في عالم السياسة هنالك قواعد لا يمكن الخروج عنها، وعلى رأسها إبعاد العاطفة عن السياسة واستخدام العقل، في بعض الأحيان يحدث ما لا تريده وفي بعضها الآخر يحدث ما تتمناه، فرأس حربة العمل السياسي العمل بتجرد والنظر من خارج الصندوق لفهم كل الأدوار.
بعد كل الركود والنفور (إن صح التعبير) في منطقة الشرق الأوسط وتناحر المؤثرين فيما بينهم لمدة تتجاوز عشرة أعوام، فجأة بدأ المراقب للوضع بسكون، الانتباه للتغيّرات السريعة والسريعة جداً التي طرأت على السياسة الخارجية لبعض بلدان الشرط الأوسط وكان أكثرها لفتاً للانتباه سياسة كل من “تركيا – مصر – قطر – المملكة العربية السعودية وسوريا”.
المملكة العربية السعودية تصرّح عن نيتها بإيداع خمسة مليارات دولار أمريكي في البنك المركزي التركي دعماً لحكومة حزب العدالة والتنمية التركي لمواجهة التضخم وارتفاع الأسعار الملحوظ، وذلك قبل الانتخابات الرئاسية التركية بعدة أشهر قليلة.
وهذا سيكون داعماً لحكومة العدالة والتنمية وسيكون سبب قوي من شأنه إعادة علاقات الصداقة والتقارب بين البلدين “المملكة العربية السعودية وتركيا” وسيكون له تداعيات إيجابية على الملف السوري في حال كانت أنقرة قد أخذت بعين الاعتبار مطالب السوريين بالتخلص من القيادات الفاسدة في مفاصل الجيش الوطني السوري وإعادة تأهيل وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة تحضيراً لمرحلة جديدة فيها الخيارات متشعبة ومفتوحة وأقلها صعوبة لا يمكن عدم أخذه بعين الاعتبار (من تهديدات أنقرة لميليشيات قسد و(PKK) و(PYD)… إلخ، بفتح معركة جديدة ضدهم تهدف إلى تطهير المنطقة من الميليشيات الانفصالية الإرهابية، مروراً بتصريحات أنقرة الواضحة بإمكانية التقارب مع نظام دمشق في سبيل التخلص من الميليشيات الانفصالية المذكورة أعلاه، ولا يمكننا تجاهل دعوة الميليشيات الانفصالية على لسان مظلوم عبدي لنظام بشار الأسد بالعمل المشترك وقبول دخول قوات نظام بشار الأسد إلى مناطق قسد مقابل صد التركي ومنعه من أي عملية عسكرية محتملة)، فهذا كله يضع أنقرة في مكان المسؤولية عن مستقبل المنطقة وتداعيات أي حركة من شأنها تغيير الجغرافية العسكرية للقوى الموجودة في شمال سوريا وهذا يفرض إصلاح الشمال السوري بأسرع وقت.
تقارب السعودية وقطر، الذي ظهر جلياً عندما توشح الأمير محمد بن سلمان بعلم قطر بمناسبة افتتاح مونديال كأس العالم 2022 المقام على أرض قطر حالياً، وتحويل المونديال إلى حدث رياضي بنكهة سياسية، وما لفت الانتباه وأكد وجود مرحلة جديدة في المنطقة وعلى رأس العناوين المثيرة للجدل هو موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وتصافحهما لأول مرة منذ تولي الأخير السلطة في مصر وهذا ليس بموقف قد يحصل مصادفة أو دون تجهيز بيئة مناسبة له، وكذلك قيام أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني برفع علم المملكة العربية السعودية بمناسبة فوز المنتخب السعودي لكرة القدم في مباراته مع المنتخب الأرجنتيني.
أما فيما يخص التصريحات المسربة التي تقول إن الرئيس التركي أرسل عبر إيران لنظام الأسد نيته إرسال وفد تركي لزيارة دمشق ورفض بشار الأسد ذلك، فلا أظن أنها صحيحة كون نظام بشار الأسد في موقف لا يحسد عليه من حيث ضعف ساقيه اللتين يقف عليها “روسيا وإيران”، فروسيا متورطة في حربها مع الاتحاد الأوربي على الأرض الأوكرانية وتم توصيفها دولة راعية للإرهاب مؤخراً، وإيران تواجه تزعزعاً داخلياً لا نعلم كيف ستكون نهايته.
على السوريين أجمع الضغط على أنقرة أكثر لإصلاح مؤسسة الجيش الوطني لمواجهة تداعيات المرحلة القادمة في سوريا.
المصدر: نينار برس