان الدخول الروسي على الخط بعد أن شعرت موسكو بإمكانية التوصل إلى تفاهم بين الطرفين بعيداً عنها وعن مصالحها، وهكذا، أتى الكشف عن استخدامها طائرات مسيرة إيرانية من نوع “شاهد 136” في عملياتها العسكرية في الحرب على أوكرانيا.

ويمكن القول إن موسكو استطاعت أيضاً تعطيل إمكانية التوصل إلى تفاهم بين إيران وواشنطن لإعادة إحياء الاتفاق النووي وضمان استمرار الحاجة الإيرانية إليها لمواجهة الضغوط الغربية، الأمر الذي استنفر دول “الناتو” وعواصم الترويكا بشكل خاص مع واشنطن حول هذا التعاون وحجمه، وما يعنيه من تورط إيراني مباشر في الحرب ضد الدول الأوروبية، مما أطاح بنافذة الأمل التي فتحت في قطر، ودفعت عواصم الترويكا إلى الدخول على خط العقوبات والتصعيد ضد إيران بعد أن كانت تلعب دوراً يقارب الوساطة بين طهران وواشنطن في إطار رغبتها في إعادة إحياء الاتفاق النووي.

أما على الصعيد الأميركي، فالموقف ذهب إلى حد إعلان وفاة الاتفاق النووي والمفاوضات، وبالحد الأدنى وضعه في الثلاجة، من خلال تأكيد الإدارة الأميركية أن المفاوضات النووية لم تعد ضمن أولويات واشنطن، وأن التركيز ينصب على التعاون العسكري بين طهران وموسكو، وانتظار ما ستسفر عنه الاحتجاجات الداخلية من نتائج وحجم تأثيرها على المعادلات السياسية للنظام.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى