بدلاً من قيام النظام الإيراني بالعمل على جذب السياح، وتعزيز الاقتصاد، وحشد الإيرانيين حول الراية، قد تتحول بطولة كأس العالم لكرة القدم هذا العام إلى انتصار باهظ الثمن للنظام، بالنظر إلى وضعه السياسي السيئ في البلاد.
نظرياً، يجب أن يكون كأس العالم في قطر مناسبة لكثير من الاحتفالات والفرص في إيران. فبعد أن تأهل المنتخب الإيراني الموهوب الذي يمثل دولة لديها هوس بكرة القدم لخوض ثلاث مباريات متتالية، يبدو أنه يتطلع إلى تخطي دور المجموعات للمرة الأولى في تاريخ مشاركته بكأس العالم. فواقع أن المباريات ستجري في دولة مجاورة جعل النظام يقتنع على الأرجح أن بإمكانه جذب السياح في الوقت نفسه وتعزيز اقتصاد البلاد من خلال إقامة مشاريع مشتركة مع الدوحة. غير أن الأسابيع الحافلة بالاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد كانت كفيلة بإرغام طهران على تغيير خططها بشكل جذري.
في نيسان/أبريل الماضي، استعرض نائب رئيس الجمهورية الإسلامية محمد مخبر، سبعين مجالاً من التعاون الاقتصادي المحتمل خلال بطولة كأس العالم، مثل استضافة المشجعين في الجزر الإيرانية في “الخليج العربي” ونقل السياح ذهاباً وإياباً إلى قطر. لكن في الآونة الأخيرة، ذكرت صحيفة “دنياي اقتصاد” الاقتصادية أن “أياً من الوعود التي قطعها المسؤولون الإيرانيون لم يتحقق”، بينما أشارت صحيفة “اعتماد” الإصلاحية إلى أن 20.000 غرفة فندقية إيرانية مخصصة لسائحي كرة القدم بقيت فارغة – وهو وضع تفاقم من دون شك بسبب قيام النظام باحتجاز شخصيات رفيعة المستوى من الأجانب أثناء الاحتجاجات.
وفي الماضي، ساعدت الرياضة قادة إيران على حشد درجة معينة من الوحدة الوطنية على الرغم من السخط العام المتأجج. ومع ذلك، دفعت الانتفاضة العديد من الرياضيين الحاليين والسابقين للوقوف مع المتظاهرين. وكان نجوم كرة قدم إيرانيون على غرار علي كريمي وعلي دائي قد دعموا التظاهرات منذ بدايتها ورفضوا مؤخراً دعوات لحضور كأس العالم. ورداً على ذلك، وجّه لهم المتشددون تهديدات طالت أصولهم وحتى حياتهم. وفي الشهر الماضي، حذرت صحيفة “جافان” التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي»، دائي من أن “كل من لا يعرف حدوده سيهْلَك”، بينما اتُهم كريمي غيابياً بـ “العمل ضد الأمن القومي”.
وفي عرض آخر للتضامن، التزمت المنتخبات الوطنية لمختلف الرياضات الصمت عندما عُزف نشيد الجمهورية الإسلامية خلال المنافسات الرياضية الأخيرة، بما في ذلك كرة السلة، وكرة الماء، وحتى فريق كرة القدم خلال المباراة الودية الأسبوع الماضي ضد نيكاراغوا. وفي 15 تشرين الثاني/نوفمبر، قال المدرب كارلوس كيروش للصحفيين إن لاعبيه يمكنهم الاحتجاج إذا كانوا يريدون ذلك طالما أنهم يحترمون قواعد كأس العالم ومعنوياته؛ وبعد يومين، قال اللاعبان المتميزان علي رضا جهانبخش وعلي رضا بيرانفاند إن غناء النشيد [الوطني الإيراني] والاحتفال بالأهداف قرارات شخصية لكل لاعب في المنتخب. وحظيت القضية باهتمام إعلامي بارز، وأفادت بعض التقارير أن النشطاء يخططون للاحتجاج داخل المباريات الإيرانية وخارجها، مما يجعل النظام أكثر حساسية تجاه أي دعم رمزي من الفريق. وحذر أحد البرلمانيين السابقين هذا الأسبوع من احتمال استبعاد اللاعبين الذين لا ينشدون النشيد الوطني أو يحتفلون بتسجيل الأهداف. ووفقاً لبعض التقارير سعى النظام أيضاً للسيطرة على التغطية الإعلامية الفارسية للمباريات من خلال إقناع قطر بحظر شبكة واحدة على الأقل متعاطفة مع المحتجين (“إيران إنترناشونال” ومقرها لندن).
ومن المثير للاهتمام، أنه خلال مساعي النظام لحشد الدعم الشعبي ضد التظاهرات، ركز على مواضيع قومية وليس دينية. فالرموز الوطنية والجماعات العرقية تغطي عدداً كبيراً من الجداريات المقامة حديثاً في شارع “ولي عصر” في طهران، وهدفها هو حشد الناس حول روح وطنية وحثهم على منع إيران من “الوقوع في أيدي العدو”. وظهر في إحدى اللوحات الجدارية النشيد الوطني غير الرسمي “إي إيران”، الذي نُشر للمرة الأولى خلال حكم مملكة بهلوي.
ويستخدم النظام فريق كرة القدم لأغراض مماثلة. ففي 13 تشرين الثاني/نوفمبر، كشف النقاب عن لوحة جدارية تظهر اللاعبين برفقة أبطال قدامى ومن فترة ما قبل الإسلام. واحتل الفريق أيضاً الصفحات الأولى لمعظم الصحف الكبرى طوال هذا الأسبوع. وعندما التقى الفريق بالرئيس إبراهيم رئيسي، كان عنوان اللقاء “من أجل العلم الإيراني”، وحصل رئيسي على القميص الفخري “اللاعب الثاني عشر”. ومع ذلك، أثارت جهود الاحتفال بالفريق وتخفيف الأجواء غضب العديد من الشباب الإيراني، حيث قام بعض النشطاء بانتقاد الفريق لنشره صوراً مرحة بينما يتعرض شباب آخرون للضرب والقتل في جميع أنحاء البلاد.
أما بالنسبة لكأس العالم بحد ذاته، فستلعب إيران ضمن المجموعة الأولية التي تضم 4 فرق تلعب جميعها ضد بعضها البعض، بما فيها الولايات المتحدة وإنكلترا وويلز، حيث يتأهل الفريقان الأكثر تسجيلاً للأهداف في المجموعة إلى المرحلة الإقصائية. وستكون المباريات الأولى للفريق الإيراني ضد إنكلترا في 21 تشرين الثاني/نوفمبر، تليها ويلز في 25 تشرين الثاني/نوفمبر والولايات المتحدة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر.
وتحمل المباراة الأخيرة تداعيات سياسية قوية بشكل خاص. فقد اشتهر البلدان بالتنافس في نهائيات كأس العالم في فرنسا عام 1998، حيث أثار فوز إيران أياماً من المهرجانات في جميع أنحاء البلاد. وبعد دقائق من المباراة هنأ المرشد الأعلى علي خامنئي الأمة بفوزها على خصومها “المتغطرسين”، وشبّه المباراة بـ “الانتصارات السابقة” ضد “الشيطان الأكبر”.
وحتى إن سياق اليوم هو أكثر جهوزية للتعصب القومي وإظهار المشاعر المعادية لأمريكا. وفي الحقيقة، كانت مباراة عام 1998 لقاءً ودياً في الملعب، حيث استغل الرئيس الإصلاحي الجديد آنذاك محمد خاتمي الدبلوماسية التي وفرتها لعبة كرة القدم لتعزيز التقارب بين البلدين على نطاق أوسع. واتبع اللاعبون تقاليد كأس العالم بتبادل القمصان بعد الفوز ووقفوا لالتقاط صورة مشتركة قبل المباراة. لكنّ رئيسي مختلف تماماً عن خاتمي، كما أن العلاقات بين البلدين متوترة حالياً. والنظام الإيراني هو أكثر حرصاً حالياً من أي وقت مضى على حشد الإيرانيين حول “راية كرة القدم” بتحقيقه الفوز على الولايات المتحدة، لخدمة أهدافه الدعائية ولمواجهة أي زخم إضافي قد تكتسبه الاحتجاجات خلال بطولة كأس العالم.
ومع ذلك، فإن القول أسهل من الفعل. وعلى سبيل المزاح، في نيسان/أبريل الماضي غرّد المتحدث باسم رئيسي أنه على نجم كرة القدم سردار آزمون أن يلتقي بقائد القوات الجوية في «الحرس الثوري الإسلامي» لطرح وتبادل الأفكار قبل المباراة ضد الولايات المتحدة، في إشارة ضمنية إلى أن كلمة “سردار” تعني “جنرال”. لكن بحلول أيلول/سبتمبر، كان آزمون قد نشر دعمه للاحتجاجات على حسابه على موقع “إنستغرام”. لكنه حذف المنشور بعد بضع ساعات وتمّ إدراج اسمه في النهاية ا ضمن قائمة المنتخب الوطني. وتبرز هذه الحادثة الحالة غير المستقرة لميزان طهران الخاص بالربح-المخاطرة في كأس العالم 2022 في قطر.
عومير كرمي هو زميل زائر سابق في معهد واشنطن.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى