حول بحثي عن ماسمي بالثورة العربية الكبرى

معقل زهور عدي

أثناء بحثي حول ماسمي بالثورة العربية الكبرى ومارافق تلك الفترة من أحداث , خاصة بعد دخول جيش الشمال العربي لدمشق بقيادة الأمير فيصل بن الحسين , كنت أحاول جاهدا الابتعاد عن أفكارنا المسبقة , وأوطن نفسي على تعديل ماسبق أن كنت أميل إليه من الأحكام وفق مايظهر من حقائق , وأكثر ما اهتممت به هو المذكرات الشخصية , والأحداث الموثقة , وقبل انتهاء بحثي كنت أفكر كثيرا بمواقف الأمير فيصل ( أو الملك فيصل كما أصبح بعد دخول دمشق وعقد المؤتمر السوري ) وربما كان فهم طبيعة المرحلة والقوى المتصارعة أهم من إطلاق الأحكام , بل لابد من ذلك الفهم إذا لم يكن بد من إطلاق الأحكام , وعلى سبيل المثال فمواقف الملك فيصل من القبول بالانتداب الفرنسي والقبول بشروط انذار غورو – وبالمناسبة ليس هو فقط من قبل بل الحكومة السورية أيضا – جاءت من مصدرين مختلفين , المصدر الأول هو الخلل في التوازن بين قوة جيش غورو الفرنسي ( ومعظم جنوده ليسوا فرنسيين ) وقوة جيش يوسف العظمة الوليد , والمصدر الثاني هو طبيعة العلاقة بين فيصل وانكلترا التي تكرست خلال سنوات طويلة وفيها وضع فيصل ووالده الحسين كل البيض في سلة انكلترا وأصبح من غير المتصور أن  يرفض لها أمرا حين يجد الجد , وفيصل كان في ذلك التلميذ النجيب بخلاف والده الذي لم يكن في الفترة الأخيرة قادرا على الانسجام مع السياسة البريطانية كما تتطلب بريطانيا من ” حلفائها ” أو  بصراحة أكثر من رجالها في المنطقة , فمواقف الملك فيصل من الانتداب الفرنسي كانت محصلة للمصدرين السابقين وربما كان الوزن الأكبر  للمصدر الثاني , ولايمنع ذلك من أنه كان يحاول بذكاء وجهد العمل في ادارة أمور الحكم في سورية خلال ما أتيح له من زمن قصير لكن ضمن الهامش المتاح بحيث لايخرج عن السياسات الدولية وخاصة عن الاستراتيجية البريطانية للمنطقة . فإذا لم نكن قادرين على تبرير تبعيته تلك للسياسة البريطانية فمن الصعب تبرير موقفه من القبول بالانتداب ثم القبول بانذار غورو وتسريح الجيش ثم الاستسلام للتخلي عن سورية نهائيا وكأنه موظف انتهت مدة خدمته وليس ملكا مسؤولا عن البلاد مستعدا لكل تضحية من أجل حريتها واستقلالها ,أقول من الصعب تبرير هكذا موقف باختلال ميزان القوى العسكري , وما كان متوقعا منه هو رفض الانتداب ورفض انذار غورو ومواجهة الجيش الفرنسي ثم الانسحاب وقيادة حرب عصابات ضد الاحتلال , ولو فعل ذلك لتغيرت أمور كثيرة , وكان لقي استجابة واسعة لدى الشعب السوري وهنا لم أتمكن من ايجاد عذر مقنع له بعد مراجعة عدة مذكرات منها مذكراته الشخصية ومذكرا ت مرافقه الدكتور أحمد قدري ومذكرات طه الهاشمي وكتب أخرى تتناول تلك الفترة المصيرية من تاريخنا .

المصدر: صفحة معقل زهور عدي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى