لا يزال الحديث عن موعد اللقاء المرتقب بين وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا يتصاعد في الوقت الذي بدأ الحديث في أنقرة عن مطلب مفاجئ يتعلق بعودة السيطرة التركية على حلب كـ«حل أمثل» لمشكلة اللاجئين السوريين… بينما دخلت إيران على خط مسار التقارب بين أنقرة ودمشق.
وقالت مصادر قريبة من حكومتي أنقرة ودمشق إنه لم يتم حتى الآن تحديد موعد لقاء وزراء الخارجية، ورجحت المصادر التركية ألا يُعقَد الاجتماع قبل عودة وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو من واشنطن حيث يشارك في اجتماع «المجلس الاستراتيجي للعلاقات» بين تركيا والولايات المتحدة المقرر في 17 يناير (كانون الثاني) الحالي.
ونقلت صحيفة «حرييت» القريبة من الحكومة عن مصادر وصفتها بـ«المطلعة»، أمس (الاثنين)، أن موعد لقاء وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا يجري العمل حالياً على تحديد موعده، ومن المتوقع أن يُعقد في «غضون أسابيع قليلة».
وأشارت المصادر إلى أن روسيا كانت قد عرضت الأسبوع الثاني من يناير الحالي، لكنَّ وزير الخارجية التركي سيكون في الولايات المتحدة في هذا التاريخ لحضور اجتماع «المجلس الاستراتيجي للعلاقات» بين البلدين.
وذكرت أن اللقاءات والمحادثات بين تركيا والنظام السوري ستكون من بين الموضوعات المطروحة للنقاش خلال اجتماعات «المجلس الاستراتيجي»، وبين الوفد التركي والمسؤولين الأميركيين، مع الإشارة إلى أن واشنطن أعلنت رفضها لأي تقارب مع نظام بشار الأسد، ودعت الأطراف التي تسعى للتطبيع معه، «ألا تنسى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تورط فيها النظام».
وذهبت المصادر إلى أنه «لا يمكن توقع نتائج فورية من الاجتماعات التي تجري مع النظام نظراً لأن القضايا المطروحة فيها حساسة للغاية»، ومنها مسألة مكافحة الإرهاب (في إشارة إلى إنهاء وجود وحدات «حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «سوريا الديمقراطية»، قرب الحدود التركية) والمساعدات الإنسانية، والعودة الطوعية الآمنة للاجئين السوريين، عقب اجتماع محتمل بين الرئيس رجب طيب إردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد».
ولفتت المصادر إلى أنه على الرغم من الملفات السياسية والعسكرية الشائكة، فإن الاجتماع الثلاثي بين وزراء دفاع ورؤساء أجهزة مخابرات تركيا وروسيا وسوريا في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أوجد انطباعاً «بأنه يمكن التغلب على الملفات المعقدة، لا سيما أن هناك مصالح مشتركة بين الطرفين منها التعاون في الحرب على (قسد)».
وفي هذا الإطار، قالت صحيفة «حرييت» إن خيار قيام تركيا بعملية برية ضد «قسد» في شمال سوريا، «لا يزال مطروحاً على جدول أعمال أنقرة التي تراقب التطورات بدقة، وتحافظ على الاستعداد لجميع السيناريوهات المحتملة».
في الوقت ذاته، نقلت وسائل إعلام قريبة من النظام السوري عن مصادر مطلعة أنه «لا يوجد حتى الآن مواعيد محددة لعقد اللقاء بين وزراء الخارجية، وأن انعقاده مرتبط بسير عمل «اللجان المختصة»، التي تم تشكيلها عقب لقاء وزراء الدفاع في موسكو، والتي يتركز عملها على متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال اللقاء.
– إيران على الخط
بالتزامن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أمس، إنه يجري التخطيط لزيارة مرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لكل من دمشق وأنقرة بعد تلقيه دعوتين لزيارتهما.
وأشار إلى أن العلاقات بين طهران ودمشق «على أعلى مستوى، وأن إيران تدعم سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، كما تم التأكيد عليه في الاتصال الهاتفي بين وزيري الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان ونظيره السوري فيصل المقداد».
وبينما أثار الصمت الإيراني إزاء التقارب بين تركيا ونظام الأسد التساؤلات، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، الثلاثاء الماضي، إن الرئيس الإيراني رئيسي، سيزور أنقرة خلال الأسابيع المقبلة، في أول زيارة لرئيس إيراني للبلاد منذ نحو 4 سنوات، مشيراً إلى أنه كان يعتزم زيارة تركيا الأسبوع قبل الماضي، لكن برنامجه لم يسمح له.
كان الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، قد زار أنقرة منتصف عام 2019 للمشاركة في قمة بين قادة إيران وروسيا وتركيا للتشاور حول الأزمة السورية. في حين كانت آخر زيارة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان لطهران في يوليو (تموز) الماضي، وسيطر الملف السوري أيضاً على مباحثاته مع الرئيس الإيراني.
– انقسام داخلي
في الأثناء، ظهرت بوادر انقسام داخلي في تركيا انعكست في وسائل الإعلام القريبة من الحكومة وتلك القريبة من المعارضة، بشأن التقارب والتطبيع مع نظام الأسد.
وترى المعارضة «أنها كانت صاحبة السبق في طرح مسألة التطبيع مع نظام الأسد لاعتبارات تتعلق بأمن تركيا، وحل مشكلة اللاجئين السوريين، وأنه لولا ضغوطها ما كانت حكومة إردوغان تحركت في هذا الاتجاه»، لكنها ترى في الوقت ذاته أن إردوغان «يستغل هذه الخطوات الآن لتعزيز حظوظه وحزبه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل».
وتُبدي وسائل الإعلام الموالية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، ما يشبه التردد في دعم التقارب مع نظام الأسد بعدما ظلت تهاجمه على مدى 11 عاماً، وتصفه بـ«القاتل والظالم». كما تتبنى محاولات استباقية لتحميل النظام المسؤولية عن أي تعثر أو فشل لجهود التقارب والتطبيع، كما تركز، كما فعلت صحيفة «تركيا» القريبة من حكومة إردوغان، على معارضة الولايات المتحدة وإيران لتطبيع تركيا مع النظام، ما قرأه بعض المراقبين على أنه محاولة لإظهار أن هناك تصدعاً في محور «روسيا – إيران – سوريا».
من جانبه، شكّك عثمان سرت، الكاتب في صحيفة «قرار» القريبة من حزبي «الديمقراطية والتقدم» برئاسة علي باباجان، و«المستقبل» برئاسة أحمد داوود أوغلو، في مآرب إردوغان من عملية التقارب بين أنقرة ودمشق، قائلاً: «لا أحد يعارض عملية التقارب، لكن أن يكون إردوغان هو الذي يقودها فهو أشبه بالحديث عن كيفية تناول الطعام، لا بعملية الأكل نفسها».
وأوضح أنه ليس هناك أي سبب «لإقناع اللاجئين في تركيا بالعودة إلى سوريا، لأنه حتى السوريون الذين يعيشون في بلادهم يعانون الأزمة الاقتصادية، وليس هناك ما يضمن أنه إذا انسحب الجيش التركي من شمال سوريا لن يجد المدنيون طريقاً للعبور إلى تركيا».
وبالنسبة إلى مشاركة النظام السوري في محاربة «وحدات حماية الشعب الكردية» فيرى الكاتب، «أنها ليست واقعية، لا سيما أن النظام هو من سلم (قسد) مفاتيح المناطق الشمالية من البلاد، ولذلك فإن المحصلة هي أن إردوغان أفقد تركيا احترامها من أجل الفوز بانتخابات الرئاسة».
في المقابل، رأى الكاتب في صحيفة «صباح» الموالية للحكومة، مليح ألطن أوك، «أن مشكلة اللاجئين تضغط على تركيا، لكنَّ قطار العودة قد بدأ، وأن تسارع وتيرة المصالحة مع دمشق وحديث إردوغان عن قرب اللقاءات على مستوى عالٍ يؤشران إلى أن عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ستتسارع في الأسابيع المقبلة».
– مطلب مفاجئ
وبينما تبدو قضية اللاجئين في أولوية الاهتمامات قبل الانتخابات في تركيا، خرج مستشار الرئيس التركي السابق ياسين أكطاي، بمطلب مفاجئ، قائلاً: «إن الحل الأمثل لإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم هو أن تكون محافظة حلب، شمال غربي سوريا، تحت السيطرة التركية، لأنه بهذه الطريقة سيعود الملايين من السوريين إلى حلب بمحض إرادتهم».
ورأى أكطاي، في مقابلة على قناة «أولكه» التركية، «أن السيطرة التركية على حلب ستخفف من عدد اللاجئين السوريين في تركيا»، مشيراً إلى أن «سيطرة نظام الأسد وروسيا على حلب بعد مجازر مروعة، أدت إلى حركة هجرة كبيرة باتجاه تركيا، لذلك فإن ما يجب المطالبة به على طاولة الحوار بين تركيا ونظام الأسد، هو أن تنقل السيطرة على حلب إلى تركيا». ولفت أكطاي، إلى أن قضية اللاجئين السوريين في تركيا، «باتت من أكثر الموضوعات التي تثار في كل مناسبة قبل الانتخابات المقبلة»، مشيراً إلى أنه «لا أحد يثير هذه القضية وهو مكترث بجودة الحياة في سوريا، أو المستوى الذي انزلقت إليه حقوق الإنسان، بل هو بكل بساطة يتوقع من الحكومة إرسال هؤلاء اللاجئين على الفور وبلا تردد، (إلى بلادهم) حتى لو تم التعامل معهم بطريقة خارجة عن القانون الدولي».
في الإطار ذاته، أطلق ناشطون أتراك وسم «في سجون الأسد» على «تويتر»، الذي حظي بتفاعل عبر مئات التغريدات، بهدف تسليط الضوء على قضية المعتقلين في سجون النظام السوري، وتنبيه الأتراك «إلى جرائم النظام بحق المدنيين».
المصدر: الشرق الأوسط