إذا كانت بداية عام 2022 شهدت نكسة في العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله على خلفية مقاطعة الثنائي الشيعي جلسات مجلس الوزراء على مدى 4 أشهر ربطاً بالضغط لإقالة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، فإن نهاية العام شهدت نكسة مماثلة على خلفية مشاركة الثنائي الشيعي في جلسة مجلس الوزراء التي دعا إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والتي أشار رئيس التيار جبران باسيل إلى أن ميقاتي لم يكن ليجرؤ على عقد الجلسة لولا دعم مشغّليه.
غير أنه كما استقامت العلاقة بين الحزب والتيار بعد النكسة الأولى رغم الكلام العالي السقف الذي أطلقه التيار عن عدم الاستعداد لخسارة الدولة من أجل المقاومة، فإن كثيرين يعتقدون أن العلاقة بين الحزب والتيار ستستقيم مجدداً بعد النكسة الثانية لأن لا غنى للطرفين عن بعضهما. فالحزب يحتاج استراتيجياً للتيار لتغطية سلاحه والتيار يحتاج للحزب لتدعيم دوره في الدولة ووضع يده على المناصب العليا. من هنا، فإن الطرفين حريصان على البقاء تحت سقف الحفاظ على العلاقة وهو ما قُرئ بين سطور البيانين الأخيرين، إذ بعد توضيح الالتباسات التي رافقت إطلاق المواقف وعلى الرغم من العتب الكبير من قبل الطرفين، خلص البيانان إلى تأكيد الحرص على الصداقة والأصدقاء وتقديم كل ما يلزم في سبيل حفظها.
غير أن الترقّب للتطورات على خط التيار والحزب سيستمر، لأن أسباب الخلاف الحقيقية هي محاولة تغيير الحزب قواعد التحالف القائم على معادلة المقايضة بين من يؤمِّن تغطية السلاح غير الشرعي، وبين من يوِّفر السلطة والنفوذ. فالحزب يعتبر أنه أدى قسطه للعلى للتيار من خلال التعهّد بايصال العماد ميشال عون إلى الرئاسة وحان الوقت لترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. هذا هو أصل الخلاف، وإذا بقي الحزب متمسكاً بورقة فرنجية فإن الخلاف سيتواصل ويمكن أن يشهد ردات فعل جديدة من قبل باسيل على غرار الرسائل التي تمّ تمريرها في جلسة انتخاب الرئيس التاسعة والتي تمثّلت بتخلّي نواب التيار عن الورقة البيضاء ما جعلها تتساوى مع الأصوات التي نالها المرشح ميشال معوض من دون أن يغامر نواب التيار بالتصويت الفعلي لمرشح معين، بل اكتفوا بأسماء متقاطعة على غرار «ميشال» ومعوض» و«معوض بدري ضاهر» لإفهام حزب الله أنهم على بُعد خطوة من الاصطفاف إلى جانب مرشح القوى المعارضة في مواجهة رئيس «تيار المردة» الذي خسر رصيداً كان يتمتع به في الشارع المسيحي بعد مشاركة وزيريه زياد مكاري وجوني القرم في جلسة مجلس الوزراء لحكومة تصريف أعمال تًعتبر مستقيلة في سابقة تحدث للمرة الأولى في غياب رئيس للجمهورية، كل ذلك في ظل دعوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى تصويب الأمور وخوفه على ما تبقّى من دور للرئيس المسيحي الماروني وتحذيره من فتح سجالات طائفية وخلق اشكالات جديدة.
في المقابل، حاول باسيل قطف الفرصة من خلال الظهور بمظهر المدافع عن حقوق المسيحيين وموقع رئاسة الجمهورية وأنه غير تابع لحزب الله ولا يمشي بخياراته الرئاسية، مؤكداً كما سبق وقال في جلسة مجلس النواب بأن تكون للمسيحيين الكلمة الأولى في استحقاق رئاسة الجمهورية كما للمكوّن الشيعي الكلمة الأولى في استحقاق رئاسة مجلس النواب. من هنا، يأتي رفض باسيل خيار فرنجية واعتباره أن مفتاح قصر بعبدا يجب أن يكون بيد التيار وليس بيد حزب الله انطلاقاً من عدم القبول بالعودة بعقارب الزمن إلى ما قبل عام 2005 عندما كان المسلمون يفرضون رئيس الجمهورية ويختارون نوابهم ووزراءهم.
لذلك، يُنظَر إلى الخلاف القائم على أنه خلاف جدّي وليس توزيع أدوار، وكل الاحتمالات مفتوحة بدءاً من ترتيب العلاقة وتجديد التفاهم وصولاً إلى انفراط العلاقة نهائياً. في الحالة الأولى سيعود التكامل بين دور الدولة ودور المقاومة، وفي الحالة الثانية سيعود الكلام عن تعارض دور المقاومة مع مشروع بناء الدولة.
ويشجّع فريق المعارضة على انفراط عقد قوى 8 آذار لأنه بقدر ما يضعُف هذا الفريق المعطّل لبناء الدولة بقدر ما يقوى مشروع الدولة الفعلية. وبقدر ما تنحسر تحالفات حزب الله بقدر ما تتراجع قدرته على إدارة الحياة السياسية على غرار ما كان يفعل النظام السوري والتي مكّنه منها «تفاهم مار مخايل» الذي أنقذه من عزلة داخلية وخارجية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان.
وفي ترددات الخلاف، لم يخف حزب الله انزعاجه الشديد من مواقف باسيل ولاسيما لجهة تشكيكه بصدقية أمين عام حزب الله حسن نصرالله، واعتبر الكلام عن «الصادقين الذين نكثوا بالوعد» كلاماً غير مألوف وغير مسبوق، وهذا ما اضطر حارة حريك إلى إصدار بيان عن العلاقات الإعلامية ركّز بالتحديد على هذه النقطة حرصاً على ما يمثّله نصرالله من رمزية.
هل يتحوّل «التفاهم» بين التيار وحزب الله إلى «سوء تفاهم» أم تتغلّب التهدئة على التوتر لأن الطرفين لا يملكان ترف الانفصال والطلاق؟
سؤال برسم الأيام المقبلة علماً أنه كما لا مصلحة لحزب الله بخسارة حليف خارج البيئة الشيعية لا مصلحة للتيار بخسارة الحليف الوحيد المتبقّي له في ظل أزمة الثقة التي تحكم علاقته بمعظم القوى على الساحة الداخلية وفي طليعتها القوات اللبنانية التي تراقب مستجدات العلاقة بين التيار والحزب وجدية الخلاف لتبني على الشيء مقتضاه ودرس امكانية فتح أبواب معراب أمام رئيس التيار بعد «توبته» على الانقلاب على «اتفاق معراب».
المصدر: «القدس العربي»