“أشد أزمة في العقود الأربعة الماضية”.. بهذه العبارة وصف خبير السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية “أومود شوكري” أزمة طاقة متوقعة بإيران في الشتاء المقبل، مشيرا إلى أن تداعيات تلك الأزمة قد تشعل الاحتجاجات المعارضة، التي تمثل أخطر تهديد لنظام الحكم منذ نهاية الحرب الإيرانية العراقية عام 1988.
وذكر “شوكري”، في تحليل نشره موقع “منتدى الخليج الدولي”، أن الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة الشابة “مهسا أميني” بعد احتجاز الشرطة لها بدعوى عدم التزامها بضوابط الحجاب، شارك فيها ملايين المتظاهرين، وتمثل تهديدا وجوديًا للنظام، ولذا حاولت الحكومة الإيرانية سحقها بأية وسيلة.
لكن المظالم الاقتصادية واسعة الانتشار تمثل وقودا قد يشعل هذه الاحتجاجات مجددا الشتاء المقبل، خاصة مع وجود مؤشرات قاطعة على استمرار العقوبات الغربية من جانب، ونقص كبير بإمدادات الغاز الطبيعي من جانب آخر.
وأشار الباحث الزائر بجامعة “جورج ماسون” الأمريكية إلى أن إيران هي رابع أكبر منتج للغاز، وتمتلك ثاني أكبر احتياطي في العالم؛ ما يعني أن الغاز يمثل ثروة لطالما لاحظ المسؤولون الإيرانيون مكاسبها المحتملة حال زيادة الصادرات.
لكن قطاع الغاز الإيراني يعاني عديد التحديات، على رأسها نظام العقوبات الدولي، الذي منع وزارة النفط من إنتاج ما يكفي من الغاز للحفاظ على عمل شبكة الكهرباء، فضلا عن موافاة الحاجة للتصدير على نطاق واسع.
وبحسب مدير الإنتاج والتنسيق والإشراف في شركة الغاز الوطنية الإيرانية “أحمد زماني”، فإن إنتاج إيران اليومي من الغاز يبلغ 850 مليون متر مكعب تقريبا، بينما يمثل الاستهلاك المحلي حوالي 685 مليون متر مكعب يوميًا.
ورغم أن رقم الإنتاج يبدو على الورق كافيا لتلبية احتياجات إيران، إلا أن البلاد عانت من نقص منتظم في الطاقة خلال الشتاء الماضي؛ حيث أن معدل الزيادة بإنتاج الغاز الطبيعي في إيران أقل من معدل ارتفاع الاستهلاك، خاصة في أشهر الشتاء.
ففي العام الماضي، شهدت إيران نموًا لإنحتاج الغاز بنسبة 3.1% بينما زاد الاستهلاك بنحو 3.2%؛ ما يعني أن الدولة لا تستفيد من زيادة الإنتاج.
ويعود السبب في ذلك بالأساس إلى الزيادة الكبيرة في الطلب على الكهرباء؛ حيث تعمل أغلب شبكات إنتاجها بالغاز الطبيعي، فضلا عن انخفاض ضغط الغاز في حقل بارس الجنوبي، والفشل في اكتشاف حقول جديدة خلال السنوات الأخيرة.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت لجنة الطاقة بالبرلمان الإيراني، في تقرير، أن الإهمال المستمر لنقص الغاز في البلاد تسبب في اضطراب خطير بأنظمة التدفئة المنزلية والتجارية؛ ما أدى إلى زيادة استهلاك الكهرباء بنسبة 70% وتوقف بعض الصناعات الأساسية، وإغلاق بعض منافذ الخدمات العامة، كالمخابز.
ويرى “شوكري” أن هذه العوامل ستضيف وقودا إضافيا إلى المظاهرات المناهضة للحكومة الإيرانية، مشيرا إلى أن 70% من الطاقة الإيرانية يتم توفيرها عبر الغاز الطبيعي، وهو رقم يمنع إيران من الاستفادة من عائدات التصدير المربحة ويخنق نموها الاقتصادي.
وإزاء ذلك، تتطلع إدارة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” إلى استيراد الغاز الطبيعي من روسيا خلال أشهر الشتاء المقبل لاستخدامه في تغطية الاستهلاك المحلي، خاصة في ظل المؤشرات على عدم وجود إمكانية لزيادة كبيرة في إنتاجها المحلي من الغاز على المدى القصير.
وبطبيعة الحال، فإن استيراد الغاز الطبيعي من روسيا سيجعل طهران أكثر اعتمادًا على موسكو سياسياً، وربما لن يحل أزمة الطاقة لديها بشكل كامل.
ولذا يرى “شوكري” أن إيران عليها، بدلاً من الاعتماد على روسيا، إجراء مراجعة عامة لسياستها الخارجية وتصميمها لصالح تمكين الاستقرار الاقتصادي والنمو، وهو ما يمكن تحقيقه حال توفير شروط إحياء الاتفاق النووي، وبالتالي خروج طهران من الضغط المتراكم للعقوبات الدولية.
فبدون جذب الموارد المالية والتكنولوجيا المتقدمة من الشركات الأجنبية، ستواجه إيران أزمة طاقة متنامية في السنوات المقبلة، ولن يؤدي استمرار الاحتجاجات إلا إلى زيادة ضعف الاقتصاد.
وإذا ما حاولت الحكومة الإيرانية زيادة أسعار الطاقة لكبح الطلب ستواجه شبح الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأدت إلى سقوط مئات القتلى، وهو ما لا يرغب حكام البلاد في تكراره.
أوقات عصيبة تنتظر إيران في الشتاء إذن، ولا يبدو حل في الأفق سوى الاتجاه نحو إحياء الاتفاق النووي، حسبما يرى “شوكري”، عسى أن يرفع ذلك من أغلال العقوبات.
المصدر | منتدى الخليج الدولي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد